عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30/05/2009, 15h24
زياد العيساوي زياد العيساوي غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:185298
 
تاريخ التسجيل: March 2008
الجنسية: ليبية
الإقامة: ليبيا
العمر: 51
المشاركات: 269
افتراضي ليس كلّ ما نسمعه غناء

ليس بالضرورة ، أن يكون كلَّ ما نسمعه من قول ٍ مصحوب بموسيقا غناءً ، و لو نفينا عنه صفة الغناء ، فهذا لا يعني أننا انتقصنا من شأنه شيئاً ، فقد يصبح لوناً جديداً من التعبير ، نظلم من يحترفه ، حينما ندرجه ضمن مفهوم الغناء ، و لأننا بالدرجة الأولى معنيون بفنِّ الغناء العربي المتقن ، فسوف نلحظ أنّ ثمة بُعداً شاسعاً و جفوة كبيرة ، بين ما يُبثُّ الآن من غناء – كما يدّعي مقدموه – و بين أصول الغناء العربي ، فمن أبجديات الأخير البديهية ، علاوةً على الكلمة الشعرية الجادة و اللحن المموسق على المقامات العربية ، يجيء الصوت الحسن في صدارتها ، و لأننا لا نريد أنْ نتزيَّد و نتصلب عند رأي مُتشدِّد ، خشية أنْ نشقَّ على مطربي اليوم ، لقلنا الصوت الحسن المتكامل الأبعاد و الجوانب الجمالية من دون تنازل و لا نقصان ، و هو ذلك الصوت ، الذي يُجيد أداء طبوع الغناء العربي كلها ، فلا يكفي أنْ يلتزم صاحب الصوت ، الذي على درجة من الجمال ، بأداء لون معين و يكتفي به ، بل يتعيّن عليه ، أنْ ينجح في أدائها جميعاً ، فكم من مُغنٍّ صُنِّف من قِبل المتلقين في عداد ذوي الأصوات المليحة ، في حين ، أنّ صوته في سويّة لا بأس بها ، غير أنه عرف كيف يتهرب من الوقوع في منزلق يفضحه ، حال خروجه من تحت عباءة اللون الغنائي ، الذي قد اختاره لحنجرته من دون سواه ، مثل الفنان الراحل ' عبد الحليم حافظ ' و الفنانة ' وردة الجزائرية'وغيرهما .
و من الأصوات المستوفية لشروط اكتمال محاسن الصوت و سلامته للغناء العربي ، أصوات كل ٍّ من ' أم كلثوم ' و ' وديع الصافي ' و ' محمد عبد الوهاب ' حينما كان في عزِّ شبابه و في أفضل حالاته في عشرينيات القرن المنقضي ، أي قبل دخول تقنية التسجيل الصوتي إلى الأقطار العربية في ثلاثينياته ، و كذلك السيدة ' فيروز ' و ' صباح فخري ' و غيرهم من فنانين سابقين و لاحقين ، ذلك أنّ خمستهم ، أدّوا بمهارة ، صنوف الغناء العربي المتقن جميعاً - الشعبي منه و الحديث - كالطقطوقة و الموشح و القصيدة و الأناشيد و الابتهالات و الأغاني القصيرة و الطويلة أمام الجمهور مباشرة أو خلف أجهزة التسجيل المسموع و المرئي ، ليس هذا و كفى ، بل إنهم ، تطرقوا إلى شتّى المقامات الموسيقية ، فأخضعوا أصواتهم لاختبارات صعبة و تجاوزوها بنجاح تلو الآخر .
العجيب أنك قد تستمع إلى عمل ( لاحظ أنني لم أقـُل أغنية ) و عند فروغك منه مباشرةً ، لا تستذكر منه أية كلمة ، مع أنّ كلامه عربي صرف ، ذلك أنّ مؤديه لم يقدر على أنْ يشدَّك إليه ، و إنْ تمعنت في ذلك ، و سرت وراء السر ، ستجد أنّ لا الصوتَ صوتٌ و لا اللحنَ لحنٌ و لا الكلامَ كلامٌ ، ما يعني انتفاء تواجد عناصر الأغنية أصلاً و تركيبتها أيضاً ، فلا تلومنّ المؤدي ، بل لـُم نفسك ، ذلك أنك بحثت عن الغناء في غير موضعه ، و طلبته ممّن يفتقده ، فهو لم يدّع ِ بأنه مطربٌ و لا مُغنٍّ ، لكنك أنت من افترضت و ظنّنت ذلك ، فخاب ظنُّك و مسعاك .
غير أنني أضع اللوم كل اللوم ، على أصحاب هذه الأصوات - الذين غدوا يشكـّلون نسبة عالية مقارنة مع أصحاب الأصوات الجميلة ، التي لا تكاد أن تبين و سط هذه الزحمة - لكونهم لم يجدوا لذواتهم و لا لما يقدمونه من تعبير ، من تسمية جديدة ، يُعرفون بها أنفسهم للمستمع العربي ، كي يصبح في مكنته تصنيفهم ، فهم بذلك ، أساؤوا مرتين ، مرة لأنفسهم ، و الأخرى للغناء العربي بصفة عامة ، حينما أقحموا ما يقدمونه من لون في فنِّ الغناء العربي ، الذي لم يألف في يوم من الأيام هكذا أسلوب ، كالذي نسمعه حالياً من بعض الشباب ، الذي لا يرتقي البتة إلى درجة الغناء الحقيقي ، حتى إنْ حاول بعضهم تقديمه بالصورة المشهدية عينها ، التي درج عليها العباقرة الأوائل ، فهو إنْ كان غناءً ، فهو مُشوّه ، لأنك لا تستمع فيه إلى أية جملة موسيقية مفيدة - على غرار مفهوم الجملة المفيدة في اللغة العربية حين اكتمال ركنيها – و يستطيع أيُّ شخص تأديته من دون أدنى تفنُّن ، الأمر الذي ينزع عنه ثياب الفنِّ و يلبسه لبوساً ثانياً ، علينا أنْ نحدّد طبيعة و نوع و ملمس قـُماشته ، لنسميه بها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بقلم : زياد العيساوي
رد مع اقتباس