عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 22/02/2010, 18h50
الصورة الرمزية قصي الفرضي
قصي الفرضي قصي الفرضي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:380271
 
تاريخ التسجيل: January 2009
الجنسية: عراقية
الإقامة: العراق
المشاركات: 648
افتراضي رد: حكايات قديمة عن التراث الفني العراقي

الاخوة الاعزاء
السلام عليكم


نخلة العراق الشامخة


لميعة عباس عمارة






تعد الشاعرة المحدثة المبدعة (لميعة عباس عمارة) محطة مهمة من محطات الشعر فيالعراق,ولدت الشاعرة لعائلةصابئية مندائيةعراقية في بغداد قرب الشواكة في الكرخ سنة 1929م ونشأت في مدينة العمارة. وأخذت الثانوية العامة في بغداد، وحصلت على إجازة دار المعلمين العالية سنة1950م، وعينت مدرسة في دار المعلمات. تخرجت في دار المعلمين العالية سنة 1955. وكانت عضوة الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء العراقيين في بغداد[ 1958 – 1963]. كذلك عضوة الهيئة الإدارية للمجمع السرياني في بغداد. وهي أيضا نائب الممثل الدائم للعراق في منظمة اليونسكو في باريس [ 1973-1975]. مدير الثقافة والفنون / الجامعة التكنولوجية / بغداد. وفي العام [ 1974] منحت درجة فارس من دولة لبنان. وتقيم حاليا في مدينة سان دييغو في ولاية كاليفورنيا / الولايات المتحدة الامريكية .

هذه المراة التي يسكنها الشعر حتى شاخت وهرمت ولم تنطفئ جذوة الشعر بداخلها فقد هربت من ارض الشعر والبترول بعد ان تفشت الاوبئة والامراض السياسية فيه كي تستنشق هواء الحرية وتكتب قصائد الحب الممزوجة بالوجع والحنين لدجلة وليالي بغداد والناس الطيبين .

لا احد يتذكر طبيعة تلك المرأة التي عشقها السياب والهمته في كتابة العديد من القصائد وكانت من اخلص صديقاته حين بدأت علاقته بها في دار المعلمين العالية التي تخرجت منه عام 1950 . و قال فيها قصائد كثيرة ودعاها لزيارة قريته جيكور وبقيت في ضيافته ثلاثة ايام كانا يخرجان سوية الى بساتين قريته ويقرأ لها من شعره وهما في زورق صغير .

بدأت الشاعرة لميعة عباس عمارة كتابة الشعر في سن مبكرة وبالتحديد عندما كان عمرها 14 سنة ارسلت بواكير شعرها الى الشاعر ايليا ابو ماضي (1889-1958) صديق والدها الرسام المغترب في المهجر والذي لم تره سوى شهرين وتوفي بعدها فاعجب الشاعر ابو ماضي بشعرها وشجعها وكان يلقبها بالشاعرة الصغيرة. ، ونشرت لها مجلة السمير اول قصيدة وهي في الرابعة عشر من عمرها وقد عززها ايليا أبو ماضي بنقد وتعليق مع احتلالها الصفحة الأولى من المجلة إذ قال : (اذا كان في العراق مثل هذا المستوى الشعري من هؤلاء الاطفال فعلى اية نهضة شعرية عظيمة سيكون العراق..)

