عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 03/10/2009, 01h34
الصورة الرمزية abuzahda
abuzahda abuzahda غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:102176
 
تاريخ التسجيل: November 2007
الجنسية: مصرية
الإقامة: كندا - تورونتو
المشاركات: 1,212
افتراضي رد: لقاء ..... خاطره ....

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د أنس البن مشاهدة المشاركة
هذه ليست أقصوصه وليست حكايه وليست روايه















فإن كان ولابد .. فلنقل خاطره أو خلجات نفس أو زفرات قلب
أو .... حديث نفس لشئ من عالم التمنى









.. لقاء ..




كاد رأسى أن ينفجر بمزاحمات الواقع مع الخيال وصراعات الحقيقة مع الوهم وتشاجر اليقظة مع النوم , لم أعد أفهم شيئا أو أعي شيئا , تداخلت الدوائر جميعا و تشابكت خيوطها , وتلاشت الحدود بين الواقع والخيال والحقيقة والوهم واليقظة والنوم ..

حلم , حقيقه , وهم , خيال , لا أدرى ......
كيف اجتمعنا سويا كل هذا الوقت , أحادثه ويحادثنى , أسمع منه ويسمع منى , علامات أصابعه لا تزال خطوطها على راحتى وأنا أشد على يده أقبلها , أذنى لا تزال تلتقط ترددات أنفاسه فى جنبات المكان على موجات صدى صوته , رائحة ثيابه التى عهدتها لم تبرح مكانه , كيف التقينا وهو هناك فى عالم الأرواح العلوى النورانى المطلق الباقى وأنا هنا فى عالم الأجساد الأرضى الترابى المقيد الفانى ..
إن كان ما حدث حقيقة واقعة , كيف لنا أن نجتمع ,كيف التقينا وتسامرنا زمنا خارج الزمن , وبين عالمينا ما بين الأزل والأبد ..............

تصورته لحظة حلم يقظة أو منام , لكن سرعان ما كذبتنى تلك القصاصة التى طواها ووضعها فى جيبى وأوصانى بعد أن خبط بكفه مرتين عليها كأنه يضع قفلا عليها ,ألا أفتحها حتى تشرق الشمس ....

آه , ها هى .. مكتوب فيها .... مكتوب فيها .... آية قرآنية .. إنها آية من سورة الزمر ... أجل سورة الزمر , بسم الله الرحمن الرحيم .. اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .. صدق الله العظيم .....
.... من المؤكد أنه يريد تنبيهى إلى أمر من خلال هذا النص القرآنى .. أو من خلال السوره ذاتها , ربما .. فإن بها حرف الواو العجيب .. المعروف بواو الثمانيه ......
على أية حال , يبدو أنه لا سبيل لحل تلك الإشكاليه وفك رموزها إلا أن أرجع إلى الوراء خطوة خطوه , واستعراض أحداث تلك الليلة العجيبة من بدايتها لحظة بلحظه ....

البداية كانت هنا .. فى غرفة المكتبه , على ضوء خافت لمصباح جانبى وأنا أتكئ على وسادة فوق "الكنبه الإسطمبولى" , أواصل فى استغراق ونهم قراءة ما تبقى من فصول كتاب ابن خلدون الأشهر "المقدمه" , قطعت فى قراءته شوطا طويلا حتى بدأت أقترب من منتصفه , وبينا أنا كذلك تناهى إلى أذنى وقع أقدام , أرهفت السمع , صوت هذه الأقدام ليس غريبا على مسامعى , لايمكن لأذناى أن تخطئها أبدا , قلت فى نفسى .. "معقول؟!.." إنتبهت مدهوشا إنها فعلا خطواته .. أجل خطوات أبى رحمه الله , وقبل أن أفيق من سؤالات تزاحمت برأسى فى لحظة مدهشة غمرتها مشاعر الخوف التى تملكتنى فوجئت به , مهيبا جليلا شامخا كما عهدته , يلج من باب الغرفة ويلقى على السلام ...
وثبت من على الأريكة وثبا نحوه وأنا أحتضنه غير مصدق أو فاهم لما أراه , أمسكت بيده بعد أن قبلتها مرارا وأجلسته على الأريكة , مكانه المفضل دائما ....

