عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 02/05/2009, 18h19
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
افتراضي رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

أطرق الرشيد ثم رفع رأسه ونظر للقاضى قائلا ............
ــ يا محمد بن الحسن سله عن مسأله ؟.
تنحنح القاضى هامسا للرشيد .............
ــ يا أمير المؤمنين إن كان أحدا من أهل العلم يخالفنا ويثبت خلافه علينا فهذا الرجل الشافعى ..
رد الرشيد بصوت خفيض ..............
ــ لم يا ابن الحسن ؟.
أجابه ابن الحسن وهو يخفض من صوته .................
ــ سعة علمه يا مولاى وتأتيه وتدقيقه فى المسائل . والله لو أن الناس ألقوا فى عقله لغرقوا فيه ..
ــ كيف عرفت ؟.
ــ لا أعرف بهذا الحجازى منى يا أمير المؤمنين ..
ــ تقول ذلك يا ابن الحسن وقد حملت ما حملت من علوم العراقيين كلهم ؟.
ــ أجل يا مولاى أمام هذا الحجازى لا يسعنى إلا أن أقول ذلك . لقد ملك زمام الحديث والسنه ولم يناظرنا أحدا من أهل الحديث وثبت أمامنا غيره ..
ــ لا تزرى من قدرك يا ابن الحسن , هيا سله واشدد عليه ..
أسلم أمره لله ثم التفت ناحية الشافعى مخاطبا ...............
ــ يا ابن إدريس ما تقول فى رجل عنده أربع نسوة فأصاب الأولى عمة الثانيه , وأصاب الثالثة خالة الرابعه ؟.
ــ ينزل عن الثانية والرابعه ..
ــ ما الحجة فى ذلك ؟.
ــ أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن أبى هريره قال . قال رسول الله "صلى الله عليه وسلم" [ لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها ] ..
أطرق ابن الحسن مفكرا ففاجأه الشافعى متحديا ليثير حماسه وغيرته ويرفع عنه الحرج الذى استشعره منه وهو يسأله ...............
ــ قل لى أنت يا محمد بن الحسن . كيف استقبل رسول الله "صلى الله عليه وسلم" القبلة يوم النحر وكبر ؟.
وجم محمد بن الحسن وتتعتع ولم يحر جوابا فالتفت الشافعى للرشيد قائلا ...........
ــ يا أمير المؤمنين يسألنى عن الحلال والحرام فأجيبه , وأسأله عن سنة من سنن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" فيتتعتع . والله لو سألته كيف فعل أبو حنيفة لأجابنى ..
نجح الشافعى فى إثارة حماسه وطرح رداء الحرج والحياء منه تجاهه . لم يشأ ابن الحسن بدوره أن يعلن استسلامه , رفع رأسه وسأل الشافعى متحديا .............
ــ ما تقول فى رجل غصب من رجل ساحة فبنى عليها بناء أنفق فيه ألف دينار . ثم جاء صاحبها أثبت بشاهدين عدلين أن هذا إغتصبه هذه الساحه وبنى عليها هذا البناء كيف تحكم بينهما ؟.
ــ أقول لصاحب الساحه يجب أن تأخذ قيمتها فإن رضى حكمت له بالقيمه وإن أبى إلا ساحته قلعت البناء ورددت ساحته إليه ..
إبتسم فى دهاء متسائلا .............
ــ فما تقول يا أبا عبد الله فى رجل إغتصب من رجل خيط إبريسم فخاط به بطنه , فجاء صاحب الخيط فأثبت بشهادة عدلين أن هذا اغتصبه هذا الخيط . أكنت تنزع الخيط من بطنه ؟.
ــ لا . ما يكون لى ذلك أبدا ..
تهلل وجه ابن الحسن ظنا منه أنه أوقع الشافعى فى حبائله .........
ــ الله أكبر , تركت قولك .
ــ لا تعجل أيها القاضى , أخبرنى أنت . لو أن هذا الرجل لم يغتصب الساحة من أحد وأراد أن يقلع عنها هذا البناء , أمباح له ذلك أم محرم عليه ؟.