قبل ايام سمعت لها مقابلة اذاعية اجراها معها الشاعر فالح حسون الدراجي وسألها عن شعورها بعدم ادراج شعرها ضمن المنهاج التعليمي في العراق فقالت لميعة انا مسرورة بذلك فلا اريد ان يفرض على الطلاب حفظ شعري , للشاعرة لميعة عباس عمارة سبعة دواوين شعرية مع ديوان بالعامية .
الذي يتصفح اشعار لميعة يجدها تنبض بالحياة وانثيالات الوجد شعور يصل الى نخاع المرارة مليء بالشكوى والعتب والفراق القسري فتجد ذاكرتها الشعرية منفتحة دوما تجوب الامكنة التي غادرتها تحاورها وترثي تلك الليالي التي لم تستطع الحياة الغربية التي عاشتها بما فيها من جمال وسحر ان ترتفع الى افياء ذاكرتها . ومن المغرب جرّت حقيبة سفرها الى فرنسا وهناك في عاصمة النور باريس فاجأها الحنين الى بغداد فأنشدت شعرا إلا إنه في هذه المرة كان شعرا شعبيا :


بغداد عشر الملايين إلا هواهم ولا لي عوض
بالرضى فرض علي انفرض
وما صاحبي بعدهم ..غير التعب والمرض
والدمعتين التنام بشعري تالي الليل
اكول خلصن واتاري الخلص بس الحيل
أدري جبيرة الارض..بس مالي بيها غرض

بدأت الشاعرة كتابة الشعر في وقت مبكر من حياتها منذ أن كانت في الثانية عشرة، ودرست ة في دار المعلمين العالية – كلية الآداب – وقد صادف أن اجتمع عدد من الشعراء في تلك السنوات في ذلك المعهد، السياب والبياتي والعيسى وعبد الرزاق عبد الواحد ( ابن عمتها ) وغيرهم، وكان التنافس الفني بينهم شديداً، وتمخض عنه ولادة الشعر الحر. لميعة عباس عماره شاعرة الرقة والجمال والانوثة والذكاء والفطنة وسرعة البديهة وصاحبة مواقف تذكر، فحين كرمتها الحكومة اللبنانية عام 1974 بوسام الإرز تقديراً لمكانتها الادبية- لم تتسلم الوسام (لان الحرب الاهلية قائمة) وكتبت تقول:- على أي صدر احط الوسام ولبنان جرح بقلبي ينام .

كتبت الشعر الفصيح فأجادت فيه كما كتبت الشعر العامي وأجادته كذلك، مثلها مثل الكثير من شعراء العراق الذين يكتبون الشعر الفصيح والعامي أو يضمنون قصائدهم الفصيحة بشعر عامي .

أحبت الشاعرة لغتها العربية وتخصصت بها ومارست تدريسها فتعصبت لها أكثر دون أن تتنكر للهجتها الدارجة فوجدت نفسها في الأثنين معاً. إن لميعة ترى في اللغة العربية الفصيحة وسيلتها للتواصل مع الآخرين الأوسع، لكنها تجد في لهجتها العراقية (العامية) ما يقربها من جمهورها المحلي الذي استعذب قصائدها فتحول بعضها إلى أغنيات يرددها الناس.

ذكرت في موسوعة WHO IS WHO ضمن النساء المشهورات في العالم وترأس حاليا تحرير مجلة (مندائي ) التي تصدر في امريكا

دواوينها الشعرية : - الزاوية الخالية 1960 - عودة الربيع 1963 - أغانى عشتار 1969 - يسمونه الحب 1972 - لو أنبائى العراف 1980 - البعد الأخير 1988 .





ولا ادري لماذا عنونت مجموعتها هذه بهذا العنوان المحدد … اعني ( عراقية ) . تريد أن تقول لنا , إن حال المرأة العراقية هو بهذا الشكل الذي قدمتة لنا الشاعرة . ومتى تعرف معالم هذه الصورة . دعونا نقرأ القصيدة التي تحمل هذا العنوان . تقول الشاعرة لميعة عباس عمارة….


تدخنين؟؟
لا...
أتشربين؟؟
لا..
أترقصين؟؟
لا..
ما أنت ؟ جمع لا ....
أنا التي تراني... كل هموم الشرق أرداني
فما الذي يشد رجليك الى مكاني
يا سيدي الخبير ...بالنسوان
إن عطائي اليوم شيئ ثاني
حلق..فأن طأطأت..لا تراني!!!


