اقتباس:
شجرةالدوم
للمرة الثالثه أجدنى مدفوعا رهبة وخوفا للطواف علىنوافذ وأبواب الدار أعيد إحكام غلقها , أتأكد من ثباتها بقطع الأثاث التى وضعتها منخلفها , كانت مع ذلك لا تزال تهتز بشده من ضربات تلك الريح الصرصر العاتيه بصفيرهاحينا وأنينها أحيانا وعوائها المزعج ما بين هذا وذاك , لم أر من قبل منظر الفضاءخارج الدار بمثل هذا الجنون والعبث , وأنا أرقبه وجلا حزينا من خلف زجاج الشرفه , ريح ترابية مجنونه ,حمراء تارة وسوداء أخرى وحينا صفراء , تعوى فى صراخ مستمر حاملةكل ما تلقاه فى طريقها من أخضر ويابس , تعبث بالأشجار , تجردها من أوراقها , منغصونها , من أوكار طيورها , قبل أن تجهز عليها وتخلعها من جذورها لتطيح بها فى عنف ...................
تذكرت الشجره , شجرة الدوم العتيقه , آآآآآآه لو أصابها مكروه , إنهاتاريخ العائلة مجدها , فخرها , شرفها , غرسها هنا فى هذا المكان جدى السابع لأمى , قيل لنا أنه فلاحا ماهرا يضرب به المثل فى الحكمة والفصاحة , خرجت شجرة الدوم منحين غرسها واقفة على ساقين يمتد منهما ذراعين , تتهادى برؤوسها وما تحمله من ثماركأنها الثريا فى خيلاء ناحية السماء , وبدأت تخرج من أصلها شجيرات وليده كان الآباءوالأجداد ينقلونها جيلا بعد جيل فى مزرعة لهم ,إلى أن صارت غابة مترامية الأطراف منأشجار نخيل الدوم , لكن ظلت الشجرة العتيقة الأم لها تفردها وخصوصيتها وهى تقفشامخة وحدها حيث غرسها جدنا الكبير , ومع توالى السنين وتعاقب الأيام جيلا بعد جيل ,كانت تزداد روعة وبهاء بمنظرها الفريد وبما تحمله, بينما الساقين وما تفرع منهمايسبغان على النخلة رونقا من الجمال والوقار والجلال , كان يحلو لكل صاحب قلب سليمأن يديم النظر بعينيه إليها متأملا روعة الخالق جل وعلا فى بديع صنعه , كنا نراهاشجرة صالحه وهى تمد ساقيها ناحية السماء كأنها عابد متبتل خاشع يرفع ذراعيه فارداكفيه بالدعاء يرجو رحمة ربه شاكرا لأنعمه ......................
آآآآآآآآآآآآآه لوأصابها مكروه وهى التى ظلت عشرات السنين تقف شامخة ثابتة مكانها تقاوم نوائب الدهروقسوة الليالى والأيام , لا تضن ولا تبخل بعطائها على جميع الناس , كم لعبناحواليها أطفالا وتسلقناها فتية , جلسنا تحتها نتسامر ونتحاور ونحن نأكل من ثمارها , نستظل بظلها ونمتع العين والنفس بالنظر إليها , نداوى بها عللا شتى , وكان الكثيرمن الناس يتبرك بها ويحلف بها ولا يحلف بها إلا من لم يعهد عليه الناس كذبا , شجرةتعطى كل ما فيها لكل أحد ولا تأخذ من أحد شيئا ...........
عدوت إلى النافذةالتى تطل عليها , دققت النظر ناحيتها وسط ضباب التراب والغبار الذى حجب ضوء الشمسونور القمر , هالنى ما رأيت شجرة الدوم الراسخة التى عاشت عشرات من السنين لايصيبها ضيم أو أذى , ها هى وقد صارت ريشة فى مهب ريح صرصر عاتيه , كأنها غريق يصارعجبال الموج ....
صرخت بأعلى صوتى طالبا النجده , لكنى لم أسمع لصوتى صدى , على من أنادى ,تذكرت أنه لا أحد معى بالدار , ماذا أفعل وأنا أرى شجرة العز والمجد والشرف قابقوسين أو أدنى من السقوط , جريت ناحية الباب حاولت فتحه لكنى وجدت الريح المجنونةتدفعنى بعنف وقسوة داخل الدار محملا بكل ما تحمله من أتربة ودخان , أعدت غلق البابوأنا فى عجب من أمرى ما الذى يمكننى فعله وحدى أمام تلك الريح القاسية التى لا تبقىولا تذر , حتى لو وجدت أحدا معى , ما الذى يمكننا فعله فى مواجهة هذا الكرب العظيم, إستسلمت لليأس , عدت إلى النافذه لألقى آخر نظرة على الشجره وقد نامت وادعة ساكنةبساقيها مكانها على سطح الأرض , قلت فى نفسى ............ أخيرا .... آن لها أنتستريح , أجل تستريح من جنون ريح عاتيه وبشر عاجز مغلوب على أمره ..
