الأستاذ الدكتورعبد الحميد سليمان المتسحبون (النسخة الكاملة) إلي مدام ناهد البن
بسم الله الرحمن الرحيم
المتسحبون
.. أوغل ظلام الليل واشتد برده القارس وتدافعت موجات الأمطار المتكاثفة المنسالة الكاسحة التي ما كانت تهدأ إلا لتعود غليظة ثقيلة, ثم ترأفت السماء بمن أثخنتهم, فأذهبت ريح سموم عاتية,صولة المطر والبرد لكنها لم تتقاعس عن سوالفها فكادت تطيح بإسماعيل الذي تشبثت بتلابيبه زوجته وصغاره فزاده ضعفهم وًهنا إلي وهنه وعجزا إلي عجزه وما أسعفه أخواه وأبناؤهم,علي فتوة شبابهم وميعة صباهم إذ صرفهم عن الاهتمام بهم ما لم يفرق بينهم جميعا من داهم الريح العاصف,التي كادت تقتلعهم جميعا وتتقاذفهم إلي حيث تريد, لكنها نظرت إلي تشبثهم ورقة حالهم وآيات ضعفهم وفاقتهم ورعبهم ,مرتسمة علي وجوههم فرقت قليلا لهم ,حين عاينت فزعا وهولا خط خطوطه السود علي قسمات وجوههم التي تكأكأت عليها الدنيا وادلهمت لهم الأيام ,لقد بدا ذلك الفزع جاحظا وقحا متحفزا, بعد أن جهد إلي استنفاره الريح العاصف والمطر الكاسح والبرد القارس ,كان فزعا ليس كمثله فزع, ومنذ متي كان الفزع علي سواء ,لا تختلف ولا تتنافس ولاتتباين ولاتتجدد أو تتبدل أو تبتدع ,مذاهبه وصوره ,ذلك لا يعلمه ولا يعيه ويصطلي به,إلا أمثال أولئك المهمشين المنبوذين المطحونين,الذين تركلهم وتلفظهم قلوب وعقول ونفوس وأقدام وساحات المتوسدين المتمكنين الذين لا يطوف بخيالهم مجرد طيف تبدل الأيام وهاجس دورتها وتحولها.
... دهت كفر سليمان البحري وتوابعها بقدوم الأمير إبراهيم كتخدا مستحفظان إليها ملتزما جديدا,وبما سبقته إليها من أنباء قسوته وجبروته و سطوته ووقائعه مع قري التزامه التي كانت تتناقل فصولها ومصائر ضحاياها ألسنة الناس في القري والعزب والنجوع, كان ذلك القدوم الأشأم روعا وفزعا ليس كمثليهما روع أو فزع ,فالرجل كان متمترسا وراء صولة موقعه ومنصبه,وكثافة مريدي حظوته وسالكي طريقهم إلي لعق حذائه إلي أن يتمكنوا من إقصاء ذلك الحذاء وانتزاع حظوته لدي ممتطيه,و لاريب أنهم سوف يصلون إلي ما سعوا إليه مهما توسل الحذاء القديم واستجدي البقاء وترقق لقدم إبراهيم كتخدا مذكرا بإخلاصه وطاعته وولائه وصادق بلائه,إنهم أطري منه جلدا وأنعم ملمسا وأقل كلفة وأبخس ثمنا, ولن يتقاعسوا في تنافسهم وإلحاحهم وإستجدائهم رضا قدمي إبراهيم كتخدا, الأعلم والأدري بتباين الحظوظ والملكات حتي في عالم الأحذية ودنيا الجلود,وتنوع الدور,وهو الأمهر في استخدامها وفقما تقتضيه حاجاته وما تعوزه ظروفه,إن منها ما تقتضيه جولاته ممتطيا صهوة جواده بين جنوده وجاويشيته,ومنها ما ينتخبه لامتطائه حين لقائه بباشوات مصر وكبرائها في القاهرة,ومنها ما لا يجد بديلا عنه حين يلوذ إلي الخلاء ليتخلص مما يتخلص منه الناس,ورغم تنافس تلك الأحذية وتكايدها,إلا أنها متراضية مجتمعة متفقة علي ألا تأبه لملامة لائم صارخ أو صادع,ولا لإعراض صامت مستنكر قلبه,راضية قسماته,مضطرمة دخائله, لقد وعت تلك الأحذية ما ينتظرها لقاء جهدها وتفانيها, من دور أو منفعة أواستقواء ينسي الناس ضعفها وهوانها ووضاعتها ويعلي خسيستها,وإن أرقها وشغلها طيف وهاجس استبدالها بأحذية أدني مكانة وأقل طموحا,وأكثر جهدا وأطوع نفسا وأطري جلدا,ساعتها يشتد دأبها وتمعن في تملقها وترخصها سعيا لاستبقاء ذبالة من نفوذ,اقتنصته من أحذية ذوات أدوار أكبر وأهم,وهل يستوي من يمتطي عند لقاء الأكابر والوجهاء بمن يظل رابضا أمام أماكن قضاء الحاجات لا يقلقه لزومها,ولا يزعجه كريه رائحتها, ولا يستثيره نجسها وضعة حالها,إنها تلزم دورات المياه وبولها وبرازها ولا تبارحها وتعتادها وتألفها,وتسرف فلا تكاد تألف غيرها,هكذا اعتادت تلك الأحذية أقدام إبراهيم كتخدا مستحفظان وأمثاله وأضرابه وأشباهه ونظائره وخبرتها وتمرست عليها,وما أبخس ما كانت تطمح إليه لقاء ذلك وما تطمع فيه من القنص أو الاستقواء والاستطالة علي الضعفاء من أهليها وبني جلدتها,لقاء مزيد من الإنحاء والخنوع والخيانة, والهوان والضعة .