تلك هي القصيدة المعنونة عراقية والتي وضعتها في مقدمة المجموعة , يعني أن إنها تريد أن تقدم صورة المرأة العراقية للأخر لا يهمنا من يكون هذا الآخر قدر اهتمامنا بمعالم الصورة التي قدمتها لنا الشاعرة . ويبدو من فحوى الحوار الذي نقلته لنا الشاعرة والذي دار بينها وبين الشاعر ( عمر ابو ريشة ) , أن المرأة العراقية … بل الشرقية على العموم , هي امرأة سلبية في أدق تفاصيل الحياة . وهذه السلبية تتمثل بالانسحاب من عالم الرجل الشرقي المتسلط , هكذا هي صورة المرأة الشرقية و الشاعرة , واحدة منهن , إلى عالم الرجال في الشرق . انه شعور بالدونية , ولكنه شعور لا يمكن إزالته , لأنه مرتبط بها لأنها مجرد امرأة . فحسب هذا الشعور , قادها إلى الانسحاب إلى زاوية من زوايا ذاكرتها المفعمة بالأحزان .و هي بذلك تنقل لنا أحزان وهموم المرأة في البيئة التي تنتمي إليها الشاعرة .

تلك البيئة التي يعشعش التخلف في كل ركن من أركانها. الشاعرة (لميعة عباس عمارة )ليست هي الوحيدة من الشاعرات التي تعيش تحت وطأة هذا الحساس , فهي مثل نوال السعداوي وغادة السمان …. وكل اللواتي اتخذن من الشعر أو الرواية متنفسا لهن للتعبير عما يجول في خواطرهن .

وها هي ( لميعة ) تتمنى أن تعود الى بواكير طفولتها الأولى والى حديقتها التي ألهمت تلك المخيلة وفتقت شاعريتها . وأن يكون أباها يتمايل ... يتبختر مثل الطاووس الملون ، وهي تدور من حوله راقصة متباهية بألوان فساتينها. ومن الممكن انها لم تجد رجلا من النوع الذي يضاهي الأب ، ولهذا فأن في لغة ( لميعة ) التأكيد على الرجل الغائب ... المفقود ... النادر . لأنها لا تستطيع أن تتصور امكان زواجها من آخر سوى أبيها . وقد احست الشاعره بغيرة بعض زوجات زملائها من الشعراء والنقاد منها وقد تعبر هذه القصيدة عن هذه الفكرة ، حيث تقول :


سيدتي
من أنا اطمئني
فزوجك المصون في أمان
لي رجل أحبه
ولا أحب غيره
ولا أحب معه
ولا أحب بعده
إنسان .


وطالما تعترف ( لميعة ) في أكثر من قصيدة .. أن حبيبها لم يظهر ولن يظهر لأنها لم ولن تجد من يوازي ذلك الطاووس الذي كانت تتباهى هي وفساتينها أمامه في حديقة طفولتها ( والدها ). وهكذا نرى أن الشاعرة الكبيرة قد تدرجت من العام الى الخاص . من المرأة العربية والشرقية .. الى لميعة . من مشاعر الدونية لتلك المرأة الى مشاعر وتصورات لدنيا الرجال وعالمهم .

كان من النادر على المرأة العراقية آنذاك وفي خمسينيات القرن الماضي أن تتفرغ للدراسة سيما وأن العادات الاجتماعية كانت تحد من تعليم المرأة إلا في حالات كحالة لميعة فقد كان محيطها يسمح لها ويشجعها على إتمام تعليمها وهذا ما جعلها تجتاز الدراسة بدار المعلمين العالية بنجاح ،كان ذلك عام 1955 وتتقدم للتعيين كمدرسة على الملاك الدائم فى الاعدادية المركزية للبنات وكان موقعها في شارع الجمهورية وسط بغداد.

