عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 23/09/2006, 23h07
adham006
Guest
رقم العضوية:
 
المشاركات: n/a
افتراضي مشاركة: عن الغناء الشعبي المعاصر

فنان الشعب": أحمد عدوية!!

دردشة عن الأغنية والسياسة فى السبعينات

لم تأخذ ظاهرة صعود الأغنية الشعبية فى السبعينيات حقها من التفكير والتحليل. هذا مقال لصديقنا مصطفى وافى، وهو عبارة عن دردشة فنية مع اثنين من الباحثين والمهتمين بأغنية السبعينات حول ظاهرة أحمد عدوية، الذى أثار نجاحه الصاروخى العديد من الأسئلة.
فى مركز الجيل لما كان فيه أطفال قولنا أنا وسعيد عكاشة أننا ندرب "الأطفال العاملين" على الموسيقى فعملنا كورال، وجِبنا أغنية من هنا وهناك، وسمعت ساعتها إن سعيد بيكتب كتاب عن الأغنية المصرية فى السبعينات، بقالها دى عشر سنين... يابلاش)، بس كان دايما الكتاب هو موضوع نقاشاتنا - على فكرة أنا مقريتش الكتاب لحد دلوقتى - لكن كنت حابب الفكرة قوى وكنت دايما أتكلم مع التانيين عن البحث القيم ده... لحد ما قابلت أخونا يعقوب لندفورس وهو باحث من جامعة فى الدنمارك وعاوز يعمل بحث عن "أحمد عدوية" فقلت سهلة أتصل بسعيد عكاشة... ومن ساعتها... بنتقابل كتير ونتكلم فى كل حاجة كتير ما عدا الموسيقى .... فقلنا النهاردة نخليها قعدة موسيقية وكمان نتكلم عن حمد عدوية عشان أخونا يعقوب ما يزعلش... ملحوظة:.... أنا ويعقوب عاملين فرقة اسمها (سادة ومضبوط) ... وده مش للإعلان بس للتعريف...
- ياللا ياعم يعقوب... قول ...
أحمد عدوية جزء من موجة جديدة من الغناء الشعبى بدأت فى الستينات من خلال "محمد رشدى" مما استدعى دخول عبد الحليم حافظ فى المنافسة من خلال الإذاعة والتلفزيون. ولكن العربية إللى وصَّلت "
عدوية" للشهرة هى الكاسيت. وكانت جزء مهم من انتشاره لأنها رخيصة مقارنة بالاسطوانات اللى كانت عند الطبقة الوسطى. كان كتير من المصريين راجعين من الدول العربية شايلين الكاسيت على كتافهم، تلاقى كده الفلاح شغال فى الغيط ومشغل التسجيل، الصنايعى فى الأتوبيس أو فى البلكونة معلِّى التسجيل قوى... كله شغال.... وكان ظهور شرائح اجتماعية لها ذوق مختلف (سياسة الانفتاح، أو الرجوع من الدول العربية) له دور كبير.

واحنا ما نقدرش نقول إن عدوية كده ظاهرة تلقائية، بل بالعكس كان ظاهرة مخطط لها، لإن ناس مهمة فى سوق صناعة الكاسيت دعموه بشدة زى مأمون الشناوى اللى قدمه لشركة "صوت الحب"، وساعدته الشركة فى التعاون مع مجموعة من الملحنين والشعراء: بليغ حمدى بأغنية "بنج بنج"، وهو اللى لحن لأم كلثوم. وكمان سيد مكاوى لحن له "سيب وأنا أسيب". وطبعا ساعد عدوية إن القاهرة اتحولت لعاصمة المتعة بعد الحرب الأهلية فى لبنان، وده فتح سوق جديد (شارع الهرم)، اللى جذب كتير من السياح العرب اللى عاوزين ينبسطوا...واشتغل عدوية فى كازينو الليل.
وكان عدوية طبال للراقصات. فى أواخر الستينات كان بيشتغل فى لبنان مع المغنية شريفة فاضل - أم البطل - وهى اللى قدمته للناس الكبار فى القاهرة. وكانت أغنية "سلامتها أم حسن" أول أغنية لأحمد عدوية فى عام 73، وحققت نجاح جماهيرى كبير، ووصل توزيعها إلى مليون نسخة. حصوة فى عين اللى ما يصلى (ده من عندى أنا). وفى سنة 1976 غنى عبد الحليم وأحمد عدوية فى حفلة واحدة حيث غنى عبد الحليم حافظ "السدح الدح أمبو" وغنى أحمد عدوية "خسارة فراقك ياجارة".