.. كان التزام الرجل بكفر سليمان البحري وتوابعها, داهية دهت بها وفزعا راعها ليس كمثله روع, وهولا لا يدانيه هول, لقد فدحت بقدومه تلك القرية المكلومة القابعة علي ضفة نهر النيل الغربية فرفدته بدموعها ودموع أهلها وفاضت عليه بمعين لا ينضب من مآقيها,حسرة وأسي علي أبنائها الذين اغتال أمنهم وسكينتهم,ظلم الظالمين وبشاعة المتسلطين من أولئك الملتزمين المستقوين المتنفذين ومن خالطهم وتبعهم ودار حيثما داروا من خفراء وعسكر ومشدات وكبراء وكتاب وصيارفة وإمام مسجدها الوحيد ومأذونها, أولئك تكالبت قواهم وتلمظت أنيابهم واستعرت أطماعهم في نوال غنائم وقنص عطايا وإعفاءات من السادة الجدد, دونما اكتراث بأجداث أهليهم وحطامهم وآلامهم, وبعضهم دفعه إلي ذلك جبن مستكن وذاكرة مترعة مثقلة بمصائر بائسة لأولئك الآبقين علي الذل,المتشبثين بحقهم في البقاء في بلادهم والتمتع بخيرها,الثائرين لكراماتهم, المنافحين عن أعراضهم ودينهم وإخوانهم,الذين تمثل فيهم جليا واضحا قول الجواهري الشاعر:
يُطاق تقلبُ الأيام فينا.. وأما أنْ نَذلَّ فلا يُطاق
,ودائما ما كان تلوك ألسنة أولئك السفلة ,هذيل أمثال وحكم قديمة بالية تفلسف الرضي بالذل وتؤدلج الخنوع والخضوع وتضفي عليه قدسية زائفة وحكمة مضللة, وتسرف في التذكير بمصارع السابقين من آباء وأجداد رفضوا الظلم والخنوع وأنفوا من الذل والقهر والخضوع, فقاوموا وتصدوا ولم يحنوا هاماتهم ولم تستذل نفوسهم فكانت عاقبة أمرهم خسرا وقتلا وهولا وتعذيبا,دونما غائث أو معين أو متململ أو متضجر,من أهل وشركاء ألم وقرناء بؤس, أولئك ردعهم خوفهم وسعيهم للإفلات من مصير أيقنوا فداحته,وقليلهم ضن بتمايز قليل وضيع,علي بني جلدته وإخوانه فأمن أن يعصف به جبروت ذلك الملتزم الذي صحبه جنوده ومنافقوه ومن يأتمرون بأمره فهو قائد فرقة مستحفظان العسكرية بالإقليم,والقائم علي رياسته,الممتطي لأمنه وأمن أهله,الذي توسد منصبه متدثرا بعطاء لا ينقطع واسترضاء واستمالة لا تتماهل ولا تتراخى أو تبخل ,تصدع لأوامر الباشا في القاهرة وتتلمس حاجاته وتتحسس فتستبق أحلامه,وتقيه مغبة الإفصاح,لقاء ذلك كان الباشا وكبار متنفذي القاهرة يغضون الطرف عن الاضطلاع بواجبهم في كبح طائلة المستطيلين المتسربلين بسرابيل الحكم, ويتغاضون عن كل ما يقترفه حلفاءهم ورجالهم وإن عظم خطره وفاح خبثه,لقد تقاسم أولئك اللئام موائد الأيتام الذين لم ولن يرثي أو يكترث بهم أو لهم أحد.
