عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 08/05/2009, 09h02
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
افتراضي رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

مناظـرات ومحـاورات

@ تسابق أهل الدار جميعهم فى همة ونشاط إلى رفع صحاف الطعام وتنظيف المكان من بقاياه حيث ذبحت شاة وأعدت وليمة كبيرة ابتهاجا بنجاة الشافعى . كان القوم فى عجلة من أمرهم وهم يعيدون ترتيب المكان وإعداده , كل واحد منهم يعمل يديه فى همة لمواصلة حديث مثير قطعه طعام العشاء . لم تمض غير لحظات حتى عاد المكان مرتبا منسقا كما كان ..

جلس فى صدارته الفارس العائد المحتفى به وجمع كبير من قرابته وذوى رحمه وجيرانه , يتحلقونه فى شوق وفضول بعد أن اتخذ كل واحد منهم مكانه شاخصين إليه أبصارا إمتزج فيها القلق والترقب بفرحة اللقاء . مرهفين آذانا مشتاقة لسماع بقية حكايته المثيرة بأحداثها المتلاحقه وما كان من أمره فى الأشهر الماضية التى أمضاها فى أرض العراق , إلى أن عاد إليهم مرة أخرى سالما غانما مرفوع الهامه . بعد أن كتبت له النجاة وبرأه الله من كيد أعدائه ومكرهم الكبار , وما حاولوا إلصاقه به من إفك وبهتان حسدا من عند أنفسهم للإيقاع به وإيراده موارد الهلاك بعد أن أعيتهم الحيل والدسائس ..

بادر خاله سليم الأزدى متسائلا فى لهفة وقد بدا على ملامحه أنه أكثر القوم فضولا وشوقا لمعرفة باقى حكايته . بعد أن فرغ من إرواء عطشه مسح فمه بكمه ثم وضع آنية الماء جانبا وهو يسأل متلهفا ..............

ــ هيه وماذا بعد يا ابن إدريس , ألن تسمعنا الآن بقية حكايتك وما حدث لك فى أرض الخلافه بعد انتهاء المحاكمه ..

نظر إليه الشافعى ثم إلى من حوله متسائلا وهو يضع راحته على جبهته كمن يحاول أن يتذكر ...............

ــ أين توقفنا يا قوم فقد أنسانا شهى طعامكم آخر الحديث ؟.

إنبرى عبد العزيز مجيبا فى الحال ............

ــ وقفت بنا فى حكايتك عند اللحظة التى خرجت فيها من القصر بعد انتهاء المحاكمه فى صحبة القاضى محمد بن الحسن الشيبانى لما طلب إلى الرشيد أن تكون فى ضيافته , أليس كذلك ؟.

ــ بلى أيها الخال العزيز لقد تذكرت , يا لها من أحداث .

هز رأسه قليلا وهو يتنهد قائلا ...................

ــ إيه .... ما أعظم هذا الرجل وما أكثر فقهه وغزارة علمه وما أعذب تلاوته للقرآن . أقولها شهادة صدق مع اختلافنا كثيرا فى الرأى وفى منابع الفكر وقاعدة الفتوى وأصولها . ما رأيت فى حياتى كلها أو فى أى بلد حللت فيه أحدا يحسن تلاوة القرآن مثله , وما رأيت أخف روحا ولا أفصح لسانا ولا أرجح عقلا من هذا الحبر العراقى البدين ..

بعد لحظات صمت جليل ران السكون خلالها وخيم أرجاء المكان أردف قائلا وهو يهز رأسه ...................

ــ كنت أظن وأنا أسمعه يتلو آى الذكر فى خشوع أن القرآن نزل بلغته . إيه .... أيام رائعة مكثتها فى صحبته لم أفارقه خلالها إلا لضروره . المهم أننا بعد أن خرجنا سويا من دار الملك فى الرقه أخذنا الحديث ونحن فى الطريق إلى داره فى أمور شتى ومسالك متشعبه . كان ساخطا أشد السخط من مسلك صاحبه حماد البربرى ناقما عليه بعد أن علم أنه كان وراء هذه المؤامرة اللعينة التى أتقن صنعها ..

