عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21/10/2006, 02h23
MOHAMED ALY MOHAMED ALY غير متصل  
قـناديلى ـ رحمة الله عليه
رقم العضوية:700
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
العمر: 70
المشاركات: 839
افتراضي مشاركة: عبد الرحمن الخميسى2

عبدالرحمن الخميسي.. موهبة شاملة وحياة عريضة ( 2 )



الأديب.. المخرج والموسيقي
وقد لاحظ الناقد الكبير محمود أمين العالم في مقال له بمجلة (القاهرة) في يونيو 1987 ملاحظة ذكية, حيث قال: (إن كل قصص مجموعة أمينة التي صدرت في الستينيات خالية من تاريخ كتابتها, باستثناء ثلاث قصص منها قصة (عروس أبو الفوايد) المؤرخة عام 1953, وتحكي قصة فلاح ناضل من أجل أن يجمع مهر عروسه, وما إن ينجح في مسعاه حتى يفاجأ بأنها أصبحت زوجة لعسكري يغادر بها القرية, ويتساءل محمود أمين العالم عما إذا كان حرص الخميسي على تأريخ هذه القصة هو إشارة رمزية لموقفه المبكر من حركة الجيش عام 1952?).
هكذا نستطيع أن نقول إن آراءه السياسية قادته إلى معارضة ثورة 1952 في أول عهدها قبل أن يتحول فيما بعد إلى تمجيد فترة التحول الاشتراكي.
وقد أصدر كتابه (صيحات الشعب) (نوفمبر 1952) الذي اشتمل على قصصه القصيرة, و(رياح النيران) (1952), و(قمصان الدم) (مارس 1953) الذي أهداه إلى الرفاق خلف الأسوار وأمام الأسوار داخل السجن الكبير, وانضم للاتجاهات الديمقراطية المعارضة لثورة يوليو في أول عهدها, وظل معتقلا ما بين 15 مارس 1953 و12 ديسمبر 1956, واعتقل في سجون روض الفرج وبني سويف وأسيوط وقنا, ولم يفرج عنه إلاعندما وجهت الدعوة لمحمد أحمد محجوب وزير خارجية السودان في ذلك الوقت (ورئيس وزرائها فيما بعد) لزيارة مصر ولقاء جمال عبدالناصر فاشترط الإفراج عن الخميسي.
وقد شهدت فترة تحسن العلاقات مع الاتحاد السوفييتي توجه الخميسي بكتاباته ونشاطه كلية نحو اليسار وقد التقى الخميسي بخروشوف في قمة مجده ونشر لقاءه في سلسلة مقالات في جريدة (الجمهورية) لفتت الأنظار لطرافتها, ولم يكن لقاؤه بخروشوف مرتبا, وإنما كان الموعد في الأصل لزميله فاروق القاضي الذي أعدّ الأسئلة لكن الخميسي استحوذ على نفسية خروشوف وخلق حوارًا من نوع خاص بينهما.
وفي الستينيات كان للخميسي الفضل في تشجيع بليغ حمدي في بداية طريقه, وهو الذي ألف الأغنية الشهيرة (ماتزوقيني يا ماما) التي لحنها بليغ وغنتها المطربة مها صبري. ويروي يوسف الشريف أنه ألفها حتى يحصل بليغ من تلحينها على المال اللازم له ليقدم هديته لمحبوبته الفنانة وردة في بداية ارتباطه بها. كما كان له الفضل في اكتشاف سعاد حسني, وكان زوج أمها عبدالمنعم حافظ صديقًا له, وفيما بعد سنوات طويلة كتب الخميسي قصة اكتشافه لسعاد حسني على حلقات في جريدة (السياسة) الكويتية (1977), وقد أصر على أن تقوم ببطولة فيلم (حسن ونعيمة) أمام محرم فؤاد, وكان كلاهما وجهًا جديدًا. وقد اجتازت سعاد حسني اختبارات الكاميرا من أول مرة, وقد وافقه محمد عبدالوهاب صاحب شركة صوت الفن على الرغم من اعتراض المخرج بركات, ولم تقف علاقته بسعاد حسني عند هذا الحد, وإنما كان هو الذي أسهم في إنقاذها من إحدى المحن السياسية المشهورة, كما أنه هو الذي منعها من احتراف الغناء إلى جانب التمثيل.