وعن تلك المرحلة المهمة من حياتها العملية تحدثنا تلميذتها الكاتبة والشاعرة هدية حسين قائلة:
في صباح ذات يوم ساد بيننا وجوم وحزن ، وبعد دقائق أطلت المدرسة الجديدة ...إمرأة فارعة الطول ،واسعة العينين،أنيقة بشكل مفرط ،ألقت تحية الصباح وراحت تتحدث الينا...كان لها صوت ساحر ،تتحرك برقة وتتكلم بعذوبة،لم تحدث طوال وقت الدرس أية جلبة ،بل كنا منصتات بشكل عجيب ومأخوذات بهذه المرأة..طرحت علينا طريقتها في التدريس التي لا تشبه أية طريقة عرفناها،فأخبرتنا إن درس الانشاء سيكون كتابة بحوث عن الادباء والمفكرين طيلة النصف الاول من العام الدراسي لكي يتسنى لنا تقوية ملكتنا اللغوية ..وحينما أعلن الجرس نهاية الدرس قالت:اسمي لميعة عباس عمارة وما إن خرجت حتى رحنا ننظر الى بعضنا بعضا إعجابا بهذه الشخصية التي سحرتنا،والتي أصبحت فيما بعد مثلنا الاعلى في كل شيئ ، بل بتنا نقلد طريقتها في الكلام لابراز أفضل ما لدينا.

وتستطرد الكاتبة في تحليلها لأهم المؤشرات التعليمية في حياة الشاعرة لميعة فتقول: هذه المرأة العراقية هي التي جعلتنا نبحث عن الجمل المفيدة ونستخرجها من القرأن الكريم ،وليس على طريقة ذهب فلان وجاء فلان ،واشتريت كذا وكذا ...كانت تقول وهي الصابئية أقرأوا قرأنكم وتعلموا منه كيف تكتب الجملة وكيف تقرأ .

ولها ديوان شعبي (بالعامية) وقصته كما ترويها الشاعرة في باريس... ان الغريب عندما أتحدث عن بغداد يأتي الشعر عامياً.. ولماذا لا اكتب بالفرنسية دون العامية فيتبين لي أني قريبة من الشعب بالعامية لذا كنت أهتم بالشعر العامي.. وقد استمرتلميعةحتى في حياتها الجامعية ومازالت تنظم بالعامية وقد تسربت الكثير من قصائدها الى الإذاعة وغناها عدد من المطربين. ولميعة عباسعماره تمثل نرجسية الأنثى التي تتلذذ برؤية عشاقها فهي شخصية قاطعة.. مرهفة في قطعها مثل حد الموس اذ إحساسها بتفوقها وانجذاب الآخرين أليها جعل ذلك التمرد اعتداداً مفعماً بالانوثه والكبرياء كما يقول (ابن عمتها) الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد…
فالحب عندها لا ينحصر ضمن دائرة ذاتية وإنما يمتدا الى أفق عام لا يعرف الحدود..

يول اشلون الك رگبه ولك طول
ولك هيبة التيسرني ولك طول
اگل الليل المسامر ولك طول
مثل ليل القطب چلچل علي

ولها:-

القصيده أصعب امن امعسر ولادة
أو عند الشاعر أبعزة أولاده
بلعبه أتحصلت رينو ولاده
وأنا المر سيدس انعزت عليه


و عن الجسر المعلق وذكرياتها الجميلة فيه


يا جسر المعلق ... أويا أحله جسر
يحزام دجلة ايلالي حدره الماي ويوج العصر
يمصافح الصوبين مامل الرصافة الكرخ
من وكت الزغر
ظلعي احسه المنكسر … موش الجسر
ياجسر المعلق ... ويا أحلى جسر


وها هي تخترق الافاق منذ البداية الاولى حتى منبر دار المعلمين العاليه وانتهاءً بالمرابد الشعرية وديار الغربة.. فعنصر التحدي يكمن في داخلها لذا رفضت العباءة وخلعتها بعد ان عايشتها لسنين حتى المرحلة الجامعية.. انها ثورة ضد المألوف تمثلت في اختراق باب الغزل وكتابه (شهرزاد) ونشرها في مجلة (البيان) النجفية لصاحبها (علي الخافاني) الذي عانى ما عانى بسببها..

