بغداديـــــــات
تعلــيم الســباحة
لقد قيل قديما (تعلم الخط والنط والسبح بالشط).ونظرا لوقوع بغداد على نهر دجلة الخالد بجانبيها الشرقي والغربي ,ولانتشار دور البغداديين على ضفافه او بالقرب منه ,ودفعا لكوارث الغرق التي اودت بحياة الكثيرين من صبيان بغداد وشبانها عمد اغلب البغداديين الى تعليم اولادهم السباحة بعد بلوغهم السن المناسبة بين 10-15 سنة
ولقد كان اكثر معلمي السباحة من اليهود وكان كل معلم من هؤلاء يتخذ مقرا خاصا في احدى شرائع بغداد المشهورة كالمجيدية وسيد سلطان علي وجردالباشا حيث ينصب له جرداغ (وهو عبارة عن غرفة ضغيرة مبنية بخشب القوغ والحصران الجوازري )اى القصب ويهيء معلمو السباحة عددا من كرب النخل ويبذلون لكل كربة عناية خاصة فهم يبطنون وجه الكربة بالقطن ويغلفونه بخام الشام (الخام الاسمر)وبعدان يثقبوا كل كربة عدة ثقوب يمررون خلالها جبل قنب لتربط بواسطته الكربة على جسم الصبي. واحسن انواع الكرب المستعمل في السباحة هو كرب من نخل البربن لانه عريض وخفيف الوزن نسبيا .وقد يهيء بعضهم عددا من الجوابة (جمع جوب وهو لفظة انكليزية تطلق على مطاط دولاب السيارة)وذلك للاستفادة منها وهي منفوخة بالهواء في تعلم السباحة وانقاذ المشرفين على الغرق ومساعدة من شعر بالتعب من السباحين
ولكل معلم اجرة مقطوعة يستحقها بعد ان يعبر الولد الشط بحضور اهله وذويه .
وقد تكون هذه الاجرة هدية مناسبة.....ولكن اليهود دائما يفضلون النقود.
يبدأ المعلم بربط ثلاث كربات على جسم المتعلم اثنتان منها على ظهره والثالثة على بطنه ,ثم يطلب منه النزول الى الماء بعد ان علمه وهو على اليابسة كيفية تحريك يديه ورجليه.
والمعلم يسبح بجانبه في الكيش (المنطقة القربية من الجرف) وللصبيان هوسة يطلقونها عند لعبهم في الشط فهم عندما يكتشفون منطقة ضحلة يقفون عليها وينادون (هذا الكيش حلاوي).
وبعد ان يتعلم الصبي مبادئ السباحة (ويكوم يطوف) اى يعوم جيدا يبدأ المعلم بأنقاص عدد الكربات فيرفع اولا الكربة التي كانت مربوطة على بطنه .
وبعد ان يسبح مدة بالكربتين المربوطتين على ظهره ويطمئن المعلم الى مهارة تلميذه يرفع عندئذ احداهما مكتفيا بكربة واحدة على ظهره....وبعد مدة قصيرة يتخلص نهائيا من الكرب ويبدأ في السباحة بدونه تحت اشراف المعلم ثم يمارس بعد ذلك (المده) اى السباحة لمسافة طويلة تزداد تدريجيا ايضا وفق قابلية الطلاب المشاركين بالمدة وهنا يكون المعلم في وسط طلابه الذين شكلوا قوسا حوله ومعه (جوب) يعين به من شعر بالتعب من طلابه مناديا بأعلى صوته (ياولاد بلبول) فيرد الطلاب جميعا (بلي) اى نعم
ماشفتوا عصفور ------بلي
ينكر بطاسه-------بلي
حمام ياسه(اسم امرأة)------بلي
كله......-------بلي
وبعد ان يضمن المعلم نجاح طالبه في السباحة نجاحا يعصمه من الغرق يخبر اهله ليحددوا موعد الامسية التي يحتفلون خلالها بعبور ابنهم الشط.....وعندئذ يقف ذوو الولد في جهة من النهر الخالد يشاهدون نزول ابنهم ومعلمه الى النهر من الجهة الثانية وقد ربط المعلم ملابس تلميذه فوق رأسه ثم يبدأ الطالب (النشمي..ابن ابوه) بالسباحة وامه والحبيبات يزغردن .
وعند اقترابه من الجرف تعزف الموسيقى الشعبية التي استقدمها ابو الولد الحانها البديعة ...ثم يخرج من الماء جذلا مسرورا فيقبله ابوه وتطش (ترمي) امه (خطار واهليه--من النذور البغدادية وهو مجموعة من الشكرات المخلطة تستعمل بالافراح) على رأسه ثم تقدم بعدئذ الهدية الى المعلم ومن وصايا معلمي السباحة لتلاميذهم عدم الاستخفاف بأبي الشركيط (وهو تشنج عضلي يصيب ساق السابح وربما كلا ساقيه) وانما يجب على السابح حين يصاب به ان يعود مسرعا الى الجرف او يستنجد بمن هو قريب منه اذا تعذرت عليه العودة فلطالما ادى (ابو الشركيط) الى غرق عدد ممن يعرفون السباحة ويجهلون معالجة هذا التشنج.
__________________
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