3- طبقات شعراء الملحون.
إن الحسم في معيار واحد لتصنيف شعراء الملحون إلى مراتب وطبقات يعتبر شيئا صعبا وذلك لاختلاف الدارسين والباحثين و أهل الملحون كذلك في هذا الموضوع، فالبعض كمحمد الفاسي يقسم الشعراء إلى ثلاثة مراتب معتمدا في ذلك على ألألقاب التي وضعها أهل الملحون للتمييز بين مراتب الشعراء ، وهناك من الباحثين من يصنف الشعراء على حسب المراحل الزمنية التي عرفها هذا الشعر كعباس الجراري .
وهناك من أهل الملحون من يقسم الشعراء إلى قسمين: الشعراء الأميون والشعراء المثقفون ومنهم من يفرق بين الشاعر و النظام، و نحن في تناولنا لهذا الموضوع نستعرض بإيجاز كل هذه التصنيفات. ونبدأ بالتصنيف الذي اعتمده الأستاذ محمدالفاسي ووافقه عليه عبد الرحمن الملحوني والذي يقسم الشعراء إلى ثلاثة مراتب ، وأولمرتبة في هذا التصنيف هي مرتبة " شيخ الأشياخ1) أو " مقدم الأشياخ "(2) و يطلق هذا اللقب على الشاعر الذي يتم اختياره من لدن أهل الملحون من بين كل شعراء المنطقة الواحدة ليقوم بدور الحكم في كل المساجلات و المعارضات و المهاجاة التي تكون بين الشعراء ، وشيخ الأشياخ يكون محل احترام و تقدير من كل الشعراء وخاصة الناشئين منهم وكذلك من "الخزانة " و" الحفاض " و" المنشدين " ويشترط في الشاعر الذي يتبؤ مرت" شيخ الأشياخ" بالإضافة إلى ثالوث الإبداع الذي أشرنا إليه ، أن يتمتع بسمعة حسنة وأخلاق فاضلة وأن يكون له رصيد مهم من القصائد و المحفوظات ، وبعد مرتبة "شيخ الأشياخ " تأتي مرتبة الشيخ ويقول محمد الفاسي في هذا الصدد "إن هذه اللفظة تطلق بكيفية عامة على من ينظم الملحون وعلى من ينشده و بكيفية خاصة على الشاعر الذي يتخرج عليه شاعر ناشئ"(3) فالشعراء الفحول الذي تخرج على أيديهم شعراء ناشئون هم من تطلق عليهم لفظة الشيخ و ذلك تقديرا لمكانتهم تميزا لهم عن " شيخ السجية " و " شيخ الأشياخ " أما " شيخ السجية " فيأتي في المرتبة الثالثة وهو الشاعر الموهوب الذي ينظم بالسجية والسليقة والفطرة ولا يشترط فيه أن يكون متعلما .
أما عباس الجراري(4) فقد صنف شعراء الملحون إلى ثلاثة طبقات متخذا السياق الزمني معيارا لهذا التصنيف و أول طبقة حسب ما ذهب إليه هي طبقة شعراء مرحلة النشأة تبتدئ بالشاعر ابن غرلة و تنتهي بالشاعر عبد الله ابن احساين مرورا على عدة شعراء أهمهم الشاعر ابن حسون وابن شجاع التازي ومولاي الشاد وبعد هذه الطبقة الأولى تأتي طبقة ثانية من الشعراء أسماهم شعراء مرحلة التطور وتبتدئ هذه الطبقة بالشاعر عبد الله ابن احساين وتنتهي بالشاعر أحمد التريكي وهو شاعر من أصول جزائرية وتتضمن هذه الطبقة مجموعة من الشعراء أسهموا في تطوير شعر الملحون كالشاعر حماد الحمري وبن علي بوعمر ومحمد بن عبد الله بن احساين وإدريس المريني والمصمودي.
أما بقية الشعراء فقد صنفهم عباس الجراري ضمن طبقة شعراء مرحلة الازدهار وتبتدئ بالشاعر الجيلالي متيرد وتنتهي بالحاج محمد العوفير وفي هذه الطبقة نجد عددا كبيرا من فطاحله الشعراء ممن اشتهروا وبرز اسمهم بشكل كبير في هذا الميدان ولازالت انتاجاتهم الشعرية رائجة و متداولة بين أهل الملحون إلى الآن كالشاعر السي التهامي المدغري و عبد القادر العلمي وإدريس الحنش وأحمد الغربلي و العيساوي الفلوس و القائمة طويلة .