... لم تعهد كفر سليمان البحري من قبل,مثل تلك العرايس الخشبية التي نصبها رجال الملتزم وجلاوزته,في الساحة الواسعة أمام المسجد وعند الشونة المقفرة, ليصلب عليها ويجلد المتمردون العصاة والعاجزون أو المتقاعسون,عن دفع المال الميري وخلافه,لولاة الأمور حسبما وسمهم إمام المسجد,الذي جزم بحرمة ذلك وأن مقترفيه يستحقون أبشع عقوبة وأبلغ روع,ردعا لأمثالهم وحفظا للمال العام الذي تعانق مع المال الخاص, في عقله ومستكنات نفسه ورفات ضميره, إلي أن ذابا في وله وانصهار وعشق,وباتا رفيقي درب ومصير, لقد كافأه إبراهيم كتخدا مستحفظان وجلاوزته فأعفوه,من الضرائب علي كتابة وتسجيل عقود البيوع والمعاملات والأنكحة ووقائع الطلاق التي كان يكتب حججها ويقيدها في دفاتره,ويتقاضي عنها رسوما نقدية وهدايا عينية مما تنبت الأرض,من فومها وعدسها وبصلها وقثائها وأرزها وقمحها وبطيخها وشمامها,وما تضج به الأسطح من أبراج حمامها وعتيق أوزها وبطها وطيورها الشمرت البداري,ومايجود به النيل والترع وقنوات حقول الأرز من قراميطها وشبارها وحنشانها وبوريها وشيلانها وسردينها وبلطيها و حمير سمكها وجمبريها ,وووو...الخ, حتي ليكاد ذلك العالم العلامة والبحر الفهامة,والباب الذي لا يقرب الجنة متقرب ولا يطؤها واطئ,إلا عبر تزكيته ودعائه,يشارك الناس في أرزاقهم وأقواتهم وموجوداتهم, وحين أبلي ذلك العالم النحرير والفيض المتدفق الغزير,بلاءه غير الحسن وحان قطاف يانع ثمار سعيه الآثم الوضيع,أُعفِى من الضرائب والكلف والفرد والإتاوات التي كانت تثقل كواهل أولي رحمه وبني جلدته وبلدته,والتي كان عليه أن يدفعها مثلهم عن عدد هزيل من الأفدنة,يزرعها له أخوته, وغدا الإمام بعد تلك المكرمات الغائثات العارفات بقدر أهل العلم,المساقات حسب زعمه والزعم دائما مطية للكذب,من فيوض أرزاق الله التي يختص بها عباده الزاهدين التائبين اللائذين, فولاة الأمور وخلفاء الله في الأرض علي عباده,ما جادوا عليه بها استرضاءً ولا استرقاقا وإنما عن تقدير عميق للدين وأهله ورجاله...هكذا كان أمثال إمام السوء يقنعون أنفسهم الميتة وقد وأدوا صولة ضمائرهم ولومها, تلك الضمائر التي عصف بها وأذهب ريحها صمت الصامتين وإطراء المنتفعين ونهج الساعين المرجفين,وانزواء المتوجسين المرتجفين, وهل هناك أسوغ منطقا وأقل كلفة وأربح نتيجة وأسترعيبا,وأمكن لهروبهم وتنصلهم مما يرونه ويعاينوه وُيدبر علي مسامعهم,من ذلك التبرير الزائف الكاذب الوضيع,ولم يشفع لدي العالم النحرير,القطب الرباني,السراج المنير, أو يستثير نخوته الآفلة وغضبته البائدة المنعدمة,أن كبار قريته وصغارها كانوا لا يتقاعسون عن تقبيل يده, ولا يتأففون ولا يضجرون من الترجل عن دوابهم حين مرورهم به أو مروره بهم إكبارا للدين وأهله والقائمين عليه,ويسرف بعضهم فيخلع نعليه حتي يمر محييا ومهللا ومكبرا,حين يراه متوسدا مجلسه علي مصطبة المسجد أو ماشيا في ردهات وحواري القرية,أو متربعا في أحد الأجران,ولا يعود إلي حذائه أو بلغته أو حدوته الجلدية الغليظة أو قبقابه الخشبي التليد, إلا بعد أن يجاوزه أو يجاوز مجلسه,أو يحول بينهما حائل من بيت أو دوار,أو عريش,أو أذرة أو أشجار سامقات, لقد سولت للرجل نفسه المريضة وأنانيته المتخاذلة ,أن القوم إنما يكبرونه عرفانا بفضله وتقديرا لريادته, فمثله وريث للأنبياء ورديف للصالحين,وردع حاسما قاطعا طائفا طاف بخاطره يوما ما مترددا خائفا مذكِرا منبها الي أنهم لا يقدمون علي ذلك إلا احتراما وحبا وولاء لدينهم وليس له أو لغيره,وطاعة لقرآنهم وسنة حبيبهم الذين ألزموهم بتقديرهم ورفع درجاتهم وطاعتهم فهم ولاة أمور المؤمنين ومعدن الفضل واليقين.
... تمترس إبراهيم كتخدا مستحفظان ملتزم كفر سليمان البحري وتوابعها كفر المنازلة الجديد وعزبة اللوزي وكفر يوسف والسياحات والمستباعد والبرية,وراء خيله ورجله ومنصبه وسطوته ,تكلؤه دعوات الإمام وأحكامه ومبرراته,لتغتال ظهور ورقاب وكرامة الفلاحين البسطاء البؤساء ,سياطه وعرايسه الخشبية التي كان يصلبون عليها ,دون أن يترقق قلبه أو قلب من معه,لآهات الأمهات المكلومات علي فلذات الأكباد,ولا زفرات النسوة العاجزات اللواتي يغتالهن مشهد رجالهن,دروعهن من عاديات الدهر,وهم يصلبون ويجلدون ويسحقون, ولا تستثيره ولا حتي تلفت انتباهته صرخات وآنات وانكسارات أولئك المثقلين المرهقين المخذولين ولا دماؤهم ولا دموعهم .