ــ بل مباح ..
ــ عظيم , أفرأيت لو كان الخيط الذى خاط به بطنه خيط نفسه لم يغتصبه من أحد وأراد أن ينزعه من بطنه . مباح له فعل ذلك أم محرم عليه ؟.
ــ بل محرم عليه , أفى ذلك شك ؟.
ــ فكيف بالله عليك تقيس مباحا على محرم ؟.
أطرق القاضى قليلا وقد اعتراه بعض الوجوم . أخذ يفكر فى مخرج من هذا الفخ الذى أوقع نفسه فى حبائله ثم رفع رأسه قائلا ...........
ــ فما تقول فى رجل غصب لوحا من خشب فأدخله فى سفينة ووصلت السفينة إلى لجة البحر ثم أتى صاحب اللوح بشاهدين عدلين أنه له أكنت تنزعه من السفينه وترده لصاحبه ؟.
رد الشافعى من فوره .............
ــ لا . ما يكون لى أن أفعل ذلك ..
ــ فكيف تصنع إذن بصاحب السفينه ؟.
ــ آمره أن يقترب بسفينته إلى أقرب ساحل ثم أطلب إليه أن ينزع اللوح من مكانه ويرده فى الحال لصاحبه ..
ــ كيف تحكم بذلك ورسول الله يقول [ لا ضرر ولا ضرار فى الإسلام ] ..
ــ ومن الذى ضره ؟. هو أضر بنفسه ولم يضره أحد ..
ران على المكان سكون كسكون المقابر لم يقطعه إلا صوت الشافعى وهو يقول .......
ــ قل لى أيها القاضى . ما تقول فى رجل من الأشراف غصب جارية من رجل من أراذل الرجال ثم أولدها عشرة كلهم قرأوا القرآن وخطبوا على المنابر وحكموا بين الناس . ثم جاء صاحب الجارية أم هؤلاء الأولاد العشره وأثبت بشاهدين عدلين أن هذا اغتصبها منه وأنها مملوكة له , أخبرنى كيف تحكم له ؟.
ــ أحكم بأن أولاد هذه الجاريه أرقاء لهذا الرجل ..
ــ بالله عليك , أى هذين أعظم ضررا , أن تقلع البناء وترد الساحة إلى صاحبها أو تحكم برق هؤلاء الأولاد ؟.
جلس القاضى واجما بعد أن غطه العرق واكتسى وجهه بمسحة من ضيق وغم , وران على المكان صمت عميق كأنه صمت العدم . لم يستطع منع الضيق عن نفسه فتلك طبيعة البشر رغم حبه للشافعى ومعرفته بعلمه وتقديره له . لكن طبيعته السمحاء لم تكن تخل أحيانا من بعض القلق . منذ اللحظة الأولى عندما طلب إليه الرشيد أن يسأل الشافعى ويناظره وهو يعلم أنه وضع فى مأزق لا نجاة له منه . لم تنسه السنين قدر الشافعى وسعة علمه مذ كانا معا قبل سنوات فى مدرسة مالك بالمدينه ..
لم ينس ذكاءه ودقة فهمه للمسائل وقدرته الفائقة لى استنباط الأحكام والفتاوى منها وأنه لا قبل لأحد بمجاراته فى هذا المضمار مهما أوتى من العلم . فى تلك اللحظة ذاتها كان الرشيد غارقا فى تأملاته وهو يردد النظر بين قاضى الخلافة الأكبر قطب الفتاوى والأحكام فى بغداد الذى بدا زائغ العينين لا يجد ما يرد به على حججه القاطعه . وبين ذلك الرجل القرشى الأسمر النحيل الضامر العود الذى يجلس أمامه ساكنا واثقا من نفسه رغم علمه أن رأسه قد تهوى فى أية لحظة وأنه من الممكن أن يلحق بمن سبقوه ..