لميعة والذكريات ....

تقول الشاعرة في إحدى ذكرياتها ...
في إمتحان البكلوريا للصف الثالث المتوسط سنة 1943 ، توقفت في حل بعض المسائل الرياضية : وخطر لي وأنا في هذا المأزق أن أحول الرياضيات الى شعر ، وليكن مايكون فكتبت تحت مسألة في الجبر طويلة مايلي :


أين سين ناقص صادا ونــــــــون
من قصيــد بالـــــغ المعنى حنون
أين رفـــع القوس أو تربيعـــــــه
من تراتيل لهـــــا تندى العيـــــون
أيـــن ياهـــــذا رياضياتكــــــــــــم
في سماء الشعر من سحر الفنون
أمن الحكمــه أن يمضـــي الصبـــا
ويضيــع العمــر والعمــر ثميــــن



في لقاء مع الاعلامية سعدية مفرح بثت الشاعرة همومها ولواعجها وقالت :

ان التجديد من داخل القصيدة ولهذا السبب ارتبطت كليا بالشعر الكلاسيكي الذي يحتفي بالموسيقى والايقاع على الرغم من اني عاصرت ورافقت مجموعة من شعراء كلية المعلمين في بغداد والأربعينات الذين هم أول من دعوا الى الشعر الحر وكرسوه مثل بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي.

وأنا شاعرة عربية ارتبط بجذوري التاريخية التراثية وأقر، وأصر ان التجديد يجب ان يكون في داخل القصيدة لا في خارجها، أي ان يكون في المضمون لا في الشكل، وليس من التجديد أن أقول نثرا وأدعي انه شعرِ في بادئ الأمر احترمت تجربة بدر شاكر السياب، وتصورت ان هذا هو اختراعه واكتشافه، ولا يحق لي ان أقلده، وكنت طبعا مخطئة، لأن هناك غيري من قلده، وبكثرة، وأكثر من النشرِِ أكثر من بدر شاكر السياب، على الرغم من انه مقلد لبدر وتابع ومتأخر عنه، وكان يسمعه فينسج على هذا المنوال الجديد، أما أنا فلم أفطن الى هذه اللعبة، ولست آسفة على ذلكِ.




السياب

بمناسبة الحديث عن السياب لن أسألك السؤال التقليدي عن علاقتك بهِِ ولكن اسألك :ألا يضايقك ذلك السؤال التقليدي الذي يرد في كل مقابلاتك تقريبا حتى بدا الأمر وكأن لا يوجد في تجربة لميعة ما يهم سوى علاقتها ببدر شاكر السياب؟

طبعا يضايقنيِِ انهم يحاولون، خصوصا الشعراء الكبار منهم يحاولون تحجيمي، وإبعادي عن دائرة الضوء، على الرغم من انني متواضعة جدا ولا أزاحمهم ولا أرد عليهم، ولا أتكلم عن نجاحاتي كما يتكلمون، وأنا اعترف انني مقصرة في حق نفسي، ومساهمة في التعتيم على نفسي، انهم يريدون القول انني مجرد امرأة جميلة، أو أن أهميتها تعود الى حب بدر شاكر السياب لي ذات يومِِ ولكنهم فشلواِِ لأنني وأنا في هذا العمر المتقدم الآن، لم أعد أملك ذلك الجمال وقد تزاحمني فيه الكثيراتِ .وأنا مبتعدة عن هذا الميدان، كما انني ابتعدت كثيرا الى ان شاب شعري، وعدت أخيرا لأجد من الحفاوة أكثر، وهذا يعني ان كل اتهاماتهم باطلة، وحضوري لا يعود الى علاقتي ببدر شاكر السيابِ,
واعترف بقيمة هذه العلاقة وبقيمة بدر شاكر السياب واذكره بكل خير .ولقد كان بدر انسانا عظيما، وأنا آسفة لأنني لم استطع ان ألبي طلبه بالارتباط لأنني كنت حريصة لأن أبقى شخصية مستقلة، فارتباط شاعر بشاعرة يلغيهاِ ورفضت طلب السياب بالارتباط بي لأنني حريصة على شخصيتي المستقلة .