بعد أن زال الروع عنى سألته متجاوزا عشرات علامات الإستفهام ....

"أبى .. هل أصنع لك فنجان القهوة الذى تحبه من يدى ؟"
إبتسم قائلا ... "ألا زلت تذكر ... لا .. لا .. لا أستطيع .. فقط كوب من الماء البارد" .....

أسرعت إلى زجاجة ماء بارد , صببت منها كوبا ناولته إياه , كان يرشف الماء رشفة رشفة حتى ظننته أتى عليه , أخذته من يده ووضعته على المنضده دون أن أنتبه إلى أن الكوب على حاله , لم ينقص منه قطرة واحده .....
حمد الله ثم سألنى ...

"ماذا كنت تقرأ ؟" ...
"كنت أكمل ما بدأت قراءته فى مقدمة ابن خلدون , من تلك النسخة القديمة التى كانت فى مكتبتك" ....
"آه .. فى أى باب تقرأ ؟"
"إنتهيت إلى الفصل الثامن عشر , حيث يبين ابن خلدون أن نهاية العمران وبداية فساده يحدث إذا بلغ الغايه وهو ما يعرف بالحضاره"
"آه , تمام يا ابنى .. ما بعد الكمال إلا النقصان ، إنها موسوعة قيمه" .........

أشرق وجهه بابتسامته الوقورة الهادئة وأردف قائلا ...
" أتعرف بكم اشتريتها آنذاك ؟ , بثلاثة قروش من مكتبة الخانجى ودفعت قرشان لتجليدها , وقت أن كنت طالبا فى الأزهر , أظنها لا تزال على حالها ؟."

"نعم يا أبى , الحمد لله كما هى , متانة و نضارة , ليت أيامكم دامت"
مرت لحظات من الصمت قبل أن يقطعه بقوله .....
"شوف عندك فى مجموعة ابن القيم كتاب الروح , عايزك تقرأ لى فيه فقره"
قلت وأنا أبحث فى المكتبه .....

"آه موجود طبعا , دا حضرتك لم تترك أى كتاب لابن القيم إلا جمعته , يا سلام على مجموعة مدارج السالكين اللى بيفسر فيها كتاب الإمام الهروى منازل السائرين .... ,"

تعمدت أن أسترسل فى حديثى كسبا للوقت حتى أعثر على الكتاب وسط هذه الفوضى والعشوائية فى المكتبه , كنت أنتظر أن يحين الوقت الذى أستجمع فيه قواى وأعيد ترتيبها بعد النقلة الأخيرة للسكنى , لكنى فوجئت وأنا مستغرق فى حديث كسب الوقت بما هالنى وارتعدت له فرائصى , قاطعنى أبى وهو يشير بسبابته اليمنى إلى أحد الأرفف حتى أنها كادت تلامسه على بعد المسافه , ....

"الكتاب هنا ..."

تمالكت نفسى حتى لا أفقد توازنى وأنا أقف على أحد المقاعد , لم تكن المفاجأة فى معرفته لمكان الكتاب وسط هذه الفوضى , ولا فى يده التى رأيتها بعينى رأسى وهى تكاد تلامس الأرفف , وأظنه كان رفيقا بى فلم يمسك الكتاب بيده ويناوله لى , إنما كان وجه العجب والذهول أن أبى عاش عمره أعمى , كف بصره وهو دون الخامسة مع أطفال كثيرين فى زمنه إثر وباء مجهول لفيروس كان من مضاعفاته تدمير العصب البصرى , وربما كان هذا هو سبب إلحاقه بالكتاب ثم الأزهر بعد ذلك , فلم يكن يرجى من مثله أى نفع لأهله فى فلاحة أو صيد , ولا حيلة لهم أمام مثل هذا الإبتلاء إلا بإلحاقه بالكتاب ثم الأزهر بعد ذلك ......
تمالكت نفسى ونزلت وأنا أتصبب عرقا وبيدى كتاب الروح وقلت ....
"نعم يا مولانا , (هكذا كنا نخاطبه أحيانا كما كانت تفعل أمى وأحيانا نقول له من باب التدلل .. يا سى الشيخ أو يا سيدنا) ,
ماذا أقرأ لك ؟" ............

