مساء الخير أعضاء المنتدى الكرام
أود أن أطرح في هذه المداخلة وفي هذا القسم من المنتدى،
موضوعا للنقاش أرجو أن يساهم فيه الجميع لإثراء الحوار الجاد،
ولمزيد تعميق البحث حول موسيقانا العربية.
إن المتصفح بين دفّات المصادر العربية القديمة، التي عنيت بالموسيقى، يلاحظ غياب مصطلح "الموسيقى العربية" في كلّ الكتابات، ونلاحظ هذا منذ بلورة النظرية الموسيقية مع المدرسة العودية في القرن التاسع ميلادي، والتي تزعمها اسحاق الموصلي والكندي، وبعد ذلك مع المدرسة الإبداعية الطنبورية، والتي من روادها الفارابي وابن سينا وابن زيلة، وامتدت هذه المدرسة إلى ما بعد سقوط بغداد أي النصف الثاني من القرن الثالث عشر ميلادي. كذلك الشأن بالنسبة للمدرسة النظامية المنهجية ومن زعمائها صفي الدين الأرموي والصفدي والجرجاني وعبد الحميد اللاذقي، والتي تواصلت إلى حدود القرن السابع عشر ميلادي. ثم تأتي المدرسة العربية الحديثة مع بداية القرن التاسع عشر ميلادي مع محمود السيالة القادري الصفاقسي، والحائك التطواني وإبراهيم التادلي بالنسبة للغرب الإسلامي، وميخائيل مشاقة وكامل الخلعي في المشرق الإسلامي. وقد جاءت كتابات كل هؤلاء النظريين في شكل رسائل مثل رسالة الكندي في خبر صناعة التأليف أو رسائل ابن سينا في الموسيقى، أو كتب تشير إلى صناعة الموسيقى كما كانت تسمى من قبل، مثل كتاب الموسيقى الكبير للفارابي، أو كتاب الأدوار في الموسيقى، أو جوامع علم الموسيقى لابن سينا وكتاب الكافي في الموسيقى لابن زيلة، والأمثلة على ذلك كثيرة ولا يتسع المجال هنا لحصرها بالكامل. إذن من خلال العناوين التي أتيت على ذكرها، نتبين أنّها تشمل علم الموسيقى بدون أي تحديد لا جغرافي ولا إثني. بعد ذلك ومنذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ظهر مصطلح جديد في الكتابات التي تعنى بالموسيقى ألا وهو "الموسيقى الشرقية" ونتبين هذا من خلال بعض الكتابات مثل كتاب الموسيقى الشرقي لكامل الخلعي في بداية القرن الماضي أو كتاب فلسفة الموسيقى الشرقية في أسرار الفن العربي لميخائيل الله ويردي وغيرها من البحوث وبدأ الحديث حينئذ عن موسيقى شرقية أو بالتحديد مشرقية وهو تحديد جغرافي، ولم يظهر مصطلح "موسيقى عربية" إلا من خلال كتاب البارون ديرلانجي الذي ساهم في التحضير لمؤتمر الموسيقى العربية الذي انعقد بالقاهرة سنة 1932، ولم يسعفه الحظ لحضوره وذلك لمرض ألمّ به، والذي سماه الموسيقى العربية وهو مؤلف ضخم من ستة أجزاء. من الملاحظ بعد هذا المسار التاريخي للنظرية الموسيقية العربية أن النظريين العرب القدامى لم يستعملوا هذا المصطلح لعدة اعتبارات أولها في تقديري هو اعتقادهم الجازم أن العلوم والنظريات العلمية لا وطن لها وبالتالي فهي ملك للإنسانية بأكملها، والدليل على ذلك هو أن بلورة النظرية الموسيقية العربية -وهنا أتحفظ بدوري على المصطلح- جاء نتيجة ازدهار حركة الترجمة من الإغريقية إلى العربية وما تبع ذلك من تفتح على علوم ومعارف إغريقية قديمة من ضمنها علم الموسيقى، كذلك نتيجة تلاقح ثقافي بين الحضارات المتاخمة للحضارة العربية الإسلامية مثل الفرس و الأتراك وغيرها من الحضارات الأخرى. إضافة إلى أن العديد من النظريين القدامى ليسوا من العرب، بل دخلو الإسلام وحذقوا اللغة العربية التي صارت لغة العلم في تلك الفترة، ومن بينهم الفارابي وابن سينا والأرموي . غيرأنّ مصطلح موسيقى عربية لم يظهر إلا بعد تفكك السلطنة العثمانية أو الرجل المريض كما يحلو للغرب أن ينعتوه وجاءت التقسيمات الجغرافية الإستعمارية، التي قسمت الكيان الإسلامي إلى "دويلات" صغيرة، وظهرت النزعات الإقليمية الضيقة وبدأنا نسمع عن موسيقى عربية، لا بل أكثر من ذلك، حيث نجد موسيقى مصرية وأخرى لبنانية وأخرى تونسية وجزائرية ومغربية، ولك أن تحصي عدد البلدان العربية. بعد ذلك بدأنا نسمع عن نزعات إثنية عرقية هي في الحقيقة نتيجة صراعات أججها الغرب في صلب الكيان العربي الإسلامي مثل الموسيقى البربرية الأمازيغية أو موسيقى الأقليىة السوداء في بعض البلدان، أو الموسيقى الأندلسية هذا المصطلح الذي يستعمل في غير محلّه وهي مسألة أخرى تحتاج مزيدا من الشرح والتمحيص في غير هذا الموضع. إذن كل هذه التسميات لا تخلو من إيديولوجيات سياسية، وما على الباحث الموسيقى إلاّ أن ينأى عنها فمثلا الموسيقى العربية يجب وضعا في إطار أشمل كقولنا مثلا الموسيقى العربية الإسلامية، حيث أنّ الفنون عموما لا تخضع للبعد الجغرافي، الذي يبقى من مشمولات أهل السياسة، بل على العكس تماما فهي تتواصل ويمكن أن تجد لها أثرا في مساحة جغرافية تتجاوز التقسيمات السياسية، والأمثلة على ذلك كثيرة مثل الموسيقى في منطقىة الشام أو الموسيقى في شبه الجزيرة العربية أو الموسيقى في المنطقة المغاربية، وهذا لا ينفي بطبيعة الحال الخصوصيات المحلية لكل منطقة. كانت هذه بعض الخواطر أردت أن أثيرها، في سبيل فتح باب النقاش حولها، والتي قد تضفي إلى مسائل أخرى، فعالم الثقافة كما يحلو للبعض أن يراه هو "عالم تبادل الفكار أو لا تكون".