... وما انفك إمام السوء يسوغ ويبرر, ويستغرقه الدور وتهوله مغبات الإباق, فيسرف علي نفسه ويصب جام غضبها الماكر المتنصل الرعديد,علي تلك الطيور الذبيحة,التي يتهمها أمام آلهته وسادته بالمكر والخبث والمُطل, وإن لاح له طيف ندم أو شبح خوف من انتقام السماء ودورة الأيام والليالي الحبالي المثقلات بكل عجيبة, أو ذّكـره أمر بربه وبفادح جرمه وبشاعة تبريره وتسويغه, هرع إلي لوم الطيور الغفل السذج المجترأة علي غشيان الأشجار والسكني إلي أعشاشها, فعنده أن الأشجار عليها أن تلفظ ساكنيها وربائبها,حين يروعها ويروع أفراخها,ويخرس شدو بلابلها,قانص قادر باطش, يقتاد الحق والرحمة والنخوة أساري راضخين طيعين يقلبهم كيفما شاء له قلبه, وسول له عقله واشتهت خزائنه وظمأت نفسه... وعند إمام السوء وجوب أن يهرع خلفه كل من يأتم به من أهل قريته, صاغرين خاضعين طائعين شاكرين, داعين مهللين مكبرين ,غير عابئين بما سيثقل كواهلهم ويتهدد كراماتهم وحياتهم , وما سيعجزهم به إبراهيم كتخدا وأمثاله ونظائره, من فادح الضرائب والمغارم وهائل المضافات والبراني والحلوان,ومعجز العوايد وظالم الفرد والإتاوات والكلف والعونة,اللواتي تمنطقت بمنطق هزيل وتسربلت بسرباليها القديم والجديد,دون أن تتحسب أو ترحم أو تأبه أو تخجل,في سعيها الجديد الدءوب لامتصاص أرزاق الناس وعوافيهم وموجوداتهم , ولا ضير عند إبراهيم كتخدا ملتزم كفر سليمان البحري وتوابعها من ذلك ومن أبشع منه, فهو يعي أن سادته ورعاته وحماته وقادته في القاهرة, لا يغفرون ولا يتسامحون ولا يستعتبون.
... كانت كفر سليمان قرية وارفة الظلال ترفل في خضرتها علي ضفاف النيل وتنهل من سلسبيله,ومثلما كانت تجود عليه بمصلياتها المستظلة المحتمية بدعوات أهليها في صلواتهم وبشجرات التين والموز والصفصاف والتوت والجميز العتاق,كانت زهرات بناتها ونسائها يعتدنه ليغترفن من منهله الثر السلسبيل,وكن يستأمننه علي أعراضهن وحرمة أجسادهن وشرفهن فيتخففن من ملابسهن إن أِمن تلصص المتلصصين وترقب المترقبين, أو حين يتسترن بتلابيب الظلام المنسدل الساتر الأمين, كان النيل لهذه القرية أليفها وسندها وحبيبها وراعيها وقلبها الذي تسري في شرايينها مياهه ويغمرها بفيوضه وخيره,فيضفي علي وجهها رونقا وشبابا ليس لهما نظير, ومثلما كان يجود عليها بمائه السلسبيل وطميه الثري الأصيل,كان يكلؤها بعطاء لا يتوقف ولا يحد من الشبار والبلطي والشيلان والسردين النيلي والقراميط والبوري والحنشان وحمير السمك سيئة الحظ بتسميتها التي لا يد لها فيها ولا مناص لها عنها, فمنذ متي اختارت الناس أوالموجودات أسماءها أو استُشيروا فيها,وأني لهم ذلك فالأسماء كالمصائر قدرية لا فكاك منها,لكن تلك التسمية لم تصرف حمير السمك عن روعتها ولم تترك قليل أثر علي طعمها الفريد,وما انفكت أفران كفر سليمان تفيض بمشوياتها من رائع تلك الأسماك النيلية التي كانت تلتحف بخبز ليس له نظير في روعته وطعمه,لم يتقاعس عن منافستها في تنوعها وتفردها, فكان منه فطير الأرز,والكوماج والرقاق والأبابير والمفرود اللين الطري ,والسن الثري الغني والمشلتت وصواني اللبن الممتزج فيها الخبز المحمص في السمن البلدي بثري اللبن الجاموسي وووو..,
