عرض مشاركة واحدة
  #221  
قديم 09/04/2009, 20h55
الصورة الرمزية NAHID 76
NAHID 76 NAHID 76 غير متصل  
رحمها الله رحمة واسعة
رقم العضوية:61292
 
تاريخ التسجيل: August 2007
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 765
افتراضي الشيخ رفاعى الأعمى .. قصه قصيره

بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ رفاعى الاعمى


فى إحدى عزب قريه من قرى أقاصى الصعيد يعيش الشيخ رفاعى الفاقد للبصر والذى اشتهر فى العزبه بالشيخ رفاعى الأعمى
يعيش وحيدا عيشة بائسه لا تختلف عن عيشة أهل العزبه فى بيت مبنى بالطوب اللبن مهدم الجوانب يعرش سطحه أعواد من الخشب المغطى بالقش والغاب ....
هو مؤذن جامع العزبه الوحيد القاطن على شاطئ الترعه الوحيده التى تغذى أهل العزبه بالمياه لكافه الاغراض .........
يقوم على خدمه الجامع فى رفع الآذان للصلوات وإقامة كافة الشعائر التى يتولاها بحكم عمله فيه يساعده فى ذلك رجل عجوز للقيام بأعمال التنظيف وخدمه الجنائز والموتى .....
ألف الرفاعى حياته كأعمى وكان يتعيش على ما يأتيه من أهل العزبه من بعض الارغفه حيث كانت تأتى له الصغيرات بالحنانين السخنه التى ترسلها له النسوه بالعزبه بعد يوم شاق من مراحل الخبيز والذى كان يتم القيام به عقب أذان الفجر وحتى العصر وفيه تتجمع النسوه لمساعدة بعضهن البعض
وأيضا من بعض الاكلات التى كان يتناولها فى منازل اهل القريه حين كان يقوم بتلاوة أيات من القرأن الكريم فى دور العزبه بمناسبه طهور أو سبوع مولود أو على روح مرحوم ......
تأقلم مع حياته واعتاد على تجمع الصبيه والفتيات الصغيرات حوله أثناء عودته من صلاة الظهر إلى داره , كانوا يصنعون دائرة من حوله حيث تتشابك أيديهم مع بعضهم البعض فى محاولة منهم لقطع الطريق عليه وهم يتواثبون فى الهواء ويصرخون بصوت عال ... الرفاعى لعمى أهه , الرفاعى لعمى أهه .....
وكان البعض منهم يزيد فى الأذى فيقذفه بالطوب والبعض الاخر يشده من طرف جلبابه بينما هو يصرخ فيهم .....
امشى يا ولا .. امشى يا بت ..
إنت يا وله يا ابن الصرماتى ..
بس يا بت يا بنت فوزيه الدايه ...
بينما يحاول أن يصدهم بالتلويح بعصاه العوجايه التى يستخدمها فى سيره والتعرف على طريقه , لكن كل ذلك لم يكن يردعهم وهم مستمرون فى صياحهم وتهليلهم وتنطيطهم من حوله .....
لم يكن يرحمه من ذلك العذاب اليومى إلا مرور أحد رجال القريه , يقوم بضرب الاولاد وإبعادهم عن طريقه ويأتيه بالعوجايه ثم يسنده عليها ويقول له ..... روح يا شيخ , دول شوية عيال ناقصين ربايه .....
كان هذا المنظر يتكرر كثيرا فى حياة الشيخ , ألفها واعتاد عليها , وكثيرا ما كان يغضب ويثور وسرعان ما تهدأ نفسه , ويعود لمزاوله عمله والقيام برفع الاذان كأن شيئا لم يكن , وهكذا تمر الايام على الشيخ رفاعى مؤذن العزبه ..
وفى احدى ليالى الصيف وبعد صلاة العشاء , إستعد الشيخ رفاعى للخروج من المسجد والرجوع لمنزله لينام حتى يتمكن من القيام لصلاه الفجر ....
