الموضوع
:
الـبَـيْـنـَمَا ، قصة لسيد أبو زهده
عرض مشاركة واحدة
#
30
01/06/2009, 01h54
abuzahda
مواطن من سماعي
رقم العضوية:102176
تاريخ التسجيل: November 2007
الجنسية: مصرية
الإقامة: كندا - تورونتو
المشاركات: 1,212
رد: الـبَـيْـنـَمَا ، قصة لسيد أبو زهده
البينما - 3
إنتظار
كان يخاف الموت و تقيضه الظـُلمة ، حتى التقى مُرشِده في الطريق ، فمنحَهُ المِسبَحة و كتابَ الأورادِ و الطمأنينة. أحَبَ الظلام و عشق الخلوة ، فلما تراءت له الأحبة في الخلوات زادَ شوقه إلى هنا .
لم تطب له هرولات الأقدام المارقة من الباب إلى الميضاء ، سِبحَ كنتفةِ سحابٍ إلى النعشِ الماكِث بركنِ المسجد فاستحالت له مسام الكفنِ نوافِذاً تلاصقت بلا أطُرٍ و قد علِقَ بها زيت المِسكِ كأغشيةٍ من نور.
تفحَصَ بدنـَه الغضَّ متذكراً تلك الإرتعاشة التي فصلت بين الحياتين ، كأنها خـَتمُ لقاءٍ يُنهي اشتياقَ تقيَّيْنِ بخلعِ التعب و الحرارة.
سرت ابتسامته الناعِسة مابين إيهابه و الكفنٍ يستوسعها فرحٌ برؤية ندبةِ ذقنِهِ عن هذا القرب لأول مرةٍ في حياتيه . منذ خاطها طبيب استقبال مستشفى الحي ، لم يستطع رؤيتها إلا بمرآةٍ و لي رقبة ، راح يعد آثار الغرز:
الله واحد ، مالهوش تاني ، العدد ثلاثة ،
الله واحد .... الله واحد
،
غادر النعشِ كشهابٍ يبحث عن مُرشِدِهِ .
كان قد وعدَهُ بحضور جنازته و صلاتها. بعدما حالت سياحته دون لقاء شيخهما ، لكنه قال له:
سوف تراه يوم تعرف
.
تدلى سؤالٌ كأنه ثرية عملاقة تتأرجح بين الشوقِ و الأمل :
أهذا يوم المعرفة؟ لما لم يأتيا ، الشيخ و المرشد ؟
،
الله أكبر .... الله أكبر
رددها المؤذن ، إنتظمت الصفوف ، هبَطَ إلى النعشِ كقطرةِ ندى تنتظر البخر .
كان يقول في حياته الأولى أنه بحاجة إلى عمرين ، واحد للحياة و آخر للإنتظار .
الآن هو ينتظر مشيعيه حتى يختموا صلاة عصرهم ، و ينتظر حضور مُرشِدِه ، و شَيخِهِ و ينتظر ظلمة القبرِ .
يتعب الروح طول الإنتظار . كانت أمه تقول :
الموت و لا انتظاره .
تذكّرها يتساءَل ، لماذا لم يرها منذ أدارت خطيبته محبس الخطوبة بغرفة انتقالِهِ ؟
هل حـُسِبَ للذهاب إلى مكانٍ غير الذي تحت أقدامِ الأمهات؟
كان يشبهها في مزجها العجيب ، وداعة القطيفة و صخب الأصواف .
لكن المأوى لا بالأنسابِ و لا بالشبهِ .
،
لفحته هبّةُ شوقٍ إلى قبرهِ عند سفحِ الجبل بلهفةِ أنه ذلك المكان الذي لن تدرك وصوله خطيبة الدنيا.
جلس فوق النعش على الهيئة التي عرفوه بها أصحابه عند اصطياد الفكرة . لكنه لم يشعر بما كان من خدر الفخذين تحت اتكاءة رسغيه.
،
أطرق يتأمل عبر كوةٍ ، شرّعها ضجر الإنتظار ، ما بين الحياتين.
.
__________________
أستغفِرُ الله العظيم وهو التوّاب الرحيم
abuzahda
مشاهدة ملفه الشخصي
زيارة موقع abuzahda المفضل
البحث عن كافة المشاركات المكتوبة بواسطة abuzahda