[بحري]

وهذه هي السهرة النادرة التي وعدت بها والتي يجود التلميذ أمام أستاذه وبأبدع ما يكون , يفرد فيها محمد خيري ويغرد بما يغيب بالمرء عن الوجدان , ويجعله منتشيا بعذيب حسه وصوته , ويفعل برأسه بما لا تفعله بنت الدنان ,
ولا غرو .. فبعض أصوات خلق الله , في خاماتها معاني , أقوى من ضرب المثاني , وأفصح من لسان البيان , وأجلى في بعض أحاينيها بالتعبير من نظم المباني , ومن بينهم هذا الغريد الذي ما له من ثاني :
لقد عقمت أم الزمان فلن تلد .... ولن تلد الأيام مثل محمد
تبتدئ السهرة بعزف شرقي أصيل , هو أقرب للفطرة , من تكلف الصنعة , لسماعي شهير وعظيم , يتميز بلعبه وطربه , ورقصه وخفته , ورشاقته التي تحي الفؤاد , وتقضي المراد , وتحرك الجماد ,من قبل تحريكها العباد
هو سماعي المحير للطنبوري جميل بك, يلي ذلك موشح , ليس لسامعه إن لم يطرب من عذرِ , أو لشارب سكره بعدها من صرف خمرٍ بكر
والذي يقول مستهله (بدت من الخدر )
وهذا التوشيح هو أقرب للحسيني منه للبيات , ويسمى أصوله بنقش المحجر وتتألف موازينه من ثلاثة وهي على التوالي :
المحجر 14/4 والستة عشر المصري 32/4 واليوروك 6/8
ثم تأتني الليالي من محمد خيري جميلة عذبة , وهي غاية في التناسق والإنسجام ثم يتبعه عقب الليالي , بمسك عبق , ويشدو بدور من تلحين النابغة الفذ داوود أفندي حسني والذي يقول مطلعه (كل جميل العين تنظر له .. إلا فؤادي ما يميلش لغيرك )
يتخلل الدور عند خانة الصبا , سلطنة لمحمد خيري , يصول معها , ويجول فيها , بليال تنوط بحبر من ذهب , وتبقى عبرة لمن بقي ومن ذهب , ويتغنى بعدها بتخميسة روحية , ويرحم الله ناظمها , وكأنها من وحي نوحيها , سيما أن شدا بها من هو للقوس باريها ,
ويقول مطلع هذه التخميسة :
نحن نهوى في الهوى أقوالكم ....وينتهي من بعدها الدور , ليستريح القوم , من تكبدهم للذات ذاك اليوم , وكأنهم حلَم في النوم
وبعد ذاك الفاصل , وصحوة الجلاس من سكرة الأوانة , عاودوا سمرهم , وجددوا أقداحهم , وشمروا من جديد عن ساعد الجد ’ ليقدحوا زند أفكارهم وعواطفهم بما ليس هزل بل هو جد , وعكفوا على ما يسمى بقالب القد
وابتدؤا :
بزمان زمان ... وعموري يا عموري , ولم يخلوا هذا القدان من إعمال فيهما من قبل محمد خيري إذ وشى طرزهما
بحلة موال , ينشط الحال , وينعش الروح , ويروح البال , ويشفى القروح :
وهو (بختية الروض ما هذا البكا والون ّ ) والبختية هي نوع من الطيور المغردة , البديعة الألوان , الماكثة بين الأفنان , تغني بما يسلي الوجدان , ويذهب الهم وتلهم السلوان
يلي ذلك قد أخر , لا يقل عن سابقية لذة وطربا , ولنيل المنىبغية و أربا , وهو أمان يا قلبي أمان ... راحوا احبابي فين يوبا , ويا غزيل يا ابو الهيبة , وعلى الهيلة الهيلة , وهي ختام تلك السهرة , وآخر رشفة قطرة , ويقع القوم بعدها سكرى , لا ينهضون إلا فجرا
وقد جزأت الحفل إلى عدة أجزاء لضخامة الملف ولعدم رغبتي بضغطه لئلا يؤثر على صفاء الصوت ونقائه
وقد أعدت رفع السهرة كاملة ومن غير تجزيئ ولكنها مضغوطة لمن يحب سماعها متصلة
وفي الختام ..
أمنيتي أن يسعد بهذه السهرة إخواني و أصدقائي الأعزاء , ولهم مني كامل الود وتمام الإخاء
..