أخرج الخميسي أربعة أفلام كتب قصصها وحواراتها, وشارك في إعداد السيناريوهات والموسيقى الخاصة بها, بدأها بفيلم (الجزاء) (1965) عن فترة ما قبل ثورة 1919, وعدّ فيلمه الأول هذا بمنزلة أفضل أفلامه وقد قدم فيه حسين الشربيني وشمس البارودي, و(عائلات محترمة) (1968) وكان شبيهًا بأفلام حسن الإمام, وفيه حاول أن يفضح بقايا الأرستقراطية بأسلوب كوميدي ساخر, و(الحب والثمن) (1970) بطولة أحمد مظهر وزيزي البدراوي وصلاح السعدني, و(البنفسج) (1972) وقام ببطولته محمد لطفي مع زبيدة ثروت وعادل إمام, ولم يعرض في السينما إلا لمدة 3 أيام فقط, وأرجع سبب فشل الفيلم إلى قصته الغريبة عن الوجدان في ذلك الوقت, وهي قصة عالم ذرة تعرض للإشعاع وأصبحت أيامه الباقية في الحياة معدودة.
أما شعره, فقد اتسم بالشفافية والرومانسية, كان شعره مواكبًا لإبراهيم ناجي وأحمد زكي أبو شادي, وقد حفلت أشعاره الأولى بشحنة هائلة من التمرد والثورة على وضعه الخاص, وعلى الوضع العام, ورفضه للواقع الاجتماعي برمته, كما عبرت عن شحنة أكبر من الشوق الإنساني للتغيير وإحلال العدالة محل الظلم.
وقد ظل الخميسي يؤثر نشر قصائده الجديدة في الصحف والمجلات الأدبية حتى عام 1958, حيث اقتنع بنصائح أصدقائه بإصدار أعماله الشعرية في ديوان, وقد اختار له عنوان (أشواق إنسان) وضمنه تسعًا من مطولات قصائده, فكان موضع حفاوة النقاد على اختلاف توجهاتهم ومدارسهم الأدبية, وقدكتب د.لويس عوض يقول إن الخميسي شاعر مفطور لا يصنع شعره ولا يقوله إلا إذا اضطربت به نفسه, ففاضت به فطرته حتى لم يعد يطيق السكوت.. بينما كانت ثورة الجزائر في أوجها, كان عبدالرحمن الخميسي يتداعى لها بالمقال أحيانًا, وبالشعر حينًا, على نحو ما جاء في قصيدته (أبو القاسم الجزائري).
وقد أصدر الخميسي ديوانه الثاني (دموع ونيران) (1962), يضم نحو خمسين قصيدة بعضها في الوطنية, والحب, والطبيعة, والرثاء, وبالرغم من تعدد هذه الموضوعات فإن الفكرة المسيطرة عليها كانت فكرة تمجيد استمرار الحياة! ويرى بعض النقاد أن معظم شعره الوطني هو في الوقت نفسه شعر رثاء.
وله مرثيات بليغة في عزيز فهمي, ومصطفى كامل, والزعيم السوداني على عبداللطيف. ويمكن القول إن الخميسي بدأ شاعرًا ثم اتجه إلى الفنون القصصية, ثم حاول كل شيء في المسرح: الكتابة, والإخراج, والتمثيل, واكتشاف المواهب الجديدة.
كان أسلوب الخميسي في الكتابة النثرية والقص شائقًا بسيطًا ناطقًا بالصدق, وكان واقعيًا معنيًا بمعالجة مأساة الضعفاء المحرومين, وكان لحرمانه المبكر من أمه في طفولته أثره في إرهاف حساسيته وتنشيط مخيلته ليسترجع ذكريات سعادته القصيرة في أحضانها, وقد عالج في قصصه الموضوعات الوطنية والاجتماعية معالجة واقعية مباشرة, وقد توالت هذه المجموعات (من الأعماق) ثم (صيحات الشعب)(نوفمبر 1952), و(رياح النيران) في العام نفسه, و(قمصان الدم)(مارس 1953) وقصص أخرى (1962) وهي آخر مجموعاته القصصية.