سألته امرأته ...........

ــ ماذا قال لك ؟.

ــ قال لى كلاما كثيرا مبديا دهشته وامتعاضه من مكره وكيده أذكر منه قوله فى هذا الحوار الذى دار بيننا : ………………

ــ والله إنى لفى عجب شديد ودهشة من أمر هذا الكوفى الذى صاحبته زمنا كنت أعلم مذ كنا معا فى الحلقة المالكية فى المدينه أنه يكن لك فى قلبه قدرا من الكراهية والحقد . لكنى لم أتصور يوما أن يتردى إلى هذا الدرك الأسفل من الخسة والنذاله . لا أدرى كيف ظل طوال هذه السنين الماضية وهو يحمل لك فى باطنه الأسود كل هذا الكم الكبير من الحقد والغل . ظننت آنذاك أنها أمورا عابرة كتلك التى تحدثها المنافسة أحيانا بين الزملاء ورفقاء العلم لا تلبث أن تمضى لحالها وتنطوى فى غياهب الزمن وسراديب النسيان ..

ــ ليتها كانت كذلك . غير أنى لا أجد ما أقوله أيها الشيخ الجليل إلا أن أدعو الله تعالى أن يسامحه ويغفر له ما سلف من أمره معى . لم يكتف بما فعله معى بالمدينة قبل سنوات من إيذاء ومهانة بل حاول مرات كثيرة بعد أن صارت له الإمارة وملك زمام الأمور فى اليمن أن يتحرش بى عن طريق بعض أتباعه والعاملين تحت إمرته ..

ــ يتحرش بك . كيف ذلك وما الذى فعله معك هذا الوغد المغرور الأحمق ؟.

إغرورقت عيناه بالدمع وهو يقول فى صوت متهدج حزين ...............

ــ لجأ إلى بعض السفهاء وضعاف النفوس من أذنابه وأطلقهم من ورائى فى كل مكان أغدو أو أروح فيه . يطلقون ألسنتهم مرات بالأذى والسباب والسخريه ومرات بإطلاق الشائعات والروايات الكاذبة الملفقة الباطلة التى تسئ إلى سمعتى وتنال منها وأساليب وضيعة أخرى لا أحب أن أتذكرها أو أذكرها لك ..

ــ عجيب والله ما أسمع . كل ذلك بسبب ما كان بينكما فى المدينة منذ سنوات . حقا لا أكاد أصدق ؟.

ــ لا يا سيدى ليس لهذا فحسب ..

ــ وما الدافع له إذن على هذا اللدد المتصل وذلك العداء وتلك الكراهيـه ؟.

تنهد قائلا ................

ــ إيـه ليس دافعا واحدا إنما أسباب كثيره . منها أننى حاولت مرارا وأنا قاض للبلاد أثناء ولايته إمارة مكة واليمن أن أمنع ظلمه وظلم أتباعه الذين طغوا فى البلاد أن يصل إلى ضعاف القوم ممن هم تحت إمرته . قمت بالفعل برد ما سلبوه وانتهبوه من حقوق إليهم . كان لسانى سيفا مسلطا على ظلمه للناس وطغيانه فى البلاد , فشق ذلك على نفسه وبعث كوامن الغضب فيه , وزاده حقدا وكراهية على ما كان يحمله فى باطنه ..

ــ إعلم يا أبا عبد الله أنه لا يقيم ميزان العدل ولا يركب هذا المركب الصعب إلا أولو العزم من الرجال . يفعلون ذلك وهم يعلمون أنهم سيتعرضون لخشونة الزمان وأذاه . وإنى لأظنك يا صاحبى من أولئك الرجال الذين لا يخافون فى الله لومة لائم ..

ــ لقد بلغ به السفه والحقد الأعمى أن يسلط بعضا من أتباعه ليقطعوا الطريق على مرات ومحاولة إيذائى أحيانا بالضرب وبالسب أخرى . كان ذلك قبل أن يشى بى عند أمير المؤمنين ويلفق لى تلك التهم الشنيعه ..