وهناك أسباب أخرى ، منها حياتنا الاجتماعية التي وقفت حائلا بيننا، فهو كان إنسانا ينتمي إلى بيئة يحتاجه فيها أهله، وهذا أيضا ينطبق علي، أي ان كلا منا كان مكلفا برعاية عائلة ولسنا أحرارا لاتخاذ قرارنا بالزواج في مثل ذلك العمرِِ وأنا لست نادمة على ذلكِ لقد قطعنا ما بيننا من علاقة عاطفية ونحن في الذروة، فبقيت الأماني جميلة والصورة طرية لم يهزمها الملل والتكرار والروتينِ لقد بقيت الأشياء بجمالها وهذا هو موقف الفنان من الحياة، فهو يجب ان يحتفظ بالأشياء وهو في الذروةِ.


في لقاء قديم في برنامج (خليك في البيت) الذي تقدمه إحدى القنوات الفضائية المصرية عام 2002ظهرت الشاعرة لميعة صحبة الشاعر الراحل نزار قباني(1923-1998) والذي عرض عليها في ذلك البرنامج أن تسجل تجربتها مع بدر في كتاب حتى تنال الشهرة التي خطفها منها محمود البريكان ورشيد مجيد وعبد القادر الناصري وهم من كبار الشعراء العراقيين وظهروا في نفس الفترة الزمنية التي ظهرت فيها الشاعرة لكنها رفضت ذلك وبينت انها لن تبني مجدها على حساب شاعر كالسياب وقالت :ليس صحيحا ما أشيع أن بدرا أحبني دون أن أحبه بل إني كتبت عدة قصائد له منها (وحدك) و(الحب المقتول) و(لعنة التمييز) و(مكانك الخالي) و(تحياتي الى البصرة) وجميعها كانت موجهة الى بدر...


العزوف النقدي من النقاد
ان من أسباب ذلك العزوف النقدي الشديد عن شعري يعود الى عدم انضوائي تحت لواء أي حزب سياسي من تلك الأحزاب التي كانت آنذاك 'تلمع 'وتكرس المنتمين إليها من الشعراء وغيرهم و لقد كان هذا هو الذي يبني شخصيات مثل هؤلاء الشعراء، وان شخصيات فارغة وكاذبة، لقد عاصرت بعض الشعراء، ارتفع قدرهم وعينوا في مناصب مهمة، وترجمت أشعارهم وكتب عنها كثيرِ .


اما أنا فقد كنت أنال الاضطهاد بسبب السياسة من دون الكسب، ففي بداية الستينات مثلا هددنا بحياتنا وحياة أطفالنا، فأخذت أطفالي ولجأت الى ألمانيا الشرقية فحكيت لهم عن ظروفي والتهديدات التي وصلتني بالقتل في بلدي وطلبت منهم ان أعمل بالتدريس، وعلى الرغم من ان الصديق عزيز شريف قد مدحني عندهم كثيرا، الا انهم سألوني ان كنت منتمية الى الحزب الشيوعي أم لا؟ فقلت لا، عندها قرروا ان يضعوني في مخيم بائس وكريه للاقامة فيه، مما دفعني للهرب الى ألمانيا الغربية في الليلة نفسها، لأنني لم أحتمل المكان، وأنا متأكدة انهم كانوا سيضعونني على رأسهم لو كنت شيوعيةِ ودعيني أخبرك أكثر من هذا، فأنا أتذكر ان هناك بعض الأسماء التي فرضت على اتحاد الكتاب لدينا آنذاك على الرغم من تواضع موهبتهمِِ فقط لأنهم شيوعيون، وهذا ينطبق على الأحزاب الأخرى أيضاِ وأنا لم أدخل في لعبة الأحزاب، ولا في لعبة أخرى حدثني عنها الشاعر الراحل بلند الحيدري عندما قال لي ان الأمر يتطلب ان أكتب عن شاعر معين، وهذا الشاعر يكتب بالمقابل عني، والنتيجة أننا نصبح كلنا شعراء كبارا .






