- الموضوع
يعتبر الملحون جزءً من تراث شعبي مغربي أصيل و متجذر في الثقافة المغربية ، وهو يجمع بين الفن و الأدب و الفكر و محبب للنفوس لأنه يتجاوب مع الإنسان المغربي في مستوى حياته اليومية و من تم كان موضوعنا في هذا البحث الذي رمنا من خلاله الإسهام في التعريف بهذا الفن الأصيل.
1-1 الإطار العام للموضوع
تعد الآداب والفنون الشعبية من أهم الآداب العالمية التي كثر الاهتمام بها في العقود الأخيرة و أقبل على دراستها عدد كبير من الدارسين و المؤرخين و المهتمين بالتراث الشعبي و المتخصصين في الأنتربولوجيا الثقافية ، كما استهوت كل الباحثين المتعطشين لفهم عادات الشعوب وطقوسهم وتقاليدهم .
والأدب الشعبي كما لا يخفى على الفهم ليس هو الأدب الرخيص أو الوضيع المبتذل كما قد يظن البعض ، ولكنه الأدب الذي ينبع من الشعب في مختلف طبقاته و يعبر عن ذوقه وثقافته و يصور مشاعره و عقليته و مستوى حياته ، ورغم المرتبة التي أصبح يتبوؤها هذا الأدب بين الآداب العالمية الأخرى بفضل الاهتمام المتزايد به ، فإن بعض الأشكال و الأنماط التعبيرية التي تدخل ضمن هذا الأدب الشعبيلم تحض بالعناية التي تستحقها و الاهتمام الذي يليق بها من لدن المثقفين و الباحثيــنو نقصد هنا فنا شعبيا متأصلا و متجذراً في الثقافة المغربية هو شعر الملحون.
فمن المعروف أن شعر الملحون لم ينل اهتماما كبيرا من الباحثين و الأدباء والمؤرخين الذين لم يكونوا في الغالب يرونه جديرا بالتدوين و التخليد و لم يشذ عن هؤلاء إلا النزر القليل ممن لهم اتصال وثيق بهذا الشعر ، فألفوا في العقود الأربعة الأخيرة مجموعة لا بأس بها من المؤلفات التي تعنى بهذا الأدب الشعبي، وقد عزمنا أن ندلوا بدلونا في التعريف بهذا الأدب الأصيل المسمى الملحون.
لذلك فبحثنا هذا يدخل ضمن إطار عام هو الأدب الشعبي ، وقبل أن نمضي إلى تحديد المنهج الذي اخترناه و رأيناه ضروريا و مناسبا للتصدي لموضوع الملحون ، لا بأس أن نضع بين يدي القارئ نبذة عن هذا الأدب الذي جهله كثير من أهله.
1-2 تحديد المفاهيم
1)- الملحون : نبع شعر الملحون من تافيلالت و ترعرع في مكناس ليعم باقي المدن المغربية التقليدية كفاس، مراكش، سلا، الصويرة و تارودانت وحمل مشعل هذا الفن على مدى قرون شعراء شهد لهم التاريخ بالعبقرية والتفرد، تفننوا في استعمال الكلمات الموزونة والمحسنات البلاغية وابتكروا بحوراوأوزانا شعرية وأبدعوا في كل الأغراض من مدح وغزل وهجاءوخمريات...
وقد سمي هذا الشعر بالملحون لأن الشاعر ينظم فيه على إيقاع خاص و بذلك يجمع بين النظم و اللحن وهذا وجه من وجوه تسميته بهذا الاسم وهناك وجه آخر وهو" اللحن " بمعنى الخطأ أي أنه خارج عن القواعد الإعرابية الفصيحة، والبيت الشعري في الملحون يمكن أن يتركب من شطرين أو شطر واحد وقد يصل إلى ثلاثة أشطر أو أربعة حسب البحر الذي نظمت فيه القصيدة ، وقد دأب أهل الملحون على تسمية الشطر الأول من البيت أي الصدر ب "الفراش " والعجز ب" الغطا "
وإذا تألف البيت من أشطار تفوق الإثنين يسمى الشطر الثالث " الغطا الثاني " وهكذا، وبحور شعر الملحون تصل إلى خمسة بحور و كل بحر ينقسم إلى عدة قياسات وعروض الملحون لا يتكون من التفاعيل كما في الشعر الفصيح بل يتكون من مقاطع على غرار الشعر اللاتيني وهذه البحور الخمسة هي " المبيت ، مكسور الجناح ، السوسي المزلوك، المشتب والذّكر" .