وقد كتب عنه بسام القصاص فى مجلة السياسة عام 1988 "تحت لهيب الشمس يغنى لا تحت أضواء الشموع". فى هذا الحوار اللى عمله عدوية للمجلة قال حاجات كتيرة ملفتة للانتباه. قال "أنا أغنى للطبقة الكادحة إذن أنا مغنى الشعب. حاربونى وأنا متربع على عرش الشهرة فسقطوا وبقيت أنا. أنا مغنى بسيط أغنى للعامل والمزارع والحرفى ولأبناء الطبقات الكادحة أجمعين واللى اكتشفوا أننى لا أغنى لهم فحسب ولكنى أخاطبهم من خلال الغناء، وأتكلم معهم مباشرة بلغتهم بلا حواجز، ولا تكلف، وادعاءات جوفاء. وكانت النتيجة إنهم ساعدونى ودعمونى. وأنا حاقول أنا مغنى الطبقة الكادحة، والطبقات الكادحة هى الأغلبية، والأغلبية هيه الشعب والشعب [كانت كتير قوى كلمة الشعب فى الوقت ده] صاحب القرار الأول والأخير، وسر النجاح عند اللـه. وخللى الاذاعة والتلفزيون [الإذاعة والتلفزيون... يالهوى..] والمتقعرين والمتفلسفين، وتجار الكلام، ومقاولى التنظير والتقعير والإيديولوجيات يسلمولى على الترماى. أغنيتى هيه الساندوتش الذى يتناوله الناس البسطاء فى الشارع وهم يتحركون وسط الزحام. الناس يريدون أغنياتى بالنهار وتحت لهيب الشمس، لا تحت أضواء الشموع". ده اللى قاله بسام القصاص على لسان أحمد عدوية. كلام مدهش مش كده؟
وتعالو نبص مع بعض على إيه اللى اتكتب عن عدوية فى الجرايد فى الفترة دى... الجمهورية 1976... عدوية يحاول عمل أغانى لدخول الإذاعة والتلفزيون من خلال أغنية "أمورة وعجبانى". الجمهورية 1979: ملكية أحمد عدوية 16 تاكسى، 2 عربية له ولزوجته، اشترى ارض فى المعادى وبدأ بناء عمارة له وللعيلة.

فى سنة 1985 - خللى بالك من الثمانينات - اتعملت قضية على أحمد عدوية من شرطة الآداب لغنائه أغنية فاضحة فى كازينو الليل... وهنا كتبت جريدة الجمهورية تقول نقلا عن أمين أبو طالب رئيس النيابة: "لازم يكون الفنان قدوة"... وكمِّل... "ظهر عدوية وسط تصفيق السكارى وبدأ يغنى وهو يمسك فى إيده كأس خمر وبدأ يغنى أغانى بذيئة وكلام هابط": لابس جبة وقفطان، وعامل بتاع نسوان، وماسك فى إيده سبحة حب الرمان، تطول حبة وتقصر حبة، تدخل حبة وتطلع حبة... لكن أحمد عدوية طلع بغرامة 200 جنيه.

مشكلة عدوية ما كانتش مع السلطات بس، ده الإسلاميين كمان كرهوه. شوف اللى كتبته الجرايد:
الاحرار 1987: ضرب عدوية من الجماعات الإسلامية فى أحد الأفراح بالمنيا لأنهم حاولوا أن يفضوا الفرح الذى يغنى فيه فاعترض.... فضربوه علقة ساخنة.
1989 صيف هذا العام قضية الغيبوبة المشهورة مع الأميرة العربية.
1990 أخيرا أذاعت له الإذاعة المصرية أغنية... وشكرا.


تفسيرات ظاهرة عدوية
وهنا دخل سعيد عكاشة فى الكلام رافعا يده زى الفرسان. على فكرة سعيد ملحن ومغنى متوقف الآن عن التلحين... ما اعرفش ليه؟ ....ماشى، قول ياعم سعيد... وقال سعيد...
الجمهور المصرى فوجئ فى مايو 68 بإن الإذاعة المصرية ذاعت أغنيات غريبة زى أغنية عايدة الشاعر "الطشت قاللى ياحلوة ياللى قومى استحمى" وليلى نظمى "العتبة جزاز والسلم نايلو ف نايلو". وهنا تردد السؤال ماذا يحدث؟ كان للموسيقى الشعبية فى الإذاعة المصرية باب لمدة لنصف ساعة أسبوعيا هو برنامج "موسيقى من بلدنا". وكان السؤال لماذا ظهر هذا اللون فى الإذاعة؟ وهل هذا لون جديد لبعض الفئات الاجتماعية الصاعدة حديثا؟ وهنا ظهرت ثلاثة تفسيرات لهذه الموجة الجديدة:


- التفسير الأولانى: سياسى، عشان عبد الناصر يلهى الناس عن النكسة.... وكمان لإن الدولة خريطتها السياسية والاجتماعية بتتغير...