صمت برهة ثم قال فى صوت متهدج ونبرات حزينه ...............

ــ أخذ يشيع بين الناس من غير حجة أو سند سواء فى المدينة أيام كنا معا أو بعد ذلك فى اليمن عن طريق أذنابه أن قومى من الموالى , وأننى لست قرشيا بالنسب بل بالولاء ..

ــ أجل صدقت والله . أذكر أنى سمعته مرات بالمدينه قبل سنوات يزعم أن جدك شافعا كان مولى لأبى لهب ولم يلحقه عمر بموالى قريش ثم ألحقه عثمان بن عفان من بعد عمر بهم . أجل قال ذلك وأشياء من هذا القبيل لا زلت أتذكر طرفا منها لكن الأمر العجيب حقا وأكثر ما أدهشنى أن يكون الخلاف فى أمور العلم مدعاة لكل هذا الحقد وتلك الكراهيه . لدرجة تلفيق تهم باطلة شنيعة كتلك التهم التى لفقها لك أخيرا وهو يعلم يقينا أنه لا عقاب لها ولا جزاء عليها إلا الموت . أمر عجيب ومحير حقا ..

ــ والله ما ناظرت أحدا يا سيدى وأنت تعلم هذا إلا ولم أبال بين الله الحق على لسانى أو لسانه . فلا بغية لنا من وراء ذلك ولا أرب إلا النصيحة وبيان الحق ومعرفته لا الجدال العقيم أو الحجاج السقيم أو التعصب الأعمى للرأى . وما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلها إلا عظم فى عينى وهبته واعتقدت مودته . ولا كابرنى أحد على الحق ودفع الحجة الصحيحة إلا سقط من عينى ورفضته ..

ــ ذلك هو نهجنا أيضا المهم عندنا هو الوصول إلى الحقيقة سواء كانت فى كلامنا أم كلام غيرنا ..

مرت لحظات صمت وهما يسيران بخطوات رتيبة عاد بعدها ابن الحسن يواصل سابق حديثه قائلا ...............

ــ يذكرنى كلامك هذا بما سمعته قبل سنوات طوال من إمامنا وشيخنا أبى حنيفه فى أخريات أيامه . إن كلماته لا تزال ترن فى أذنى إلى هذه اللحظة كأنما سمعتها منه بالأمس القريب ..

سأله فى لهفة ............

ــ حدثنى بالله عليك بما سمعته من حكم هذا الشيخ الجليل ودعنا من حكايات وذكريات أليمه ؟.

ــ كنت غلاما وقتذاك فى الثانية عشر من عمرى وسمعته ذات مرة وهو يقول موجها كلامه لجماعة من المشتغلين بعلم الكلام ............ “ كنا نناظر أيها القوم وكأن على رؤوسنا الطير مخافة أن يزل صاحبنا مع مخالفته لنا فى الرأى . وأنتم تناظرون وتريدون زلة صاحبكم وهمة أحدكم أن يظفر من صاحبه بشنعة يشنع بها عليه “ ..

ــ ما أعظمه من إمام وما أتقاه سمعت أنه نهى ولده حماد عن الإشتغال بهذا العلم أو تعاطيه ..

ــ أجل لقد وجهه حينا لدراسة علم الكلام ثم عاد ونهاه عنه . ولما سأله ولده عن ذلك وكان له هوى به قال له ............ “ يا بنى إن هؤلاء المختلفين فى أبواب الكلام ممن ترى كانوا على قول واحد ودين واحد حتى نزغ الشيطان بينهم فألقى بينهم العداوة والإختلاف “ ..

ــ صدق الشيخ الإمام فإن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال [ لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم الحديث ] صدق رسول الله "صلى الله عليه وسلم" . أجل لأن يلقى الله عبده بكل ذنب ما خلا الشرك بالله خير من أن يلقاه بشئ من هذه الأهواء ………

يتبع.. إن شاء الله............................
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 17h40
رد مع اقتباس