كان علي أن أقرأ جميع المشاركات هنا قبل أن أضع ردي
وبالتأكيد سيلتقي ردي مع بعض المشاركات وسيختلف مع بعضها
في البداية وكمرور عام على القصة أقول
لم أجد في السرد الجميل التلقائي لحظة واحدة تشعر القاريء بالملل ذلك أنه كان سردا منهمرا بلا تكلف
مكتوبا بطريقة حرفية جميلة ومتقنة حقا وساعد على جمالية السرد تلك اللغة السهلة الممتنعة التي استخدمتها
والتي تخللتها العبارات والمصطلحات الشعبية التي عمقت وأضاءت معاني كثيرة تفصيلية في القصة
مثل ( القاعة ، الفاخورة ، التُرَبي ، التصبيرة ، الطبلية ، فك الخط ، الحقونا ياعالم ، وردة بتولد يا ناس، حوش ، العربة الكارو ..,غيرها )
وكذلك ساعد على جمالية السرد
تعدد المشاهد في هذه القصة والتي أحسنت القاصة وصفها بصورة رائعة وكأنها مطلعة تفصليليا على كثير من تفاصيل الحياة في القرية وفي هذه الحرفة تحديدا وهي صناعة الفخار
مشهد وصف عام لحرفة صناعة الفخار ضمن مشهد القرية
وفيه توصيف وتعريف لصناعة الفخار ومواقع القاعات وابتعادها عن المسكن
ثم تداخلها مع المقابر وبعض المساكن نتيجة للزحف العمراني ( وهنا إشارة لافتة ربما جاءت عفوية للزحف العمراني على الأراضي الزراعية وعدم وجود سياسات كافية تخطيطية لتنظيم العمران والحفاظ على رقعة الأرض الزراعية )
وهنا وصف مفصل لصناعة الفخار وكأن القاصة كانت تتفرج بشكل شخصي على تفاصيلها
وعلاقة الأسرة به بما يمكن أن نسمية التغذية الراجعة بين الأسرة في المنزل والأسرة العاملة في الميدان
حول الطبلية لتناول الطعام وهو مشهد شعبي بامتياز
مشهد الحب والعلاقة الرقيقة بين نسيم ووردة
وتنامي هذه العلاقة في ظلال الأسر وعلى صوت الفواخير وبين المقابر
والأهم أن تلك العلاقة كانت بعلم الجميع ( أي أننا في تلك الأيام كنا أكثر تحضرا ربما في نظرتنا للحب عنها في هذه الأيام )
ومشهد الخطبة والزغاريد والذي انتهى بجملة عبقرية
تدل على التزاوج التلقائي بين الأسر ومصالحهم ولكن ليس على حساب الحب حين أبدعت القاصة بتلخيص الوصف بقولها ( وتصاهرت القاعتان )
وتكاتف أهل ونساء القرية ليساهموا في مساعدة وردة وزوجها نسيم
والعربة الكارو والحمار الهزيل
والذي أعتبره المشهد العبقري حقا في هذه القصة
وهو مشهد تداخل الجنازة وأهلها مع المولود وأهله
هنا تتجلى القصة بكامل ألقها
تجدد الحياة واستمرارها رغم الموت اليومي
هنا يكمن الحدث الرئيسي غير التقليدي الذي تساءل عنه الأخ طارق
هنا يكمن الهدف والفكرة وتنامي الحدث حتى التفجر
هنا هو البعد عن التقليدية في خلق حدث وعقدة في وسط القصة ثم يدور الأبطال حولها لتنتهي بخاتمة ونهاية تقليدية
هو النهاية غير التقليدية والحدث غير المعتمد على الخطابة والتهويل
ومن هنا أشار أبو زهدة إلى فكرة العالمية
فتداخل الحياة والموت وجدلية الوجود والعدم
تمس الناس جميعا وتناولتها أقلام فلسفية كبيرة
وسيظل الفلاسفة يكتبون عنها حتى نهاية العالم
لقد أحسنت القاصة بطريقة وصفها للمشاهد بدقة واستعمال الألفاظ الخاصة بكل مشهد والمتعلقة به
ولعل واقعية القصة التي أشار لها زملاء آخرون
فالحرفة والقرية والحياة والموت وبينهما تصاهر الأسر والمصلحة هي معاني واقعية كان لابد أن تتداخل العلاقات والأحداث والمشاهد بينها بواقعية وكان من أهم مميزات هذه القصة هو ابتعادها عن الخيال وعن اختراع الأحداث
فقد تسلسلت الأحداث الجزئية للوصول إلى الحدث العام الشامل وهو تداخل الأسرتين للمتوفى والمولود للإشارة الدالة على جدلية الوجود والعدم والحياة والموت
لم تخل القصة من أحداث جزئية
فمنة حادث السيارة للحماة إلى حدث المصاهرة والزواج إلى حدث الولادة ونقل المولود عبر القاعةالمقبرة للتماهي مع الحدث الأكبر وهو المشهد الأخير للوجود والعدم
بأن الوصف التفصيلي غلب على الحدث...ما يلي
إما أن تكون القصة القصيرة مجرد التركيز على لقطة لتأسيس الفكرة عليها
وهنا لا لزوم للشخصيات العديدة وتفصيلها ولا لزوم لوصف الأحداث بتفصيل
أو تكون قصة واقعية تعتمد أساسا على التفاصيل
فلم يكن حسب سياق هذه القصة ممكنا الوصول للهدف العام والحدث العام دون أن يكون المتلقي قد تهيأ نفسيا وذهنيا بالخلفية العامة للشخوص وبالمشهد العام الذي اشتقت منه المشاهد التفصيلية
فإن هذه القصة وتأكيدا لما قاله أخي أبوزهدة
تصلح بمشاهدها وتفاصيل شخصياتها وفكرتها أن تكون رواية كاملة
وأدعوا الأخت ناهد أن تفكر جيدا في تحويل هذه القصة إلى رواية
لأنها تمتلك كل عناصر وأساسيات الرواية
وأما عالميتها ففي الإنغماس في محليتها
والمحلية الصادقة هي الموصلة للعالمية ..
وهذه القصة تملك هذا العنصر الهام .
__________________
يوسـف أبوسالم - الأردن
الموسيقى هي الجمال المسموع
مدونة الشاعر م.يوسف أبوسالم