حرية لا تكف عن التوهج
أما فرقته المسرحية فقد أنشأها في 21 مارس 1958, وقد بدأت عرضها الأول (1960) على مسرح 26يوليو الصيفي بثلاث مسرحيات قصيرة من تأليف الخميسي وإخراجه وتمثيله وهي: (الحبة قبة), و(القسط الأخير), و(حياة وحياة), ثم قدمت مسرحية (عقدة نفسية) المترجمة عن رواية فرنسية باسم (عقدة فيلمون) كتبها جان برنار لوك, واقتبسها للمسرح الإنجليزي جون كلمنتس وسماها (الزواج السعيد), وقدمت للبرنامج الثاني بالإذاعة, ثم مصّرها أحمد حلمي لفرقة الخميسي. وكانت (عزبة بنايوتي) تأليف محمود السعدني هي ثالث أعمال فرقة الخميسي, وفيها مثل الخميسي دورًا كشف فيه عن طاقاته الهائلة كممثل بارع. ثم قدمت الفرقة عملها الرابع والأخير وهو (نجفة بولاق) تأليف عبدالرحمن شوقي (مارس 1961). أما دوره في المسرح الغنائي فدور خاص ومتميز للغاية, كما أنه دور ريادي بحق. وبعد توقف فرقته المسرحية اتجه الخميسي إلى تعريب الأوبريتات وكتابتها, وانتابته حمى فنية جديدة هي الأوبريت فقدم أولا (الأرملة الطروب) عام 1961 للموسيقار المجري فرانز ليهار وتأليف فيكتور ليون بالاشتراك مع ليوشتين. ولاقت الأرملة الطروب نجاحًا وتقديرًا كبيرين, وهو الأوبريت الذي لحنه فرانز ليهار (1905) وعرض في العام نفسه في فيينا, وبعد ذلك في عواصم العالم مُترْجمًا. ولاتزال دار الأوبرا إلى يومنا هذا تقدم من وقت لآخر (الأرملة الطروب) باعتباره إنجازًا مهمًا على طريق المسرح الغنائي.
وقد أغرى نجاح (الأرملة الطروب) الخميسي بمواصلة الطريق فقدم تعريبه لأوبريت (حياة فنان) وكان اسمه الأصلي (السنوات المرحة), وتم عرضه في دار الأوبرا مطلع شهر ديسمبر عام 1970 تأليف الموسيقار الإنجليزي إيفون نوفيللو. ثم كتب أوبريت (مهر العروسة) عن تأميم قناة السويس.
وكان (مهر العروسة) آخر عمل قدمه المسرح الغنائي (1963 ـ 1964), وحشد له أفضل إمكاناته, فقام عبدالحليم نويرة بوضع الإعداد الهارموني لها, وقام أندريا رايدر بالتوزيع الأوركسترالي, وصمم سيف وانلي الديكور, وصممت الرقصات نيللي مظلوم, وكانت رتيبة الحفني مدربة الكورال, وأخرجها سعد أردش. ومع أن الخميسي كتب (مهر العروسة) عام 1961, فإن تقديمها تأجل ولم تعرض إلا في يوم 2 أبريل 1964.
أما كممثل فإن التاريخ الفني يحفظ للخميسي دوره المتميز في فيلم (الأرض) وهو دور الشيخ يوسف, وكذلك دور إسماعيل بيه في مسرحية (عزبة بنايوتي). وظلت أنظمة الحكم في عهد الثورة تعامل الخميسي بحذر وتوجس حتى إن لجنة النظام بالاتحاد الاشتراكي فصلته مع عدد من الصحفيين في جريدة (الجمهورية), في أواخر عهد عبدالناصر, ولم يعد إلى الصحافة إلا في بداية عهد الرئيس السادات.
وكان شعراوي جمعة قد حاول ضمه للتنظيم الطليعي لكنه اعتذر.
وفي 6 سبتمبر 1981 قررت محكمة القيم بعد جلستها الأولى وجلستها الثانية في 15 نوفمبر 1981, إصدار حكمها بإسقاط الحق المدني عن عبدالرحمن الخميسي.
وكان الخميسي من الشجاعة والجسارة بحيث واجه وحده مقالات محمد حسنين هيكل التي نشرها في بداية عهد السادات في (الأهرام), وقد أرسل الخميسي عدة برقيات احتجاج للرئيس أنور السادات ولرئيس الوزراء عزيز صدقي في 9 يوليو 1972 قال فيها:
(ومن حق المفكرين والكتّاب أن يطالبوا بقسط من حرية الحركة التي يتمتع بها الأستاذ هيكل في نشر مقالاته. إن الحرية الممنوحة له تحرمها الرقابة على غيره, لقد كتبت مقالة أرد بها على مقالات الأستاذ هيكل فارتعشت فرائص الرقابة, دعمًا للمزيد من تفرده واستشرائه).
على أن خلاف الخميسي مع الدولة لم يصل إلى ذروته إلا عندما قرر الرئيس السادات طرد الخبراء السوفييت وكانوا - على حد تقدير الخميسي - يمثلون عماد استعادة مصر عافيتها العسكرية. وهكذا فإن الخميسي, في وضع فريد, ترك مصر في 1972 مبكرا عن أقرانه.

بقام : محمد الجوادى

رد مع اقتباس