لميعة و نازك الملائكة:

شاعرة الشاعرات لكنها تعقدت لأن الرجال احترموا عبقريتها ولم يحبوها كأنثى .لم احاول التقليل من شأن الشاعرة نازك الملائكة في كتاباتي و هناك نقطة يجب ان تدرس في شعر نازك الملائكة، لقد اشرت اليها ، ولكن على الباحثين ان يبحثوا فيها، وتتلخص هذه النقطة في أن المرأة عندما تشعر بأنها غير مرغوب بها من الرجال، او انها غير محبوبة لن يكفي احترام كل العالم لها لأن يملأ فراغ قلبهاِ .


نازك عبقرية وانسانة عظيمة وشاعرة كبيرة، بل هي عندي اكبر الشاعرات، ولكن نظرة الرجل إليها سببت لها هذه العقدة النفسية التي ما زالت تعانيها، شعور المرأة انها فقط محترمةِِ وفقط مقدرة لموهبتها لا لأنها امرأة، شعور تتعرض له المرأة فتصاب بعدة امراض نفسيةِ.


ولو درسنا شعر نازك، لاستخرجنا الكثير من كلمات الكآبة والظلام والتشاؤم من قصائدها وكل ذلك مبعثه شيء واحد وهو ان المرأة التي تشعر أنها موضوع إعجاب كأنثى تختلف عن المرأة التي تشعر انها موضع اعجاب لعبقريتها فقطِ .
ِ لم تكن نازك صديقتي، فهي اكبر من تكون صديقتي، ولكني من المعجبات بها، لقد تعرفت علي في الجلسات التي كانت تعقد في بيت الراحل محمد شرارة، ثم زاملتها في العمل في مدرسة واحدة، ولكني لم اكن صديقتها لان نازك لم تسمح لي بصداقتهاِ وهي تقول هذا ِِو لقد قالت لي ذات يوم إننا معرفة ولسنا صديقتين، لانني أمثل النقيض لنازك، في الشخصية والجرأة وفي نظرتي للحب، وفي الاضواء التي كانت مسلطة علي في الجامعةِِ .


لميعة والجواهري
في أوراق نشرت في جريدة الشرق الأوسط قبل سنوات قليلة أشارت الى مناوشات قديمة مع الشاعر محمد مهدي الجواهريِِ .
أنا أحب الجواهري، ولكنه كان يستفزني لأنه كان يعتقد أنني لا أقرأ الكتب الجادة، لذلك استغللت فرصة قراءتي لأحد دواوينه الصادرة في ذلك الوقت لأخبره بأنني وجدت فيه بعض الملاحظات النقدية، وعندما قرأ هذه الملاحظات التي كنت قد دونتها في ورقة أعجب بها والتفت الى من حوله من أصدقائه النقاد مثل محمد مهدي المخزومي وعلي جواد الطاهر وقال لهم :كيف فاتتكم هذه الأشياء من ديواني؟ وقد كتبت كل هذه الملاحظات والمناوشات حولها في جريدة الشرق الأوسط قبل سنوات، عندما كان الجواهري على قيد الحياة، ولكنه لم يعلق عليها لأنه بالتأكيد نسي كل هذه الأشياء، وأنا أيضا قد نسيتها لولا أنني لحسن الحظ وجدتها مكتوبة في أوراقي القديمة التي ما زلت محتفظة بكثير منهاِ .


