رد: عبد الحميد الديب ـ حياته وشعره
عبد الحميد الديب شاعرا مصريا شريدا فقيرا ومات منسيا وكانه تلاشى وتلاشت ذكراه
كانت حياه عبد الحميد الديب ثورة على الحياة وكان لهذه الثورة الفردية كل ما للثورات
الجماعية من خصائص ومقومات
احس عبد الحميد الديب انه مظلوم فقد كان شاعرا فنانا مرهف الحس ومع ذلك لم يستطع
ان ينال حظه من العمل كان يظل ليله ونهاره يبحث عن لقمة العيش فاذا عثر عليها
لم يجدها فى وظيفة او صحيفة او مصنع يقدمها اليه لا تكريما لشعره ولا اعجابا بمواهبه
ولكن شفقة على ما يعانيه من فقر وفاقه .
وجد المجتمع وقد اغلق دونه الابواب فاذا طلبه يوما فمن الباب الخلفى باب البؤس والشقاء
والمرض .كان بلا مأوى بلا اهل بلا عمل كان يعيش فى الزمان فقط لا فى المكان كان ينام
فى الليل لا فى فندق ولا فى بيت كان يعمل فى النهار لا فى مكتب او فى مصنع
وتحولت ثورة عبد الحميد الديب الى تمرد على المجتمع ومقاومة له فكان هذا الجنوح
فى عواطفه وكانت هذه النظرة القاسية الى الانسانية كلها . لقد احس انفاسه تختنق بين
براثنها ومخالبها
كان يحز فى نفسه ان الناس لا يعطفون عليه لأنه شاعر . وأنما لأنه بائس فقير مريض ومن
هنا كان يشعر بالمرارة ازاء الناس جميعا سواء منهم من يبسطون أيديهم ليعينوه ومن يبسطون ايديهم ليقتلوه .
وقد صور فى احدى قصائده كيف دخل المسجد لينام لا ليصلى وكيف غادره بعد صلاة الفجر
الى الشارع ومر بالمقهى فأخذ الجالسون يمرقونه بنظراتهم بعضهم يقول عربيد وبعضهم يقول مسكين ........
اذا أذنوا بالفجر طرت مســرة الى المسجد فيه اصلى واضجــع
أصلى بأذكار المرائى وقلـــبه وبئست صلاة يحتويها تصنـــع
أمر على المقهى فأسمع شاتما يمزق فى عرضى واّخر يشــــفع
وقد ساء ظنى بالعباد جميـعهم فأجمعت رأيى فى العداء وأجمعوا
وهو ينطلق ليلا ونهارا يسعى الى تحقيق امله ورجائه فيجد فى كل طريق مصرعا لاماله
وخيبة لرجائه فيصرخ
أذله الدهر لا مال ولا ســـكن فتى تزيد على انفاسه المــــحن
اذا سعى فجميع الارض قبلته وان اقام فلا اهل ولا وطــــــن
ثيابه _كامانيه _ممزقـــة كانها وهو حى فوقه كــــــفن
كأنه حكمة المجنون يرسلـها من غير وعى فلا تصغى لــها اذن
وينتهى به سعيه الى غرفة يسكنها واذا هو وحده كل ما فيها من اثاث ويناجى ربه بابيات
تنبض مرارة وثورة
افى غرفتى يا رب ام انا فى لــحد ألا شد ما القى من الزمان الوغــد
لقد كنت ارجو غرفة فوجــدتـها بناء قديم اضيق من جلــــ ـدى
فأهدأ انفاســى يكاد يهـــدها وايسر لمس فى بنيانها يــــردى
ارى النمل يخسى الناس الا بارضها فأرجله امضى من الصارم الهـندى
تساكننى فيها الافاعى جـ ـريئة وفى جوها الامراض تفتك او تعدى
ترانى بها كل الاثاث فمعطـــفى فراش لنومى او وقاء من البـــرد
جوارك يا رب لمثلى رحمــــة فخذنى الى النيران لاجنة الــــخلد
وهو ينظر الى امته فيراها قد احتضنت الجاهل والدعى والمغرور وتركته كما مهملا
بل وجدها لم تحسه ولم تشعر به فيثور
يا امة جهلتنى وهى عالـــمة ان الكواكب من نورى واشـراقى
اعيش فيكم بلا اهل ولا ســكن كعيش منتجع المعروف افــــاق
وليس لى من حبيب فى دياركـم الا الحبيبين اقلامى واوراقــــى
لم ادر ماذا طعمتم فى موائدكـم لحم الذبيحة ام لحمى واخلاقـــى
بين النجوم رجال قد رفعــتهم الى السماء فسدوا باب ارزاقـــى
وتمر الايام ويذهب الديب لزيارة قريته فيدخل بيته القديم المتداعى فيظن اهل القريه
ان الديب قد عاد بالعز الغارب فاذا هو يبكى والدار تبكى معه
مروا على الدار يوم العيد ضيفانا يستمطرون نداها كالذى كــان
والدار لما راتهم مــقبلين لها تعاورت فى البكا اهلا وبنـــيانا
ليت العباد كلاب ان كلبتـــنا لم تزل لحفاظ الود عـــــنوانا
تحملت قسطها فى البؤس صابرة لم تشك جوعا ولم تستجد انسـانا
وقد قال فى مثل هذه المناسبة يخاطب اهله
يا معشر الديب وافى كل مغترب الا غريبكم فى مصر ما بان
ذبحتم الشاة قربانا لـــعيدكم والدهر قدمنى للبؤس قربانا
وظل عبد الحميد الديب ثائرا على المجتمع يناصبه العداء ويواجهه
نقمة بنقمة
وكانت ثورته تهدف الى خلق مجتمع يحنى راسه للفنان الاديب لا لصاحب السلطان
ويحنو على على صاحب الموهبة لا على صاحب العاهة
كل الحب اليكم جميعا
|