ماذا قالت الصحافة الفرنسية في أعقاب الحفلة الأولى؟
2

في عددها الصادر بتاريخ 14 نونبر 1968
لوموند جريدة فرنسا الأولى
تعود لتخص أم كلثوم بمقالة شاعرية جديدة كتبها مبعوثها إلى الحفلة إريك رولو
L'astre de l'orient à l'Olympia
كوكب الشرق في الأولمبيا
ترجمها أبو إلياس من الفرنسية حصريا لسماعي وبدون تصرف
ما إن رفعت الستارة إلا وبدأ الهيجان ، كانت الصالة تتصدع من التصفيق الحاد ، ظهرت كوكب الشرق التي أسرت العرب في مملكتها لعقود من الزمن ، ولمدة فاقت أربع ساعات سحرت أم كلثوم ملكة الطرب العربي جمهورها .
والمصرية قلما غادرت عاصمتها ، فعشاقها يحجون لسماعها كما يقصدون مكة ، فلحضور حفلتها الشهرية بالقاهرة ، يركب متوسطو الحال القطار أو الباخرة ، ويسـتأجر الآخرون الطائرة أما الفقراء فيتلاصقون حول جهاز الراديو ، مساء الاثنين اضطر مئات الطلبة العرب إلى الاقتصاد في نفقاتهم للحصول على تذكرة الحفلة العجيبة وعبرها متعة استحضار لحظاتها لسنوات قادمة .
كان جميع الممثلين الدبلوماسيين العرب من المحيط إلى الخليج الفارسي في الموعد ، وبدورهم أبى أمراء ورجال أعمال من السعودية والكويت والمغرب أن يتخلفواعن حفلة امتدت حتى الثانية صباحا .
تمنح هذه العملاقة المقدسة التي جاوزت الستين شعورا بقوة الإرادة ، بالصلابة والشموخ بالنظرة المتسلطة كل سحرها في صوتها العذب وإلقائها البلوي الشفاف .
لاتأسر المتفرجين كمجموعة وإنما كل فرد منهم على حدة ، فينشأ حوار حميمي عاطفي صاخب ، ويصير تواصل تام بين خشبة المسرح والصالة قوامه النغم في تأثير سحري لاتقطعه إلا ضربات بالأرجل على الأرض وصرخات النشوة . يثير البعد الشاعري للأغنية طرب البعض ودموع البعض الآخر ، ويطلق الإيقاع العنان لا شعوريا لحركات جسدية فتانة ، ولايتمالك البعض نفسه فيترك مقعده ويتخلع ليرسم خطوات بالرقص ، العيون مغمضة والوجوه كأنها معذبة بتأثير ألم داخلي حاد ، بصوت مخنوق من شدة الانفعال تدخل المطربة بجملة عاطفية معروفة – يبدو أنها المفضلة عند الرئيس عبد الناصر- ويبدو أنها في الظروف الحالية تأخد تأويلا جديدا : أعطني حريتي أطلق يديّا ، وينجلي الحزن العميق الذي خيّم على القاعة فجأة حين تنهي أم كلثوم الكوبليه بصرخة ثائرة : ما احتفاظي بعهود لم تصنها وإلامَ الأسْر والدنيا لديّا .
تحولت الأولمبيا إلى Vel' d'hiv (قاعة مدارية لسباق الدراجات ) في لياليها الكبيرة ، وقفت الصالة تصفق عن بكرة أبيها تصيح سعادتها ... تخطّى بعض الشباب طاقم المحافظة على النظام وغمروا المسرح وأحاطوا بالفنانة يقبلون يديها وأطراف فستانها .