فوجئ الرشيد بسعة علمه ونباهته وتوقد ذهنه وفصاحة لسانه وثقته البالغة بنفسه وقدراته الفذة على المناظرة والجدال . أخذ يحدث نفسه ............ هذا الرجل القرشى نسيج وحده والله لم تر عيناى مثله ..
وبينما هو كذلك إذ نظر عن يمينه فلمح وزيره الفضل بن الربيع . تذكر أيام كانا فى المدينة المنوره فى رحلة الحج سويا قبل سنوات وأخذ يستحضر فى ذهنه ذلك الحوار الذى دار بينهما وهو يخبره بقصة لقائه بصديقه الشافعى وكيف حكى له يومها عن المناظرة التى كان هو فارسها . نظر إلى الفضل بن الربيع نظرة تحمل سؤالا صامتا كأنه يقول له هذا هو صاحبك الذى حدثتنى عنه . فهم الفضل ما يريده أمير المؤمنين فهز رأسه مرتين كأنه يقول له ........... أجل إنه هو يا مولاى ..
تذكر أنه قال لوزيره فى ذلك اليوم ............ لا تعجب يا أبا إسحق فإن عقل الرجل من قريش يعدل عقل رجلين . تذكر أيضا أنه تمنى ساعتها أن يلتقى بهذا الرجل وها هى الأقدار تسوقه إليه ويعاين بنفسه سعة علمه . إنه إذن هذا الرجل الذى أراد الله بعلمه فرفعه الله . أخذ يردد فى نفسه ............ لله درك يا شافعى ما أفطنك لقد قاتل الله عدوك فصار وليا لك ..
وكأنما شعر الشافعى بما أصاب القاضى محمد بن الحسن من الضيق والحرج فتنحنح قائلا .............
ــ يا أمير المؤمنين , إنما هو كلام نتكلم به فى المناظرات , لكنى لا أعلم أحدا أخذ من العلم ما أخذه محمد بن الحسن . إنه حامل فقه العراقيين وإليه يرجع الفضل فى جمع ما قاله أبو حنيفه وأبو يوسف ونشره على الكافه . إننى لا أدعى باطلا إذا قلت إنه أعظم أهل الأرض علما فى هذا الزمان بعد وفاة أبى حنيفه ومالك بن أنس والقاضى أبو يوسف . وما يكون لمثلى أن يناظر عالما جليلا مثله . الله يعلم يا أمير المؤمنين أنى ما ناظرته إلا عن أمرك ..
هز الرشيد رأسه مبتسما , معجبا بتواضع الشافعى وفطنته وأخيرا شق صوته أرجاء المكان قائلا وهو يهم بالقيام إيذانا بانتهاء المجلس .............
ــ قد علمت أن الله عز وجل لا يدع هذه الأمة حتى يبعث عليهم قرشيا فلقا يرد عليهم ما هم فيه من الضلاله . إذهب الآن أيها الشيخ الحجازى القرشى فى ضيافة .......
وقبل أن يتم عبارته تنحنح محمد بن الحسن . نظر إليه الرشيد متسائلا ..........
ــ مالك يا ابن الحسن ؟.
ــ معذرة يا أمير المؤمنين إسمح لى أن يكون الشافعى ضيفى ؟.
نظر للشافعى مبتسما كأنه يسأله فأجابه من فوره ............
ــ لو لم يقلها هو لقلتها أنا يا أمير المؤمنين ولفرضت نفسى ضيفا عليه ..
ــ ما السبب ؟.
ــ الحقيقة يا مولاى أنى كنت أتمنى منذ زمن أن أجلس إليه وأسمع منه سماعا ما دونه فى فقه أبى حنيفه قبل أن أقرأ كتب الخلاف بين العراقيين ..
ــ آه تقصد ما كتبه القاضى أبو يوسف رحمه الله فى أوجه الإختلاف بين أبى حنيفه وابن أبى ليلى أليس كذلك ؟.
ــ بلى يا أمير المؤمنين ..
ــ على بركة الله أنت إذن فى ضيافة القاضى ولا تغادر أرض العراق حتى آذن لك ..

يتبع.. إن شاء الله............................
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 17h36
رد مع اقتباس