رد: أروع ما قرأت
من الافكار من يقف الانسان منها موقف الدهشة ؛ كيف لكاتبها ان يخوض فى غمارها رغم صعوبة الامساك بها ؛ وكيف واتته تلك الجراءة على ترجمتها لتصبح كتابا جديرا بان يقراءة الناس ؛ ويصبح علامة لا تمحى من الذاكرة ؛فكان كتاب (جماليات المكان) لصاحبه الفيلسوف الاديب غاستون باشلار ؛احد هذه الكتب التى تاخذنا لعالم من الدهشه لا تفارق الانسان طالما له عين يرى بها العالم ؛ وله خاصية اختزان تفاصيل دقيقة متعلقه بسرداب الطفولة ؛ذلك الحلم الجميل رغم ما به من احزان احيانا ؛ واكتشاف العالم الجديد الذى تراه العين لاول مرة ؛ وقد سمى صاحب الكتاب الانسان الذى له تلك القدرة (الاحتفاظ بدهشة رؤية العالم الطفولى ؛ والقدرة على الاستدعاء ) الانسان الظاهرتى ؛ وهو المسمى المقارب من الانسان الحالم؛ وكم كنت اتمنى ان اعثر على الكتاب لعرض ما به بشكل مفصل ؛ لكنى افتقده مؤقتا ؛ والان استعين بالذاكرة للتعرض لما احتواه هذا الكتاب الرائع ؛
يتناول الكاتب تفاصيل حياة الطفولة المشتركه بين الانسان الظاهرتى وغيره ممن يتمتعون بالقدرة على الاحتفاظ بنفس الاشياء ؛ ومثال لذلك ؛ تناوله للخربشات التى كانت على جدران الغرف (خاصة المدهونة بالجير ) فكانت تلك الخرشات الموجودة تتشكل مع القدم ؛ لتشكل نماذج قريبة من البيئه التى نعيشها ؛ مثل بعض الكائنات الموجودة فى تلك الفترة ؛ قد تكون صورة لحصان ؛ او كلب ؛ او شجرة تعلوها كائنات غريبة ؛ او شكل سيارة ؛ او رجال واقفون بشكل معين ؛ فكنت حين انظر وانا طفل لجدران الفرفة عن قرب اثناء نومى ؛ ومع ضؤ مصباح اصفر ؛ اعيش مع تلك الخربشات المشكله بعامل الصدفة و عوامل التعرية لارى عالما عجبا احادثه احيانا بصوت خفيض ؛ خوفا من اتهام والدى رحمهما الله او اخوتى لى بالجنون ؛ و بعض ان قرات هذا الكتاب كان فرحى عظيما ان وجدت من يتحدث عن اشياء من هذا النوع ؛ بدون ان يتهم بالجنون ؛ كما تناول الكتاب فى باب اخر المكان الانسب للانسان الظاهرتى ؛ مقسما افضل السكنى له من بناء يتكون من ثلاث ادوار ؛ الدور الاول (البدروم ) وهو يمثل للنسان الظاهرتى العالم السفلى بما يحتوية من اساطير ؛ و خرافات ؛ وحكايات الطفولة ؛ الملئ بالاسرار التى تيحتفظ به الطفل ؛ الدور الثاتى و يمثل الامن لساكنه من حيث انه يقع جغرافيا فى وسط المكان ؛ وهو للنوم و ممارسة الحياة بشكلها الطبيعى ؛ الدور الثالث وهو العلية او السطوح ؛ وهو يمثل للحالم طريق الهروب اذا داهمه خطر و شبح عالم البدروم الملئ بالخرافة و الاساطير ؛
كما يتناوا الكاتب فى باب اخر بعض الانطبعات التى تمر بالنسان الحالم حين يراها ؛ ومثال لذلك حين كنا نركب القطار ليلا و اثناء مرورة ببعض الزرعات كنا نرى على البعد ضؤ مصباح اصفر وحيد يتصدر وحدة تلك العتمة الموحشة للزراعات ؛ فكان يثير هذا المصباح افكارا معينه و تصورات غريبة عن ساكنى المكان الذى يدل المصباح عنهم ؛ فكنت اتخيل اناسا غربة تسكن هذا المكان النائى بالنسبة لى راكب القطار ؛ وكان خيالى يعمل حينئذ عن تصورات خاصة بهم ؛ وعن محتوى غرفتهم ؛ وكيف يقطنون تلك الاماكن الغريبة و الموحشة بالنسبة لى
وفى باب اخير يتحدث الكاتب عن الانسان الظاهرتى بما معناه انه و الذلى له القدرة على الاحتفاظ بادق تفاصيل الماكن المؤثرة بالنسبة له اثناء مراحل عمره ؛ باشكالها و الوانها ؛حتى الروائح المصاحبة للمكان ؛ كمعين له فى فترة حياته التى قد تجعله وحيدا وعلى غير اتصال مع الاخرين ؛ فيستدعى تلك الذكريات من مخزنها يقتات عليها حين تصبح الحياة فارغة من الدهشة و الامتاع ؛ اقول ان هذا الكتاب رائع و به اشياء اخرى لم تسعفنى الذاكرة لاستدعاءها الان ؛ ربما لتفاصيل الحياة التى نحياها ؛ وربما اكون فى اقل حالات الظاهرتية .
|