... هكذا كانت الأيام تمضي بكفر سليمان علي خير حال,وهي تجتاز هادئة هانئة سنوات عقودها المتوالية في القرن 16 الميلادي,حين جادت أرضها بخيراتها وبادلت أحباءها ورعاتها وحماتها وأبناءها الذين كرسوا جهدهم وعشقهم لها فأكرمتهم أحياءًوأمواتا, ووسعتهم وحفظتهم,وبادلتهم حبا بحب,وودا بود,وعطاء بعطاء,وسخاء بسخاء,ويجزم أحدهم أن الزرع في الحقول يهتز فرحا وبهجة حين يهِل صاحبه عليه, ليلبث رابعة نهاره فيه إلي أن يودعوه علي أمل لقاء يترقب متعجلا انصرام الليل وإطلالة الفجر وتباشير الصباح,حينها كان عطاء الأرض وخيراتها يستبقي لأهلها من الحبوب والفاكهة والخضار ما يزيد عن كفاياتهم فيسعون به فقراءهم وأقرباءهم ومن يحل بساحاتهم ويستظل بظلهم ويتنسم عبيرهم عن كرم نفس وطيبة قلب, ولا يضنون باستضافة من يعتادهم أو يمر عليهم من العسكر أو رجال الإدارة والمرسالجية الذين يستظلون بظلهم في رحلتهم بين القري أو في طريقهم من دمياط إلى شربين والمنصورة والقاهرة,وهم لا يختصونهم بأريحيتهم وكرمهم لجليل مكان أولئك الجنود وأرباب الوظائف والمكانات ولا لفادح خطرهم وإنما عن أريحية نفس وكرم محتد ,وآية ذلك أنهم كان يشاركهم فيأها ويتزود بعطائها,كل من كان يلوذ بكفر سليمان من المراكبية الذين حطت مراكبهم بساحلها أو سكنت عنها الريح فغدت حبيستها ورهينة رضاها وحنوها,وغيرهم من فقراء وفقهاء وعابري سبيل وكتبة وخفراء ونوتية وحواة وقرداتية وغوازي ومواوية زجالين,وصييتة ومنشدين,وأرباب صاجات وغاب ونايات ودفوف,وشعراء رباب رواة بطولات أبي زيد الهلالي سلامة وتابعه أبي القمصان وقصص أبنائه مخيمر وشبان وأبناء شقيقاته مرعي ويحيي ويونس ,وحلفائه دياب بن غانم والسلطان حسن بن سرحان وأخته الجازية والخفاجي عامر وحبيبته ناعسة الأجفان وأعدائه,الزناتي خليفة وأمثاله,وحكايات ثارات الزير سالم وبكائياته,التي لم تشفع لديها بحور دماء البكريين قتلة أخيه كليب,والتبع اليماني وسيف اليزل أبطال ومحرري اليمن من قبضة الفرس,وقاهري الروم البيزنطيين ,ذات الهمة وابنها عبد الوهاب وأبو عبد الله البطال,وعنتروعبلة,وقيس وليلي وجميل بثينة,وأزجال وحكم ابن عروس, وغير ذلك من فيوض لا حدود ولا نهاية لها,كانوا يصدحون بها في ساحات كفر سليمان ودروبها وأزقتها وحواريها,ومياتمها وموالدها ومواسمها,وأفراحها وطهور صبيانها,آنذاك كان أهل هذه القرية يدفعون ماعليهم للملتزمين من ضرائب وعادات وكلف ثابتة,دون أن يروعهم يوما ما,جحفل سنجق دمياط وجلاوزته,سنوات وأيام كان ريف مصر إبانها يستظل بعدالة الحكام,وتصديهم لمن يفكر في بهظ فلاحيه وظلمهم والافتئات عليهم.
... رحم الله الشاعر الذي أبدع أيما إبداع حين رأي الأيام الجميلة الطيبة تمر سريعا, فتخلي الذاكرة والعمر لسنوات الألم ووقائع العذاب,وتغدو تلك الأيام الآفلات ,حلما لا ينال وأملا لا يتحقق,وألما لا يرعوي أو يكف,وحسرة لا تنقضي,ودمعا لا يرقأ:
مرت سنون بالوصال وبالهنا.. فكأنها من قصرها أيام.
ثم انثنت أيام هجر بعدها ..فكأنها من طولها أعوام.
نعم انقضت تلك السنون وأهلها .. فكأنها وكأنهم أحلام.
,لقد بدأ العام رائعا جميلا,لكنه كان يخفي في تلابيب مقبلات أيامه ولياليه سوادا وغلظة وقسوة,ووقائع وكوارث عابسات قالحات ضنينات, ومصائب جائحات,لقد ترأف ذلك العام بالناس في بداياته فجهد في دفع ذلك ومنعه,إلي أن أعجزه الأمر وأقعده الهول, فانزوت أيامه الطيبات كليمات باكيات ليواجه أهالي كفر سليمان البحري شقا رحى لا يرحمان,كانت أسرعهما مقتضيات حوائجهم وأقوات ذويهم وحقوقهم في حصائل عرقهم وثمرات كدهم من حقولهم وبساتينهم التي توارثوها عن آباء لهم وأجداد جاءوا إلي تلك الدوحة العذراء علي ضفة النهر الغربية منذ أن استقرت سبله ولان مجراه,وطاب له سكناه, وكأنهم تآلفوا مع النيل فتحابوا وتعاشقوا,وتواعدوا فتصاهروا,وتلازموا فتصابروا, وتمازجوا فتوحدوا وتذاوبوا,إلي أن دهتهما تلك الدهياء المظلمة ,التي تفردت علي سابقاتها بعرائس إبراهيم كتخدا الخشبية وجلاوزته وسياطهم وكرابيجهم,وعصيهم,وغلظة قلوبهم وقسوتهم وموت مشاعرهم.