2)- بحور الملحون: جدير بالذكر أن بحور الملحون تعرف عادة باسم " المرمات " و أول بحر عرفه شعر الملحون هو بحر " المبيت " و يتركب من أبيات تتراوح بين شطرين و خمسة أشطر و عدد تقاطيع البيت تختلف حسب قياساته التي تصل إلى 153 قياسا)1( ، و البحر الثاني في عروض الملحون هو " مكسور الجناح " وهذا البحر لا يتركب من أبيات إنما كل قسم كأنه بيت بذاته يبتدئ الشاعر أولا بشطر واحد عدد تقاطيعه عشرة ثم تأتي بعده " شطيرات " صغيرة تسمى " لمطيلعات " يختلف عددها حسب قياسات هذا البحر ثم في آخرها يأتي بيت يكون غالبا على قياس " الحربة " أو قريبا منه و " الحربة " هي اللازمة التي تتكرر إثر كل قسم من أقسام القصيدة و بها تعرف أيضا و " بالحربة " يتحكم المنشد في ضبط الإيقاع و سمي هذا البحر" مكسور الجناح " لأنه يبدأ فيه بشطر كأنه " فراش " البيت لا يغطى،كأن له جناح واحد و كسر جناحه الثاني ، وبحر " السوسي المزلوگ" شبيه بالمنثورويستهل دائما بشطرين في كل واحد منها سبعة تقاطيع و لهما قافية واحدة ثم يشرع الشاعر في الشعر " المزلوگ " الحر أي أنه لا يلتزم ميزانا و لا قافية وفي آخر قسم من القصيدة يجعل الشاعر بيتا أو أبيات و يستعمل هذا البحــــر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالخصوص في قصائد " الترجمات "(2 و التي يكون فيها حوار " الخصام "، و البحر الرابع في عروض الملحون هو " المشتب " و يتكون القسم في هذا البحر من بيت يفصل فيه يبن أول أشطاره و بقيتها بمجوعة من الأشطار القصيرة تسمى " لمطيلعات " فكأن داخل البيت محشو بهذه الأشطار الزائدة وأصل تسمية هذا البحر " بالمشتب " مشتق من كلمة اسبانية estipula تصغير estipa بمعنى التين و منها المشتب الذي تملأ به الفرش و اللحوف أما النوع الخامس فهو المعروف " بالذكر " و القصائد المنظومة في هذا البحر تسمى الذكرات وهي شبيهة بقصائد " المبيت " من حيث أنها تتركب من حربة و لها قياس خصوصي و موضوع " الذكرات " يكون دائما إما في الصلاة على النبي (ص) و مدحه أو في مدح آل البيت و الصحابة و الأولياء .
وبعد هذه الوقفة مع بحور شعر الملحون التي قصدنا من خلالها توضيح خصائصها حتى لا يقع الخلط بين عروض الملحون و عروض الشعر الفصيح ، نمر إلى تحديد بعض المفاهيم و المصطلحات الأخرى المرتبطة بهذا الشعرو التي تواتر ذكرها في هذا البحث " كالسرابة " و " الناعورة " و " العروبي "
3)- القصيدة : هذا المصطلح هو الأساس و الأصل في شعر الملحون ، ذلك أن القطعة المتكاملة من شعر الملحون تسمى في العادة " قصيدة" و أصل الاصطلاح تشبيه بالقصيدة العربية الفصيحة و نطقها العامي بسكون القاف وهي تصاغ باللسان الدارج ببعض الألفاظ الفصيحة و لكنها من دون إعراب و تنقسم إلى أقسام .