"قبل أن تقرأ , أود أن أخبرك بشئ عجيب" ........
مرت لحظات صمت , قلت فى نفسى ..."عجيب !! وهل هناك أعجب مما أنا فيه الآن , والله لكأنه منام" ...

"إسمع يا ابنى ... قبل أن آتيك زارنى جدك .. لم أره من قبل , فقد مات وأنا دون الثالثه .. العجيب أنه ظهر أمامى فى اللحظة التى كان يملك فيها كل مشاعرى , ولما ظهر أمامى عرفته حتى قبل أن يتكلم .. تحدثنا طويلا فى أمور شتى , ما علينا , إقرأ على ما كتبه ابن القيم حول تلاقى أرواح الموتى وتزاورها" ...
" نعم ... يقول الشيخ ... الأرواح قسمان .. أرواح معذبة .. فى شغل بما هى فيه من العذاب عن التزاور والتلاقى .....
وأرواح منعمه , وهى مرسلة غير محبوسة , تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها فى الدنيا ... وما يكون من أهل الدنيا ... فتكون كل روح مع رفيقها الذى هو على مثل عملها ... قال تعالى .. "وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَاللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءوَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا" ... وهذه المعية ثابتة في الدنيا , والبرزخ , ودار الجزاء .....

كنت أقرأ وعيناى تترددان ما بين سطور الكتاب ووجه أبى لأراه يتهلل بشرا وسرورا وابتسامة رضا على شفتيه بينما يتسامى شيئا فشيئا ويشف إلى ذرات من هباء وشعاعات من نور أخذت تخفت رويدا رويدا حتى اختفى تماما من أمامى وأنا أنظر إليه مثبتا عيناى عليه غير خائف ولا وجل , ساكنا سكون عقارب الساعة التى توقفت عن حركتها ....





............. تمت ............



لا أذكر أني حزنت على شئ فقدته مثل حزني على ضياع مشاركة ، كنت قد جهزتها للرفع هنا ليلة تفضلكم برفع "لقاء" ، و لفرط رضاي عن تلك المشاركة المفقودة ، لم أنسخها إلى الماوس كما علمتني الخبرة السيئة مع ويندوز .
( ما علينا ...... ، على رأيك يا سيدنا )


لقاء
بعيداً عن التصنيفات الأكاديميّة لجنس النص ، و إن كنت قد خلته : إقتطافاً من روايةٍ طويلة ! ، ذلك لاهتمامه بالتفاصيل ، سيّما تتالي الأجيال : الراوي – الحفيد ، الأب ، الجد .
ذلك التتالي الذي - بالضرورة – يحيلنا إلى تعاقب ثلاثة أزمنة . و لا أبالغ إن قلت أن هذه شرارة بدءٍ لبناء رواية تتسع لزخم الثلاثيات و الرباعيات ...... إلخ (أقصد الرواية الملحميّة)


القصة بدأت بلحظةِ تشبه محاولة تفلت الروح من الجسد ، تذكرني بجملة قراءات لكتبٍ إستعرضت تجارب أناس مروا بتلك التجربة ، و أذكر أن مقالاً بأحد تلك الكتب أكد بأن تهاوي الفراش ( يقصد ذلك الإحساس الذي ينتابنا ، أحياناً ، و كأن فراش النوم يهوي بنا إلى مكانٍ سحيق) أكد كاتب المقال أن تلك اللحظة تعبر عن محاولة فاشلة لانفلات الروح !


و بغض النظر عن محاولات تفسير تلك اللحظة (الحائرة ما بين اليقظة و النوم) إلا أن المؤكد أنها لغلبة الروحِ على الجسد . يدل على ذلك ما يجتاحنا من شفافية تجعلنا نتذكر أحدهم فنجده يطرق بابنا – على غير اتفاقٍ – أو يتصل بنا هاتفياً ، مثلاً .
أو أن يرى أحبةً رحلوا ، و تتوقف حدة الرؤية على مدى تفوق النوراني على الطيني في الرائي .