... ابتُلي إسماعيل وأخوته بما ابتُلي به قرناؤهم وجيرانهم وأقاربهم,الذين لم ترحمهم سنتهم العجفاء من سني النيل التي ابتلي بمثلها أجدادهم أيام يوسف الصديق عليه السلام,وماذا عساهم يفعلون وهم من لم يأل جهدا,أو يدخر وقتا أو راحة,ولم يصرفه صارف من صروف أيام تداعت عليهم قاصمات فاتكات حاسمات, لكن إسماعيل والذين معه علي جلل ما وسعهم لم يشغلهم شاغل عن العناية بقراريط أرزهم,محصولهم الرئيس وقوتهم وساتر حالهم,وحين استغلظ ضن النيل بمائه, وتعطلت سواقيهم وجفت آبارهم, طفقوا يحملون شحيح الماء علي ظهور ودوابهم وظهورهم, فما أغني عنهم ذلك شيئا,وخلا الجو وطاب الأمر لحشائش الغلت والدنيبة والسِعد والحندقوق والزفون,فاستوحشت واستأثرت يقليل الماء,وجهدت شجيرات الأرز البائسات اللواتي ترأفن بدموع إسماعيل وأخوته وتذكرن سابق عطائهم وحدبهم عليهن فترأفن بهم وأشفقن علي صغارهم وتوجسن غائلة جوع لا يرحم وطائلة جبار لا يعبأ,وعز لديهن أن يحرموهم من عطائهن اللواتي أبصرنه شحيحا هزيلا,لا يقي ولا يكاد يغيث,وكاد الجرن أن يبكي حال إسماعيل وإخوته ومواسم حصاد وأفراح آفلات, كان ساحتها, إبانها كان ذلك الجرن يتباهي مثلما تتباهي أجران القرية بفيوض من الأرز,أبي الرجال الذين أذروها إلا أن يزينوها بألواحهم ومذاريهم وأدواتهم, فجمعوها في أهرامات اسطوانية ورسموا عليها بألواحهم ومذاريهم وأدواتهم لوحات رائعات, وهم يكبرون ويهللون قبل أن يفيض عليهم صاحب الجرن بأجرهم العيني من الأرز الذي يكفيهم عامهم القادم ويزيد,ويمتد الفرح بأولئك الفلاحين,فلا يردون سائلا ولا صاحب عادة, فكان الحلاقون والبياطرة ونجاروالسواقي, والقياسون ومشايخ الطرق الصوفية وبائسوها واللائذون بها,وشيوخ الكتاتيب وقارئو القرآن ومرابعو الترع وبروجية المصارف وحفاروها وخفراؤها وكتبة أحوالها وفقراؤها ومتسولوها وعابروها, وضعاف أراملها ومرضاها, وأرباب العادات والعاهات كل أولئك وغيرهم كانوا يدلفون إلي الأجران فيرتزقون من خيرها ويدعون لأصحابها بدوام الرزق والبركة والستر الذي لا ينكشف.
... نعم انقضت تلك السنوات الطيبات وهاهي سنة من السنين السود التي أعقبتها ورافقتها مجاعات وأوبئة كانت تخلي قري كاملة من أهلها يهلك منهم من هلك ويرحل من وسعه الرحيل إلي حيث تسعهم قري أخري كانت بمفازة من ذلك الهول الفاجع,ووسعت أهلها خزائن الطين الأسطوانية الطويلة الحافظة بذخائرها ومدخرها من الحبوب,قمحا وأذرة وأرزا وشعيرا وبصلا وثوما,لقد كاد جرن إسماعيل وأخوته أن يكون قفرا يبابا إلا من قليل من الأرز جهدت به الأرض ما وسعها الجهد ,فلا يكاد يروي غائلة ولا يرقأ جوعا,وخال الرجل وأخوته أن إبراهيم كتخدا وجلاوزته سوف يرفعون عنهم سطوتهم وسياطهم ويعفونهم مما اعتادوه في الأعوام المنصرمة من نهبهم لما كانت تثمره الحقول والغيطان والبساتين, فأني لهم ذلك وقد عزت محاصيلهم ونفقت مواشيهم وطيورهم وما بقي لهم من ذلك إلا ما ادخرته السماء منها حتي لا تذوي أو تنقضي وتبيد.
... كان ظن إسماعيل وأخوته وأضرابه,حلما بعيد المنال,حيث لم يغن الحال إبراهيم كتخدا وكلابه, الذين أوعزوا إليه أن الفلاحين هنا ,أكثر الناس لؤما ومكرا وتحسبا وأغناهم مالا ومتاعا وأنهم يدخرون ذلك في سراديب عميقة, تنوء فيها صفائحهم بشتي العملات الذهبية والفضية,من دوكات وريالات ذهبية بوطاقة وأسدية, وبارات وأنصاف فضية سليمانية, وأن مخابئها تظل أسرارا لا يعرفها غيرهم,وفيها ما يكفيهم ويزيد من مدخرات سنينهم الفائتات ,للوفاء بحق الملتزم ورجاله الواجب,فاستشاط الرجل غضبا واستحضر إمام السوء وبعض معاونيه ومنتفعيه وخائفيه من مشايخ القرية وأعيانها,وسألهم عما أٌوعز به إليه ,من مكر ولؤم فلاحي كفر سليمان,فتمتموا وأبهموا ثم انبري إمام السوء مؤكدا في خبث وضعة لا يباريه فيه أحد,أنه لا يتهمهم ولا يبرؤهم,فأقسم إبراهيم كتخدا ليصلبن علي عرائس الخشب كل من يتأخر عن سداد كيلة واحدة من الأرز, أو نصف فضة من النقود, وسوف ينتزع نساء وأطفال كل من يهرب أو يأبق ويتمرد,ولن يوقفه في سبيل ذلك أمر حتي لو مات أهل القرية ونساؤهم أجمعين.
