عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 01/11/2009, 19h33
الصورة الرمزية عبد الحميد سليمان
عبد الحميد سليمان عبد الحميد سليمان غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:245929
 
تاريخ التسجيل: juin 2008
الجنسية: مصرية
الإقامة: السعودية
المشاركات: 135
افتراضي الدكتور عبد الحميد سليمان-المتسحبون

بسم الله الرحمن الرحيم
أحبائي وأعزائي00عذرا علي الغياب فليس عن تثاقل او تكاسل أو قلي وإنما شغل بما ينشغل به أمثالنا من كد العيش ووطأة الهم وضيعة العمر وإباق الشباب00سلامي اليكم جميعا وها هي الصفحات الأولي من (المتسحبون1 ) علي أمل أن تحوز رضاكم وقبولكم ان شاء الله تعالي


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم


00اوغل ظلام الليل واشتد البرد القارس وتدافعت موجات الأمطار المتكاثفة المنسالة الكاسحة التي ما كانت تهدأ إلا لتعود غليظة ثقيلة, ثم ترأفت السماء بمن أثخنتهم , فأذهبت ريح سموم عاتية,صولة المطر والبرد لكنها لم تتقاعس عن سوالفها فكادت تطيح بإسماعيل الذي تشبثت بتلابيبه زوجته وصغاره فزاده ضعفهم وهنا إلي وهنه وعجزا إلي عجزه وما أسعفه أخواه وأبناؤهم,علي فتوة شبابهم وميعة صباهم إذ صرفهم عن الاهتمام بهم ما لم يفرق بينهم جميعا من داهم الريح العاصف,التي كادت تقتلعهم جميعا وتتقاذفهم الي حيث تريد, لكنها نظرت إلي تشبثهم ورقة حالهم وآيات ضعفهم وفاقتهم ورعبهم مرتسمة علي وجوههم فرقت قليلا لهم,حين عاينت فزعا خط خطوطه السود علي قسمات وجوه, تكأكأت عليها الدنيا وادلهمت لها الأيام ,لقد بدا ذلك الفزع جاحظا وقحا متحفزا,مستهينا بما جهد إليه الريح العاصف والمطر الكاسح والبرد القارس وما ساقوه من هول ,فمنذ متي كان الفزع علي سواء,

000لقد مثلت سطوة وجبروت الأمير إبراهيم كتخدا مستحفظان ملتزم كفر سليمان البحري فزعا ليس كمثله فزع وهولا لا يدانيه هول, لقد فدحت بقدومه قريتهم تلك القابعة المكلومة علي ضفة النيل الذي رفدته بدموعها ودموع أهلها وفاضت عليه بمعين لا ينضب من من دموعها المنسكبة الدامية من مآقييها,حسرة وأسي علي أبنائها الذين اغتالت أمانهم وسكينتهم في رحابها ظلمة الظالمين وبشاعة المتسلطين من أولئك الملتزمين المستقوين ومن خالطهم وتبعهم ودار حيثما داروا من خفراء وعسكر ومشدات وكبراء وكتاب وصيارفة وإمام مسجدها الوحيد ومأذونها,لقد تكالبت قواهم واشرأبت حرابهم طمعا في غنائم وعطايا وإعفاءات علي أجداث أهليهم وحطامهم وآلامهم,أو خوفا وسعيا للإفلات من مصير يعلمون فداحته,أو ضنا بتميز قبيح علي بني جلدتهم وإخوانهم قد يعصف به جبروت الملتزم الذي صحبه جنوده وخلصائه ومن يأتمرون بأمره الذي كان عليهم أن ينصاعوا له وهو قائد فرقة مستحفظان العسكرية بالإقليم والقائم علي أمنه أو بالأحري الممتطي لأمنه وأمن أهله, لقد آتاه منصبه المتدثر بانشغال الباشا في القاهرة عن كبح طائلة المستطيلين أو تحالفه معهم وتقاسمهم جميعا مائدة الأيتام الذين لا يرثي أو يكترث بهم أو لهم أحد ,

