عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 01/08/2009, 23h17
الصورة الرمزية abuzahda
abuzahda abuzahda غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:102176
 
تاريخ التسجيل: November 2007
الجنسية: مصرية
الإقامة: كندا - تورونتو
المشاركات: 1,212
افتراضي رد: الجسر ... قصة قصيره .... على هامش مرثية للأخ محمد العقاد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د أنس البن مشاهدة المشاركة
أعترف أنى تأثرت كثيرا كما تأثر الأحباب جميعا بمرثية أخينا العزيز محمد العقاد ... ومن هنا كانت تلك الخاطره التى خطرت لى كومضة بارق خاطف .............



بسم الله الرحمن الرحيم



الجسر



من نعم الله تعالى على قرية "الخالديه" ,تلك القرية الصغيره التى تقع على البر الشرقى من النهر , وجود هذا الإنسان بينهم , "آدم" أو "أبو أحمد" كما كان يناديه أهل القريه بالنداء المحبب له بعد أن رزقه الله ب "أحمد" بعد سنوات انتظار وترقب لقدومه تزيد على خمس , وآدم ذو أصول سودانيه كما تروى حكاوى القريه , حفيد الحاج أحمد السنى الذى وفد على القرية فى أوائل القرن الماضى فرارا من حكم غيابى صدر عليه , كان أحمد السنى يعمل ضمن سلاح الهجانه فى حرس الحدود ,عرف عنه الإستقامه فى كل أموره ومعاملاته , وفى يوم طلب منه أحد زملائه أن يغمض عينه عن عملية تهريب تجرى عبر الحدود فأبى ولما ألح عليه وزاد هدده برفع أمره إلى رؤسائه , تظاهر زميله أنه تراجع وهو يضمر فى نفسه مكيدة رتب لها بليل وأحكم حلقاتها التى وضعت أحمد السنى موضع الإتهام ظلما وحكم عليه بالجلد مائة جلده , أبت كرامة السنى التى تأبى الظلم والإفتراء إلا أن تثأر لنفسها من هذا الدعى الكاذب فلم يتركه إلا وهو يلفظ أنفاسه الأخيره , فر هاربا حيث ساقته قدماه إلى تلك القرية البعيده المنعزلة عن العمران , عاش وسط أهلها يداويهم من أمراضهم ويخفف من آلامهم بوسائله التى كان يتقنها من علوم الكى والحجامه والرقى التى ورثها عن آبائه وأجداده , تزوج من إحدى بنات القريه التى أنجبت منه ولده الوحيد "على" , أحبه أهل القريه ولم يحاولوا أن يفتشوا حول ماضيه لكنه فى مرض الموت فى النزع الأخير أفضى بالسر إلى واحد من أقرب أصدقائه وهو يوصيه بولده على ...
شب "على" واستمر يعمل فى نفس الصناعة التى ورث أسرارها وعلومها عن أبيه وتزوج هو الآخر من إحدى بنات القريه وأنجب "آدم" , نشأ آدم وشب على ما كان عليه أبوه وجده وزاد عليهما تحصيل العلوم بعد أن أدخله أبوه الكتاب فحفظ القرآن وأتم حفظه ثم التحق بالتعليم الأزهرى وحصل على شهادة من دار العلوم أهلته للتدريس إلى جانب الدعوة والوعظ , أحبه أهل القرية حبهم لأبيه وجده وزاد حبهم له لقيامه بمداواتهم وتلبية حاجاتهم وتطوعه لفض منازاعاتهم رافضا أى مقابل مادى .....
حتى كان اليوم الحزين , لم يأت على القرية يوما أكثر حزنا أو سوادا منه , فقد آدم وحيده أحمد , وتبدل حال الرجل الذى كان مضرب الأمثال فى العقل والحكمة والسكينه , أصبح يهيم فى الطرقات كمن فقد عقله , ينادى على ولده , ينظم المراثى فيه شعرا وزجلا , يقطع سكون الليل بصرخاته العاليه وآهاته التى تقطع الأكباد وتذيب الصخر , لا يرى إلا والدموع تسيل على خديه ,
"بكفياك بكا يا أستاذ آدم ,إرحم نفسك"
يرد من فوره : "وليس الذي يهمي من العين دمعها
ولكنها نفسي تذوب كما القطر"
لم يفلح أهل القرية فى التخفيف عنه ومواساته ورده إلى ما كان عليه من وقار وسكينه حتى وهم يحاولوا تذكرته بما كان يواسيهم به ليخفف أحزانهم .....
إلى أن كان يوم صحا أهل القرية على أصوات عالية أمام دوار عمدتهم , ذهبوا يستطلعون الأمر فإذا بهم يسمعون عجبا , الشيخ عوض "البهلول" كما كانوا ينادونه وهو من المجاذيب الذين لا يلتفتون لأمور الدنيا ومطامعها ومتاعها , ينام حيث يغلبه النوم ويأكل حيث تستقر قدماه , يرتدى جلبابا من فوق جلباب ,جلابيب لا جيوب لها واضعا على رأسه عمامة حمراء , ماذا فعل البهلول ...
فوجئ به أهل القريه يفترش الجسر الوحيد الذى يربط ما بين قريتهم والضفة الأخرى من النهر حيث الطريق الطويل إلى المدينة والعمران , كان يقوم ببناء سكن له وسط الجسر بعد أن قام بحراثة الجزء الآخر وغمره بالمياه بعد أن نثر بعض بذور النبات فيه , ماذا دهاه هو الآخر حتى يقوم بهذه الأفعال الغريبة العبثيه , كان الناس فى عجب وهم يتساءلون فيما بينهم ...
"يعنى لو كان عاوز يبنى دار والا مطرح يتاويه , ما الدنيا قدامه واسعه , ملقاش غير الجسر" ,
ومن قائل "دى أفعال مجانين والله" , وآخر "يا رب سلم ,لطفك يا رب ,دى القيامه باين قربت تقوم"
أخذوا يتداولون فيما بينهم وهم فى حيرة من أمرهم لعلمهم أن الكلام والنصح لن يجدى معه ,وكذلك القوة غير مستحبة مع أمثاله لخوفهم من كراماته التى كانوا يعتقدون فيها أنها تصيب من يتصدى له بمكروه ....
ولما أعيتهم الحيل إنبرى واحد منهم صارخا ...
"مفيش غير حل واحد , نروح للأستاذ آدم"
"إنت بتخرف بتقول إيه ,هو فى إيه والا إيه"
"صبركم يا جماعه ,أى نعم أحواله مش ولابد بعد موت ابنه ,لكن الله غالب ماقدمناش غيره فى الورطه دى"
ذهبوا إليه على استحياء وهو جالس وحده فى داره يجتر أحزانه التى لم يأن لها أن تفارقه ,قصوا عليه حكاية البهلول وهم فى حرج منه ,وبعد أن انتهوا من كلامهم فوجئوا بما لم يكن يخطر لهم على بال أبدا , شبح ابتسامة رضى بدأت ترسم خطوطها على وجهه , زادت شيئا فشيئا وهو يهز رأسه , وبعد طول صمت قال لهم ...
"آه ... فهمت, وصلت الرساله"
"أى رسالة يا أستاذ ؟!...."
"رسالة الشيخ عوض البهلول , الجسر ... الممر ..... الطريق ..... الحمد لله إنكشفت الغمه ونزلت السكينه ,هيا ارجعوا إليه وستجدون كل شئ على ما يرام , والجسر على حاله الذى كان عليه ...........
وقبل أن يقوموا تناهى إلى سمعهم صوت البهلول من خارج الدار منشدا :