و لأن الثابت علمياً أننا لا نستخدم من قدراتنا الروحية و العقلية إلا مالا يُذكر ، قياساً على حجمها الهائل ، فإنك ترى أناساً يحركون الأجسامَ عن بُعدٍ ، و أناساً يتخاطرون عن بُعدٍ أيضاً . ذلك لأنهم عملوا على تنمية تلك الطاقات التي وهبنا الله إياها و غفلنا عنها تحت وطأة المدنية و التقدم الآلي . و تكفينا إشارة أستاذي علاء قدري ، إلى ميتافيزيقيانا .


لقاء
إقتناصك اللحظة التي لا تتعدى – مجرد – لحظة ، ثم سردها بتلك الإنسيابية ناكرة التكلف ، يرتفع بالقصة إلى مكانها ضمن مشروعك الكتابي ، الذي يؤكد تفرده بجهة السمات المشتركة .

و يحق لي الآن أن أشرف مشاركتي بالإشارة إلى ما ذكره أستاذي الشاعر رائد عبد السلام ، حيث قال ، ما ملخصه : من يقرأ نصاً كتبه الدكتور أنس البن ، لا يبذل جهداً لمعرفة صاحب النص .


و لعلك تذكر ، سيّدي ، أن تابعك "أبو وعد" قد لاحظ منذ أول ورقة بالسيرة الشافعيّة المباركة ، أن ثمة لغة تدل على تجاوز البدايات منذ نصف قرن ، مما يجعلنا نفسر إستصغارك ما تجود به علينا ، على أنه دأب الصالحين .


لقاء
أحسنت الإعتناء ، سيّدي ، بميراثك عن أبيك ، عليه رحمات الله و رضوانه . حيث تكون صيانة الكتب : قراءتها ( أقول : قراءتها ، و قد قصدت القراءة التي يعرف كنهها العارفون ، لا تلك : قتل أوقات الفراغ !)

المبتلون بالقراءة كأنها احتياجٌ بيولوجي ، لولا لاحيهم لتعطروا بأحبار الطباعة ، لا البرفانات !



لقاء
نِعم الوالد ، ذلك الذي نشأ ابنه المُبارك على الفهم بالإشارة ، بينما نستهلك - نحن - أعمارنا لتبيين البديهيات .


علِم الإبنُ البار أن أباه يقصد "واو الثمانية" ، من إشارة حسيّة . و لولا تحفظي لأفضت في الحديثِ عن "واو الثمانية" ، ليس في سورة الزمر الشريفة ، فقط ، بل في أخواتها الثلاث المباركات : التحريم ، الكهف ، التوبة .


حسناً ، فللتقريب أقول أن اللغة الأم للحضارة الغربية (الإنجليزية) – قصدت الحضارة الغربية كونها تضم دولاً علمانية !، لا يمثل الدين أحد مشاغلها .


نحاة الإنجليز ! ، يا دكتور ، زي ما حضرتك عارف مؤمنين بـ "واو الثمانية" ! عن غير قصد ، و لو كانوا يعرفون أن استخدام حرف العطف يؤجل لآخر معطوفٍ (!) ، هو قاعدة لغوية قرآنية ، ربما دفعهم ذلك لإعادة النظر تجاه كتابنا الأعز الأكرم .


لكن للأسف الميديا العربية - التي عليها إيصال ذلك - منشغلة بما هو أهم : إختلاق معارك وهمية ، تمليها عليهم أجندة طويت صفحاتها و جفت أقلامها ، و بقى تنفيذها عبر الجالسين على مقاعدنا الإعلامية . و لولا مخافة الحذف لذكرت آية كريمة تصفهم يحملون أسفارا.


لقاء
يا بختك يا دكتور أنس ، قدرت تحافظ على مكتبة أسلافك الأجاويد ، و هم يرفلون في حُلـَلِ السندس الآن ،
بينما مُحدثك ، فقدَ من مكتبته رَفْ بحاله ، وهو حي يُرزق.

* * * *

حقَ لك تعبيري عن فرحي بقصتك ، و الفاتحة إلى روح والدكعليه رحمة الله و رضوانه ،

الذي أهدانا أباً و مُعلِماً و صديقاً : أنتَ
__________________
أستغفِرُ الله العظيم وهو التوّاب الرحيم
رد مع اقتباس