... تواترت تلك الكلمات وتناهي صدي تلك الغضبات إلي الناس في كل مكان فهالهم وأفزعهم و باتوا في هم وروع جاثم علي قلوبهم وصدورهم لا يريم,وحين عاينوا مصارع بعض من عُجل بهم أيقنوا أن لابد مما ليس منه بد,وألا نجاة لهم إلا بالتسربل بظلام الليل الدامس والتماس الأمن والنجاة في فلوات البراري الموحشات القاتلات الفاتكات العامرات بالفواتك والزواحف والقوارض والهوام, الجاثمات غربي الفرع الشرقي للنيل المنسوب إلي دمياط, والممتدة إلي نهايات بحيرات غربي الاسكندرية.
... أرخي الليل سدوله وأوغل الظلام فأجمع إسماعيل وأخوته أمرهم أن يتركوا بيوتهم وحقولهم سريعا هربا من مصير أسود وغائلة لا ترحم, قبل أن يفطن إبراهيم كتخدا وجلاوزته فيسعون لمنعهم أو يرتهنون بعضا منهم فلا يهرب الآخرون,واستعاد إسماعيل أبيات كان أبوه يرددها عليه وعلي جلسائه و صغاره في قيلولتهم حين تسعهم ظلال شجرة التوت العجوز فتفيئونها ويتناول غداءهم, ويروون من قلل الماء الباردة المعلقة علي جذعها صداهم:
و إذا خشيت تعذرا في بلدة..فاشدد يديك بعاجل الترحال
واصبر على غِيَر الزمن فإنما..فرج الشدائد مثل حل عقال
...استرجع إسماعيل تلك الأبيات علي أخوته,علي حين قبعت نساؤهم خارج المندرة وقد تشبثت بهن صغارهم ,يرقبن واجفات حسيرات يائسات عاجزات مشفقات,ولم يمهل إسماعيل أخاه عطيه وهو يستمهله أياما حتي يري ماذا عساه أن يحدث,فنهره متمثلا حكمة والده ,استيقانا منه بمصير مرعب وهول مفزع ,فبيتهم من البيوت التي كانت متهمة دوما بالستر والغني,لعفتها وأمانتها وكرمها ومتدفق عطائها الذي لا يرد مسكينا ولا مريضا ولا سائلا خاوي الوفاض,وأعز إلي النساء أن يجمعن ضروريات الملابس وأن يعددن أطفالهن لليل البرية القارس الطويل ,وأمر أخوته أن يحملوا علي حميرهم ما أمكن لهم من متاع وطعام,وأنبأهم أن وجهتهم قرية الخاشعة في حفير شهاب الدين فبها بعض من أقاربه ,وأن طريقهم إليها لن يكون المسلوك المألوف من السبل والدروب وإنما عبر البرية التي لن يتتبعهم فيها متتبع ولا يفجأهم مفاجئ مطارد, مخافة الأفاعي والحشرات والذئاب ,ولا يعرف مسالكها إلا من خبرها وبلاها, وأنبأهم إسماعيل أنه سلكها مع بعض من معارفه يوما ما,وصولا إلي عزبة ميت زنقر ,وهناك دفعوا مبلغا كبيرا حلوانا لبعض اللصوص الذين أقاموا في بريتها مقابل استعادة مواشيهم المسروقة.
.... لم يتوان القوم وسرعان ما احتوتهم البرية وأخفاهم غابها وذهب نعيق بومها ونعيب غربانها ونقيق ضفادعها, بأصواتهم ,واستغرقهم ليلها الطويل أياما عديدة كلت فيها جهودهم وتغضنت وجوههم واكفهرت قسماتهم,ورزح الهم علي صدورهم فلم يستثن منهم صغيرا ولا كبيرا ولا رجلا ولا امرأة, حتي باتوا علي أعتاب قرية الخاشعة,فأمرهم إسماعيل أن يلبثوا بأطراف البرية الي حين ينتصف الليل, فلا يراهم أحد حين يدلفون إليها,فلطالما سمع إسماعيل إبان جلساته في أعطاف أبيه صغيرا في مجالسه مع نظرائه في المصلاة الوادعة ,علي ضفة ترعة الساحل عمن كانت تتلي أسماؤهم في المساجد أو يطوف بها منادي القرية زاعقا صارخا منوها بوجوب عدم استقبال كل متسحب من قريته أو متاواته وإيوائه وأن من أوي واحدا منهم ولم يبلغ ملتزم القرية ومتكلميها وولاة أمرها به فلا يلومن إلا نفسه.
... لبث القوم نهارا باردا ثقيلا يستخفون بشجر الطرفة وأعواد الغاب والبوص والبردي حتي إذا جن الظلام واختلط,واستكنت الخاشعة وأهلها في سبات عميق وصمت مطبق تحسست أصابع إسماعيل باب أبي بدير ابن عمه الذي نهض متثاقلا متشككا فما ألف أن يعتاده أحد من القرية في هذا الليل البهيم,وفتح الباب فأبصر أشباحا متضورة من الإرهاق والألم والخوف وتحسس ملامحهم وقسماتهم فعرفهم ووسعهم صدره وقلبه مثلما,وسعهم بيته وأهله وشحيح قوته ورزقه من أرضه وصيده,ولبثوا معا إلي أن جرت في النهر مياه جديدة.