و من أهل الملحون من يقسم الشعراء إلى قسمين الشعراء الأميون والشعراء المثقفون.والشعراء الأميون هم أغلب شعراء الملحون وهم المفضلون عند الجمهور لأنهم شعراء بالفطرة و السليقة وهناك من يطلق عليهم " ناس الموهوب " أو" السجايا " أي أن قدرتهم على نظم الشعر سجية و موهبة من الله وهؤلاء الشعراء وإن كانوا أميين أبجديا فقد كانت لهم ثقافة واسعة وذلك نتيجة لمجالستهم العلماء و مواظبتهم على حضور دروسهم قصد الاستفادة والسمو في المعرفة و نتيجة لتفاعل الموهبة مع مختلف المعارف التي تجمعت في ذهن الشاعر العامي يبدع
قصائد رائعة جعلته يتفوق على الشاعر المتعلم و المثقف و أغلب الشعراء الأميين كانوا حرفيين و صناعا تقليديين ، ومنهم من وصل صيته و نبوغه لدرجة جعلت أهل الملحون يمنحونه لقبا تشريفا و تعظيما له كالشاعر الجيلالي متيرد فرغم كونه أميا إلا أنه بلغ أعلى المراتب وتفوق على شعراء عصره من المثقفين بفضل موهبته وحنكته اللتان جعلتا معاصريه يطلقون عليه لقب فاكهة الأشياخ "و شجرة الأشياخ".
أما النوع الثاني من الشعراء فهم الشعراء المتعلمون و المثقفون و يأتون في المرتبة الثانية بعد شعراء الموهبة و السجية و أغلب هؤلاء الشعراء " كانوا يتمتعون بقسط كبير و محترم من العلوم ومنهم من تخرج من جامعة القرويين ومنهم من تتلمذ على يد علماء كبار و منهم من كان إماما ومنهم من كان وليا صالحا ومنهم من كان قاضيا أو قاضي القضاة كالشاعر عماد الدين إسماعيل وعبد العزيز المغراوي و الفقيه العميري ومنهم من تقلد مهمة وزير مثل الشاعر بن إدريس في عهد المولى الحسن الأول ومنهم من كان أميرا أو سلطانا مثل محمد بن عبد الله و مولاي محمد بن عبد الرحمن و المولى عبد الحفيظ "(5)
وكان من بين الشعراء المتعلمون من له القدرة على تطويع النظم باللغتين العامية والفصحى لكنه آثر التعبير بلغة الشعب كالشاعر السي التهامي المدغري والشاعر إدريس الحنش(6) والشاعر أحمد امريفق .
ورغم أن أغلب الشعراء المتعلمون كانوا يحتلون المرتبة الثانية عند. الجمهور بعد شعراء السجية إلا أن هذا الحكم لايسري على جميع الشعراء إذ يستثنى منهم
كبار الشعراء ممن ذكرناهم كما يميز أهل الملحون بين الشاعر و النظّام فهذا الأخير لا يعتبر شاعرا و لا يصل إلى مرتبته لأن انتاجاته الشعرية ليست من قريحته و سجيته بل هي في أصلها مقتطفات من شعراء سبقوه أو يعاصروه وذلك بسبب كثرة محفوظاته و يشبهه أهل الملحون " برصاع العقيان" فهو ينظم و يرتب حبات العقيق لكن دون أن تكون تلك الحبات من صنعه و إنتاجه ــــــــــــــــــــــــــــــ
1- يطلق هذا اللفظ في فاس.
2- يطلق هذا الفظ في مراكش.
3-محمد الفاسي ، معلمة الملحون ج1 ق1 ، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية ، سلسلة التراث ، الرباط 1987. 4- عباس الجراري، الزجل في المغرب ، القصيدة ، جامعة محمد الخامس ، مطبعة الأمنية ، الرباط 1970.
5- إدريس المنساوي ، أسئلة السفر أو سفر الأسئلة ، مرجع سابق ص ص 202-203
6- ذكر عباس الجراري في مؤلفه ، في الإبداع الشعبي ، مطبعة المعارف الجديدة ، الرباط ، مارس 1988 ص 70 ، أن الشاعر الحاج إدريس بن علي المعروف بالحنش كان يعد من العلماء المؤلفين والشعراء المعربين و له ديوان كبير في غير الملحون يوجد مخطوطا بخزانة الرباط العامة وهو مجموع تحت عنوان : الروض الفاتح بأزهار النسيب و المدائح