00لم تعهد كفر سليمان من ذي قبل مثل تلك العرايس الخشبية التي نصبت أمام المسجد وعند الشونة المقفرة ليصلب عليها المتمردون أو العاجزون أو المتقاعسون عن دفع ماعليهم لولاة أمورهم حسبما وسمهم إمام المسجد , الذي أفلت بما سولت له به نفسه من لومة ضميره,وهل هناك أسوغ عقلا وأقل كلفة وأربح نتيجة,من لومة الطائر الذبيح علي سذاجته وتجرؤه علي غشيانه الأشجار والسكن إلي ما صنعه واعتاد اللواذ اليه من الأعشاش التي روعها وروع عصافيرها وبلابلها, صياد قناص قادر باطش ,اقتاد معه الحق والرحمة والنخوة أساري راضخين طيعين يقلبهم كيفما شاء له قلبه وسول له عقله واشتهت خزائنه, لقد كان علي الأشجار أن تلفظ ساكنيها وربائبها,ويهرع إليه أهلها خاضعين,شاكرين, داعين مهللين مكبرين غير عابئين بما سيعجزهم من جديد الضرائب والعوايد والفرد والإتاوات والكلف والغرامات التي تمنطقت بمنطق جديد وتسربلت بسرباليها القديم والجديد,دون أن تـابه أو تقدر أو تخجل في سعيها الجديد الدءؤب كي تمتص باقيات وضنينات عافيت فلاحيها وموجوداتهم ,

000كانت كفر سليمان البحري قرية وارفة الظلال ترفل في خضرتها علي ضفاف النيل وتنهل من سلسبيله,ومثلما كانت تجود عليه بمصلياتها المستظلة المحتمية بدعوات أهليها في صلواتهم وبشجرات الصفصاف و التوت والجميز والتين والموز العتيقة,كانت زهرات بناتها ونسائها يعتدنه ليغترفن من منهله الثر السلسبيل,وكن يستأمننه علي أعراضهن وحرمة أجسادهن وشرفهن حين كن يتخففن من ملابسهن إن أمن المتلصص الرقيب أو تسترا بتلابيب الظلام المنسدل الحافظ الأمي,كان النيل لهذه القرية أليفها وسندها وحبيبها وراعيها وقلبها الذي تسري مياهه ويفيض خيره في شرايينها ,فيضفي علي وجهها رونقا وشبابا ليس له نظير,ومثلما كان يجود عليها بمائه كان يكلؤها بفيض لا يتوقف ولا يحد من الشبار والبلطي والشيلان والسردين النيلي والقراميط والبوري والحنشان وحمير السمك سيئة الحظ بتسمية لايد لها فيها ولا مناص منها , ولم تستشر فيها ,وأني لها ذلك فمصائر الأشياء والجمادات كانت كمصائر الناس قدرية لا فكاك منها, لكن تلك التسمية لم تصرفها عن روعتها ولم تترك أثرا علي طعمها الفريد, وما انفكت أفران كفر سليمان تفيض بمشوياتها من رائع فيوض السمك النيلي التي تلتحف بخبز ليس له نظير في روعته وطعمه,لم يتقاعس عن منافسة الأسماك في تنوعها وتفردها فكان منه فطير الأرز والكوماج والرقاق والأبابير والمفرود اللين الطري والسن الثري الغني والمشلتت وصواني اللبن الممتزج فيها الخبزالمحمص في السمن البلدي بثري اللبن الجاموسي وووو00,

000كانت الأيام تمضي بكفر سليمان علي خبر حال حين كانت تجتاز هادئة هانئة سنوات عقودها المتوالية في القرن 17 الميلادي,لقد جادت أرضها بخيراتها وبادلت أحبابها ورعاتها وحماتها وأبناءها الذين كرسوا جهدهم وعشقهم لها ووسعتهم وحفظتهم وأكرمتم أحياءا وأمواتا, نعم بادلتهم حبا بحب وودا بود وعطاء بعطاء وسخاء بسخاء, ويجزم أحدهم أن الزرع في الحقول يهتز فرحا وبهجة حين يهل عليها هو وإخوانه , الذين يلبثون رابعة نهارهم فيها إلي أن يودعوها علي أمل لقاء يترقب متعجلا انصرام الليل وإطلالة الفجر وتباشير الصباح , حينها كان عطاء الأرض وخيراتها يستبقي لأهلها فيوضا من الحبوب والفاكهة والخضار بعد أن يدفعوا ما عليهم للملتزمين من ضرائب وعادات وكلف ثابتة ,ولم يروعهم يوما جحفل سنجق دمياط وجلاوزته , لقد استظل ريف مصر آنذاك بعدالة حكامها, وتصديهم لمن يفكر في بهظ فلاحيها ,الذين كانوا لايضنون بضيافة أو إطعام,يقدمونه عن كرم نفس وطيبة قلب, لمن يعمل يعتادها اويمر عليها من العسكر أو رجال الإدارة والمرسالجية الذين يستظلون بظلها في رحلتهم بين القري أو في طريقهم من دمياط إلى شربين والمنصورة والقاهرة ,وهي لا تختصهم بخيرها وإنما يستظل بفيئها ويتزود من عطائها كل من يلوذ بها من الفقراء وعابري السبيل والكتبة والخفراء والنوتية والحواة والقراداتية والغوازي والموواوية وشعراء الربابة وكل من استظل بظلها وتنسم عبيرها0
رد مع اقتباس