ثم نمت ...................
|

المُفكر والآديب الراقى الكبير
((( د.أنـس البـن )))
تحية مُكللة بالعود والعنبر والمِسك الآذفز
لله درّك يا سيدى ، صدقً أقول إننى كنتُ منسجمة وذهبت
إلى وادى أخر قبل أن أتابع قراءة هذه الخريدة
الرائعة بعين شرهه وعقل شارد وشيئاً فشيئا بدأت
أنزاح من انسجامي لأركن صوب شجرة الدوم حتى لفَّتنى
بظِلها لفا
هًناك مُناسبة أحببت ان أدرجها هُنا لفتح أقواس
الروعة للعمل والتى إستفذت بى شيئاً أريد أن أتكلم
عنه
ألا وهوَ فلسفة الجمال بإعتبارها أحد فروع
الدراسات الفلسفية التى تُناقش أثر الواقع المعاش
بتحدياته على ذائقة الشعوب ومشاكله على الوجه
الخاص ، لذلك نجد إيمان أى شعب نحو تراث حضارته
وثقافته وأصول حِكمته وموروثاته الدينية
والروحية ، عادة ما يكون لها أثر على إبداعه
الفنى ، كذلك الواقع السياسى سواء كان فى حاله
إستقرار سياسى أو حرب أو إحتلال وقمع أثر سوف
يؤثر على ذائقة الأمه و الشعب بصفه عامه فيما ما
قد يبدعه ،،
.. النص يفتح أمام المتلقى الكثير والكثير من
نوافذ التساؤل والدهشة و الكثير من التاؤيلات ،،
صوت الراوى كان ظاهراً من بداية العمل حتى نهايته
فكان السرد بضمير المُتكلم وليس الغائب ..هذا
يشد إنتباه المُتلقى للعمل على إنه أمام سيرة أو
حدث حقيقى فيتوحد مع العمل بشكل سريع ،، إلا أن
عيبه الوحيد إنه يسلب القارئ قدرته على التجريد
والنقد للنص بشكل عام بعكس إذا كان السرد بضمير
الغائب الذى يعطى المتلقى مسافة للحكم على مجرى
العمل ككل
بالنسبة لجمالية العمل
مابين الأبيض والأسود... مكثت أتامل روعه حروفك
وأتقافز بين السطور ما بين الواقع والخيال
وإسقاطات رسمها لنا الكاتب لحظة نابضة بالزمان
والمكان لذلك ألقت هذه القصة أو بالآحرى هذه
الشجرة بظِلها داخل العقل والروح معاً ....لتلامس
ألمنا وعذابنا وتمزق قلوبنا المُنهارة أمام هول
الاحداث اليومية لأمتنا العربية والإسلامية المتمزقه
إطار العمل كاد أن يأخذ الشكل المسرحى للغته
الفصيحة وجمله المُكثفة مع تنامى الدراما بشكل راقِ
وجميل ، كما أن إغفال بعض الآحداث التى أعتبرها
خلفية غير مفيدة للعمل ككل فأصبح التركيز على
مسار العمل نحو فكرتها وحفظ تدفقه ليسير فى مسار
رائع يجعلنا فى شوق لمتابعه أحداثها وما سوف
تقتلعه هذه الرياح بأرض الواقع ،،
إلى أن نصل لنهايتها القاتمة وأن جائت مريحة
ومناسبة لسياق العمل فالنهايات السوداء تكون
أقرب الى المصداقية عن غيرها.. لنستخرج هذه
الرسالة التى أراد الكاتب إيصالها لنا على طبق من
ذهب
مشيراً إلا أننا نساير واقع مؤلم في أحط عصور الظلام
وأسوأ عصور الردّ..
قلت فى نفسى ............ أخيرا .... آن لها أنتستريح , أجل تستريح من جنون ريح عاتيه وبشر عاجز مغلوب على أمره ..
حبذا لو اغلقت هكذا ولا داعى لثمَ أو أن تكون
مفاجأة بأنه إستيقظ من غفوة أو من سبات لحظة
كما أشار أخى الفاضل إسلام بمداخلته أنفاً
. اللهم أحيى قلوبنا بآياتِكَ ودَلنا ولا تضلنا لخير
طريق نسلك به رضاك ونتجب به غضبك وسخطك ..
أستاذى الجليل، اعتذر على الإطاله
جزيل الشكر لكَ وتحياتى لهذا العمل البديع
تقبل منى هذا المرور المتواضع وفى إنتظار المزيد
لكَ معترك من الإبداع سمو وإلتماع
((
))