4)-" السرابة ": وهي عبارة عن قصيدة شعرية تعتبر من صميم شعر الملحون وهي ليست بقصيدة و غالبا ما تكون مقدمة ومدخلا لها و تمتاز " السرابة "
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقصرها ولا حربة لها و لا يذكر الشاعر اسمه فيها و نمثل لها بإحدى " السرابات " المشهورة :
شاين كتبت العالم فوق جبين بنــادم
ما يمحي و عدو وملام
قل لذاك اللايم سلم تضحى سالـم
من طعن سيوف انيام
ما بهضوك عوارم ما لسعوك صوارم
ما ذقت كيوس المدام
ما بات رقيــبك من ضناك خايـف ما نكيت حسود
مــــا قبلـت كيسـان المراشف ما شاهت قدود
ماحزت بيديــك صابغ السوالـف ما عنقت نهود
عايش هايم واهيا اللايـــــــــــم
نوصيك اليوم لا تعود تلوم و لا تبوح بالمكتــوم
أما من امثالك لامـــوا و بلاوا بالغرام وهاموا
واضحاوا للبها خداموا
ورضاوا سيرة احكامـوا فغرام عانسي لامــوا
أيا ملاكتي يوم تجينـــا توكة الهلال تزهينــا
بكاس الشتيا تسقينــــا طلعة البدر مينـــة
5)-" الناعورة:قطعة شعرية تجعل في كثير من " قياسات " بحر " المبيت " أضافها الشاعر الحاج عمارة و جعلها مقدمة لكل قسم و غالبا ما تأتي ابتدأ من القسم الثاني لأن عادة ما يبدأ " بالحربة " و غالبا ما تكون أبيات " الناعورة " مركبة من شطرين
و نمثل لها " بالناعورة " الأولى من قصيدة " الدمليج " للشاعر العيساوي الفلوس:
دمليج زهيرو غاب ما بان وبقيت من فراقو مهموم حزيـن
ما شاف مثيله فيد سلطان عند لعراب و لا فالهند وصيـن
دمليج لا يوجد ف مكان ف الروسيا ولا فحزين ستاليـن(3)
6)- " العروبي " و يطلق على ثلاث أنواع من الشعر الأول تنظمه النساء و كان يغنى بالخصوص بمناسبة النزاهة في البساتين و الجنان خارج فاس ، و كل مواضيعه تدور حول الحب و الغرام و الأصل أن يتركب من أربعة أشطار لذلك يسمى " عروبيا " بالقلب أي ربوعيا نحو
" يا الجالس في رياض و الزهر و الياسمين حذاك
لله ارفد عينيك شف في ﱠ يانعم الله مســــا ك
فالليل نتوحشك وفي النهار نترجــــــــاك
ما صبت نشوف فيك عساك نبات حــــــداك" 4و النوع الثاني من " العروبي " يدعى في مراكش بالرباعي و هو في الأصل يتكون من أربعة أشطار وهذا النوع من الشعر جله في الحكم و يقدس عند سامعيه لاشتماله على نصائح و مواعظ ، وقد اشتهر بهذا النوع من " العروبي " عبد الرحمن المجذوب
ابن آدم يا كحل الراس أيا خايب الطبيعـة
السن يضحك للســن و القلب فيه الخديعة
أما النوع الثالث من " العروبي " فيتركب من أبيات ذات شطرين في كل منها 10 تقاطيع و يدرج في قصائد بعض " القياسات " و يكون وسط القصيدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
و يخضع لتلحين خاص ونمثل له بعروبي من قصيدة " عزو المنصور الذهبي " للشاعر المغراوي:
ما اعظم ساعة الفراق مع الاحباب جاروا يا لايمي علي ظلموني
تركوا قلبي حزين ف محنة وعذاب ماذاقوا ما جربوا ما عذروني
و رماوا جمارهم عني احرقوني
و حتى لا نطيل في تحديد مفاهيم شعر الملحون و مصطلحاته نكتفي بهذا القدر الذي لا شك أنه أزاح كثيرا من البس في ما تعلق بخصائص و مميزات هذا الشعر الشعبي الأصيل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أنظر معلمة الملحون ، القسم الأول من الجزء الأول ، محمد الفاسي ،مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية ، أبريل 1987
2- أنظر الفصل الثاني ، تعريف مفهوم " الترجما "
3- عبد الله شقرون، الشعر الملحون في الإذاعة ، منشورات إتحاد إذاعات الدول العربية ، تونس ،1987 ص 66
4- محمد الفاسي ، رباعيات نساء فاس " العروبيات " دار قرطبة للطباعة و النشر ، ط2 الدار البيضاء 1986، ص 76
إنجاز كريمو كريم من بحثي الجامعي ِ الشاعر و السارد و المتلقي في شعر الملحون