- التفسير التاني: إن ده مجرد رد فعل تلقائى على إحساس الناس بالهزيمة، وبعد الحروب بتحصل دايما فورات حماسية ضد مفردات الموت والإحباط واليأس عشان كده بتنتشر الأغانى الخفيفة والراقصة، فرفشة يعنى. باختصار هى موجة وهاتعدى.

- التفسير التالت: إن الأغانى الفلكلورية والشعبية دايما موجودة فى الأفراح والموالد والاحتفالات الدينية، ومنتشرة بشدة فى صعيد مصر وريفها وعشان كده طبيعى إنها تكون موجودة فى خريطة الغناء المصرى...
وهنا نلاقى إن كل تفسير لوحده "مش كفاية" لتفسير الظاهرة. بس ممكن تجاوب عليه التفسيرات التلاتة مع بعض...


- إزاى يا عم سعيد؟
- أكمل سعيد قائلا:
جمال عبد الناصر ألمح فى خطابه فى عيد العمال إن الدولة فى طريقها للتحالف مع طبقة الفلاحين عشان هما بيشكلوا أغلبية الشعب المصرى... وإن تبنى الدولة للطبقة الوسطى انتهى بمظاهرات 68. اللى بيؤيد ده اكتساح الأغانى الشعبية والفلكلورية للساحة الفنية فى هذا الوقت. يعنى التفسير السياسى وجيه.


والحقيقة إنه بوفاة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش كممثلى غناء الطبقة الوسطى فى أعوام 1974، 1975، 1977 تم التخلص من الوصف الظاهرى للحبيب من خلال وجهه (الشعر - العيون - القوام) وتم استدعاء أغانى عبد الغنى السيد (يا بتاع الرمان) والتركيز على ثدى الراقصة. وفى الإطار ده ظهر أحمد عدوية.

المهم إن انتشار الأغانى الشعبية فى الوقت ده خلَّى الطبقة الوسطى تهجم على الأغنية الشعبية والفلكلورية... ورفضوا يعتبروا إن أحمد عدوية مغنى شعبى واعتبروه هابط. والحقيقة إنه إذا كان تعريف الأغنية الشعبية هو إنها الأغنية السائدة والمنتشرة بين طبقات الشعب المختلفة، فى الحالة دى عدوية يكون فنان شعبى، لأن عدوية بيتسمع فى الزمالك وكمان فى قلعة الكبش. وعشان كده ممكن يتساوى فى هذا أحمد عدوية مع عبد الحليم حافظ وأم كلثوم فى إن كل طبقات الشعب بتسمعهم.

لكن كان فيه إصرار من الطبقة الوسطى على محاربة الأغنية الشعبية والفلكلورية. إسمع باحث علم الاجتماع محمد الجوهرى بيقول إيه: "أغانى الفلكلور التى تتكلم عن الصدر والجسم لا بد من إبادتها." وتعالى ناخد أمثلة أخرى على تعامل الطبقة الوسطى مع الأغنية الشعبية. الطبقة دى تبنت سيد درويش بس "نضفته" الأول من "الأباحة" اللى كانت فى أغانيه.
درويش كان قال: "شفتى بتاكلنى، أنا فى عرضك، خليها تسلم على خدك".
بص بقى الطبقة المحافظة دى شوهتها وخلِّتها إيه: مهجتى فى إيدك، أنا فى عرضك، خليها تسلم على خدك.


وهنا من الممكن أن نقول أن الطبقة الوسطى (المحافظة - حسب التعبير الماركسى) هُزمت عسكريا وثقافيا، وكانت المعركة الفكرية دائرة فى شارع الغناء، حيث كان التعبير السياسى مرفوض ما بين 1967 و1970، وحدث انسداد الأفق أمام الحريات السياسية.. لدرجة إن الدولة قامت بوقف نشاط كرة القدم، خوفا من أى نوع من أنواع الوجود الجماهيرى الحر فى مكان معين، وأيضا خوفا من أن تقوم الجماهير بسب الرئيس عبد الناصر عندما تخسر مباراة لكرة القدم. إنت عارف إن ده حصل بعد كده مع الرئيس مبارك من جمهور الأهلى عندما تعادل فى القاهرة مع فريق كوتوكو الغانى بحضور الريس، فهتف الجمهور (وشك وحش يا رئيس)، إحنا شعب قليل الأدب مش كده.