طـويت صفحـة وجاء زمان

تعبت مـن جنـونه الأوصافُ

لست فيكـم بناصح أو نذيـر

أنا يا قــوم عابـر طــوافُ

تمت .......................
سيّدي الأديب
الوالد الدكتور أنس البن

أعلمُ أن قلبك الوسيع يتسع لقبول الأعذارِ ، اتساعهُ لتلقي الشكاوى

فالمعذرة سيّدي لثلاثةِ أيامٍ خلت ، حال فيها انشغالي دون قراءَتي ، أقصوصتك .
كما أني - للأسف - لم أعلم برثاءِ الأستاذ محمد العقاد ، إبنه ، فليقبل خالص عزائي مشفوعاً بدعاءٍ إلى الله تبارك و تعالى أن يبَرَّد قلبه بالسلوانِ ، و أن يمدّهُ بمدد الصبر الجميل.

****
الجسر

قبل أي كلام ، تحق لأستاذي علاء قدري ، إنحناءة لا مجاملة فيها .
و تحيّة من القلب إلى صديقيَّ الجميلين : علاء ياسين و طارق العمري

الجسر

هل تصل الإشارتُ إلى أهلها ؟
هل يفهم الإشارات ، إلا من تصلهم ؟

سؤالان يبدوان بغاية السذاجة ، إذ أن إجابتهما : نعم

فما الفرق بين آدم و بهلول ؟

أهل الإشارات ، لا يجدون فرقاً بين حامل الإشارة و متلقيها ، حيثُ : كلهم في ذاتِ الفلكِ يسبحون

فالمجذوب الذي يسخر منه أهل الغفلة ، يجد مَن يقبّل يده مِن المُستنيرين بالإشارات

هم يعرفون أن المجذوب يقوم بتنفيذِ حكمٍ ، لا يصدر إلا على السالكين

آدم ، ينفذ حكم الفقدِ توطئة ً لاجتياز المفازة الكبرى: الصبر على الإبتلاء. و هذا مانراه

أمّا بهلول ، فلم نعلم سياق أقداره ، لكننا رأينا بهاليلاً كـُثرَ .
و بالمكتبةِ العربيّة كتباً من عيون ِ تراث القوم ِ ، كتبها أسيادنا الأوتاد ، بعد الإجتياز ِ . فمنهم من حـُكِم عليه بالصمتِ فظنـَّهُ الغافلون أخرسا . و منهم من ثبت جنونه - بينهم - بالنهار ، فإذا جن الليل ناموا هـُم ليختلي مجنونهم بالدواةِ و الريشة ليسطر لنا من العباراتِ الحكميّة ما يحيّر فهوم البشر

* * * *

أنعم بكَ و أكرم من أديبٍ لا يدّعي

و

آهـ لو علم الأدعياءُ أن الأدبَ فعلٌ لا كتابة !
و أنه لا أديب لم يتأدب
__________________
أستغفِرُ الله العظيم وهو التوّاب الرحيم
رد مع اقتباس