الشاعرةِِ والنقاد
اتسمت علاقة لميعة عباس عمارة مع النقاد بالبرود وعدم الاستلطاف المتبادلين، وإذا كانوا قد تجاهلوا تجربتها الشعرية بعدم الكتابة عنها، فإنها قابلت ذلك بالسخرية منهم والتندر عليهم،.


من هذه الحكايات التي وردت على لسانها :


لست شاعرة !
منذ سنوات قليلة كنت في إحدى المؤتمرات وقد صدف ان جلس بجانبي ناقد كبير كان قد حصل لتوه عل 'جائزة نقدية محترمة، فعلم ان اسمي لميعة دون ان يعرف انني الشاعرة لميعة عباس عمارة، فقال لي هل تعلمين ان بدر شاكر السياب قد أحب سميتك؟ فقلت له :اعرف ذلك، فقال :'ولكنها لم تكن شاعرة 'فقلت له فعلاِِ قال اين هي الآن؟ 'قلت له 'ماتت سنة 1977 '، وبعدها التفتت الى الشاعر سعدي يوسف وكان يجلس الى جانبي الاخر وقلت له :لا تتفاجأ يا سعدي اذا قرأت تاريخي مغلوطا ما دام سيكتبه ناقد مثل هذا الفائز بجائزة في النقد الحديث من دون ان يعلم انني مازلت على قيد الحياة !


انت لميعة؟ !
وجاءني آخر عام 1974، وكنت ابدو اصغر من عمري فسألني إن كنت أنا لميعة التي احبها السياب أو لا، فقلت له :وهل تصدق انني انا المعنية بهذه القصة القديمة؟ فنظر الي معتقدا ان الفارق الزمني بين عمر السياب والعمر الذي كنت ابدو عليه آنذاك لا يمكن ان يجعل مني محبوبة للسياب، فقال :لاِِلا اصدق انك انت المعنيةِ .



وصفة جمالية
تميزت لميعة عباس عمارة باهتمامها الشديد بأناقتها ومحافظتها على مظهرها الشاب دائماِوهي تفضل استخدام الملابس الشرقية من دراعات وعباءات في كل امسياتها الشعرية ولقاءاتها التلفزيونيةِ وقد بدت عمارة التي يربو عمرها على السبعين عاما بسنوات قليلة، دائما اصغر من سنها الحقيقيِ ....


للوصول الى هذه النتيجة توصي الشاعرة كل النساء قائلة :
تستطيع المرأة الذكية ان تحافظ على شبابها الدائم وعلى جمالها بالثقافة المستمرة، فلا شيء يعكس الجمال على العيون والفم والصوت مثل الثقافةِِ تبعثين ايتها المرأة جميلة لانك تتوهجين من الداخل، وكل هذا ينعكس على شكلك الخارجيِِ وهذا هو السرِ....

نتمنى العمر المديد والصحة والعافية ومزيدا من العطاء لشاعرتنا الرائعة ....
منقول للفائدة بتصرف

تحياتي
قصي الفرضي / العراق بغداد
الصور المرفقة
نوع الملف: jpg 1.jpg‏ (18.4 كيلوبايت, المشاهدات 266)
نوع الملف: jpg 2.jpg‏ (55.9 كيلوبايت, المشاهدات 264)
نوع الملف: jpg 3.jpg‏ (24.3 كيلوبايت, المشاهدات 264)
نوع الملف: jpg 4.JPG‏ (13.3 كيلوبايت, المشاهدات 266)

التعديل الأخير تم بواسطة : قصي الفرضي بتاريخ 22/02/2010 الساعة 19h05
رد مع اقتباس