( صدر هذا الفرمان المطاع الواجب القبول والإتباع من ديوان مصر المحروسة خطابا إلى حاكم ولاية البحيرة سليمان بيك والي ذو الفقار بيك حاكم ولاية الغربية دام عزهما,وإلى أقضي قضاة المسلمين وأولي ولاة المؤمنين,معدن الحق واليقين,مولانا قاضي ولاية البحيرة ومولانا قاضي ولاية الغربية,دام فضلهما,والي المتسلمين وقيام المقامات,والمتولين, والصوباشية والجوربجية, والسدادرة والعسكر وغفرا الأدراك وقيام مقامات البلاد ومشايخ العربان ومشايخ البلاد وجميع المتكلمين بها, نعلمهم أن قري وعزب نواحي براري حفير شهاب الدين والحامول وبيلا والبرلس وبلطيم قد تسحبت إليها جموع من العاصين والهاربين من أغراب وفلاحين من قري خط البحر كفر سليمان البحري وتوابعها وكفر البطيخ وميت أبوغالب وكفرها والسوالم والأحمدية وغيرها,الواقعة جنوب ثغر دمياط المحروس,وتسبب ذلك فى تعطل زراعاتهم وفلايحهم والقيام بما عليهم من المال الميرى وأن أمير اللواء إبراهيم كتخدا مستحفظان قابودان ثغر دمياط المحروس دام عزه وملتزم نلك النواحي,قد قدم عرض حال شرح فيه أنه تأخر عليه وعلي الملتزمين بتلك النواحي من باطنه مال ميرى كثير,وأن السكان والرعايا المقيدين بسجلات التزام القري المزبورة قد باتوا قليل ,بعد أن تسحب كثيرهم,فبموجب ذلك أصبحت تلك البلاد خاربين, وبموجبه طلب منا فرمانا,أن كل من يدخل نواحي براري حفير شهاب الدين والبرلس وبلطيم والحامول وبيلا وبلقاس وبسنديلة وبهوت وكفرها,ولم يتقيد فى سجل البلدة التي يضبط فيها,يقبض عليه وعلي كل من معاه, كبيرا وصغيرا وشيخا وامرأة وطفلا,ويقيدون في سلاسل الحديد علي وجوه التنكيل والهوان والإذلال, ردعا لأمثالهم,ويخرج بهم صوباشية وجوربجية ومشدات وغفرا من النواحي التي يضبطون بها,علي وجوه البت والسرعة ليعودوا إلي بلادهم لمحاكمتهم والقصاص منهم وزراعة فلايحهم,حتي لا يتأخر أو يضيع مال السلطان,الذي لابد أن يطلع ولو من بين الضفر واللحم, وبعد قيد الفرمان يكون ِإجهار المناداة في كل النواحي المذكورة,أن كل من يعارض الحكام المذكورين ويتاوي أحد من أولئك المجرمين أو يتحامى به, فلا يلومن إلا نفسه,كون أن بعضهم جمع لموم من المتسحبين العصاة وأولاد الليل وأهالي البراري, من الخاشعة وبلقاس وبسنديلة وبهوت وكفرها ,ودليلهم وكبيرهم هو إسماعيل أبو سليمان وأخوته وعطا الله أبو عامر وأخوته وشحاته الزهداني وأخوته من أهالي كفر سليمان البحري المذكورة بجملة حوالي ستماية نفر خياله ومشاة لموم ,رمحوا على قرية كفر سليمان المذكورة وقت الفجر وقصدوا خرابها والانتقام من إبراهيم كتخدا مستحفظان ملتزمها وتابعه محمد جوربجي قايم مقام ورجالهم, كونهم قبضوا علي جماعة من فلاحي كفر سليمان وضربوهم بالعدة والكرباج لتأديبهم لأنهم تأخروا عن سداد ماعليهم من ميري وبراني وخلافه, فنفذ فيهم أمر الله وماتوا تحت الضرب فى أواخر شهر شعبان سنة تاريخه أدناه, وفر الملتزم المذكور الي ثغر دمياط, وقتل إسماعيل أبو سليمان من الفلاحين المتسحبين العصاة واللموم التي رمحت معه ,قايم مقام الناحية محمد جوربجي وثلاثة وعشرين من العسكر العثمانلية وخمس مشدات,وحرقوا موجودات الوسية وغيطها, وثلاثة وعشرين كوم دريس ومائتين فدان قمح وكسروا ثمانية عشر ساقية وسحبوا من الدوار ألفا ومائتين وثمانين رأس غنم ومائة وخمسين جاموسة وخمسين فحل جاموس وستين ثور بقر وخمسة عشر جملا ومصاغ ونحاس وفرش ومليوس,وخلافه معين ذلك كله بقائمة بعلم الذاهب والمنهوب,وعليه بعمل بذلك علي وجوه السرعة والحسم والإبرام, كون إن قايم مقام مصر هو الذي كتب هذا الفرمان فحال وصوله إليكم تعملوا اللازم بدون تقاعس أو تسويف والاعتماد فى ذلك على الكف المفخم والختم المكرم فى سادس ربيع الآخر سنة ستة وتسعين ومائة وألف من الهجرة ..) .............
الأستاذ الدكتور/ عبد الحميد سليمان
الدمام 28/1/2010م
التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 05/02/2010 الساعة 08h12
|