المهم، نرجع للغناء: أصبحت الأغنية المتنفس الوحيد للشعب ليمارس المتعة الشخصية. مما أدى إلى خلق آفاق للتعبير الاحتجاجى من خلال الغناء. وتم الاعتراف بالريف المهمش والمدينة الريفية المهمشة من خلال ناس زى أحمد عدوية أو مثل الشيخ أمام عيسى وأحمد فؤاد نجم. وظهرت أغنيات زى "يا ماحلى رجعة ضباطنا من خط النار". ظهرت كل أشكال الاحتجاج على التهميش الطبقى والقمع السياسى لمتمردى الطبقة الوسطى (أمام - نجم)، بمفردات جنسية فى النهاية. وتم الاحتفاء بهذا النوع من الغناء كوسيلة للاعتراض على النظام، ولم يكن هناك أحزاب أو مجال سياسى للتعبير. وبالتالى طلع عدوية فى مرحلة تفكك الدولة وعدم سيطرتها.

والحقيقة إن الدولة دعمت عدوية بشكل غير مباشر، ولكن لم يُسمح بغنائه فى الإذاعة المصرية، ولكن "جهاز الرقابة على الكاسيت" لم يقف فى طريقه، لأنه بيسكر ومابيشتمش الحكومة، بعكس الشيخ إمام عيسى. وكمان ظهرت الأغنية الجماعية فى السبعينات بظهور فرق (الأصدقاء، الجيتس، النهار، المصريين)، وعدد كبير من الفرق التى تغنى أغانى غربية (حيث كان المصريين لا يفصلون ما بين الغرب وإسرائيل)، وهو ما يعتبر نوع من التقليد من المهزوم للمنتصر. الحقيقة إن ظهور الفرق دى كان راجع لحد كبير لانتشار الكاسيت زى ما حصل مع عدوية.

وكذلك ظهرت موجة البطن العارية والبكينى. وخلينا نشوف الفارق فى بداية الستينات أما غنى عبد الحليم حافظ أغنية "أبو عيون جريئة" قامت إحدى المجلات بعمل مسابقة لأحلى عيون جريئة. وظهرت موضة الهيبز بين الشباب، وقام المشير عبد الحكيم عامر بحلاقة شعر هؤلاء الشباب وإدخالهم الجيش كنوع من الأبوية والعقاب، لكن ده اتغير فى السبعينات.

المهم, النوع ده من الأغانى كان احتجاجى لكن المشكلة إن مثقفى الطبقة الوسطى قاموا بترميز الأغانى بالعافية... لإدارة معركة مع الدولة من خلالها. وفسروا أغنية "سلامتها أم حسن" على إنها أغنية وطنية، لدرجة إن الريس بيرة وأحمد عدوية صدقوا إنهم معارضين... شوف فسروا أغنية "سلامتها أم حسن" ازاى: أصبح عبد الناصر الشاطر حسن، وأصبحت مصر هى أم حسن وأصبح الدور اللى ماشى هم السوفيت. وفكرة لوى الأغنية عشان تعطى معنى سياسى مباشر وفج لاحظها صلاح عيسى فى مقال له عندما زار ليبيا - وهى دولة كانت تدعى أنها اشتراكية - فوجد أنهم يذيعون أغنية "حبة فوق وحبة تحت" بتفسير طبقى، وتحولت الأغنية إلى رمز وإسقاط سياسى، يعنى فرغوا الأغنية من محتواها ومن دورها كلغة مستقلة. وهنا تحولت أغنية سلامتها أم حسن لأغنية ثورية. وأغنية "والنبى لنكيد العُزال"، لمحرم فؤاد، تحولت أيضا لأغنية ثورية. "العُزال" هما الحكومة, "ونقول اللى ما عمره اللى انقال" يعنى المنشورات. وهذا ما تم مع السينما فى فيلم "شىء من الخوف" وفيلم "العصفور" بتحويلها لأفلام رمزية لمقاومة السلطة.

نرجع للدولة، سعيد عايز يقول بالعربى كده إن الدولة فى مصر دايما بتلعب دور وسطى بكل الطرق: تمنع الفقرات الراقصة (الرقص الشرقى) فى الحفلات العامة وتفتح له مجال فى شارع الهرم. وهيه نفس الدولة اللى بتدافع عن القطاع الخاص وتهاجمه فى نفس الوقت... الوسطية بقت هيه أهم حاجة مش المشروع السياسى أو الاجتماعى.. وكمان الشعب المصرى وسطى، والحاجة الوحيدة اللى عمل فيها ثورة لمدة أربع قرون كانت أما الفراعنة سحبوا منه حق الخلود... قعد أربع قرون يحارب فيهم ويحرق قصورهم، ولما خد الحق ده ما بقاش عنده معركة تانية..... يتهيألى كده... شوف اللى حصل فى لبنان وأوكرانيا وفى كل العالم واحنا لسة ساكتين.. (طبعا أنا ماليش دعوة بكلام سعيد فى السياسة) بس ده حق أخونا سعيد.. لأنه صاحب القعدة النهاردة... ونبقى نشوف ناس تانية فى قعدة تانية على القهوة.
رد مع اقتباس