وفى هذا الوقت تناهى إلى سمعه ما كان دائما يسمعه فى هذا التوقيت من الليل صوت الجره وهى تملأء بالماء من الترعه , أدرك أنها جمالات جاءت كعادتها كل يوم لتملئ جرتها فى نفس الميعاد ...
خرج يسترق السمع أخذ ينادى ....... جمالات
..... أيوه يا شيخ رفاعى ..
..... إستنى أرجع معاك , اتسند اليك فى الطريق ....
..... طيب يا شيخ وماله ...
خرج الشيخ يستند على عوجايته بينما يمد بده الثانيه لجمالات
بدأت تسلك طريقها المعهود , لكنه قال لها ..... تعالى نمشى من شارع الزراعات من ورا دوار شيخ الغفر
إستجابت لكلامه واتخذت طريق الزراعات
أخذ فى طريقه يشرح لها عن قراءته للقرآن فى منزل الحاج فلان وكيف اكل اللحم فى فرح ابن شيخ الغفر , ويقسم لها انه أكل الكثير من اللحم وهو يصف حلاوة طعمها ....
كان الجسر مقطوعا من الماره والطريق مظلم إلا من ضوء خافت من ناحية الاراضى الزراعيه يتطلب لمن يمشى عليها تدريبا وتعودا
وفى منطقه هادئه من عواء الكلاب كان قد نوى فى نفسه الأمارة أمرا , شد يده من يدها متكئا على عوجايته , تخلف عنها خطوه واحدة , وبالعوجايه شد رجلها فتكعبلت وانزلقت رجلها , سقطت من على رأسها الزلعه وانكسرت واختلطت المياه بالارض مما زاد من وحل الارض وانطرح الشيخ فى الارض يبحث عن يدها
قاما لينتفضا ملابسهما من الطين الذى علق به وهى تقول له ... إيه اللى حصل ده يا شيخ رفاعى , وأقول لوهيب إيه ؟......
انتفضت واقفة تاركة الشيخ رفاعى مكانه , وأخذت تعدو إلى منزلها شاردة الذهن واهنة النفس حائره , بماذا ستبرر وقوع الزلعه وكسرها للريس وهيب زوجها .....
وصلت الدار وهى تتصبب عرقا وترتجف حيث كان الريس وهيب على سطح المنزل يرتاح هربا من حر حجرته , ما إن سمع مزلاج باب الدار حتى قال ...... جمالات إسقى البهايم فى الزريبه وتعالى
ردت بصوت مرتعش .... الزلعه انكسرت يا وهيب
........ طيب حصل خير , نبقى نجيب من سوق المركز واحده تانيه , إنكسرت ازاى يا جمالات ؟..
..... أصلى جيت من طريق الزراعات علشان اقصر الطريق , لكن كلب طلع عليه خلانى اتكعبلت ووقعت ....
نزل من على سطح الدار , ليجدها تنتفض وتتصبب عرقا وهى تقول له .... خلاص أنا مليش دعوه بالميه , أنا تعبت , إنت تسقى البهايم بعد كده ..
...... طيب قومى نامى .. الصباح رباح
كان الرفاعى قد وصل الى منزله وهو يتلفت من حوله والرعب ظاهر على وجهه وفى حركاته وهو يدارى ملابسه المبلله والمتسخه بطين الارض , ما إن دخل حتى غير ملابسه ودخل فى فراشه وهو مذهول من أمره وما ألت إليه حالته وهو يتمتم بصوت نادم مرتعش ... أنا عملت إيه , أنا كان جرى لى إيه , لا حول ولاقوة إلا بالله , لطفك يا رب .....
وقبل صلاة الفجر خرج لرفع الاذان وفتح المسجد وبدء المصلون فى الوصول وأخذ يعتلى بعض السلالم للاذان وإذا به يرتعد وتصيبه حمه حراريه عاليه ويغشى عليه لينقله بعض الافراد الى منزله محموما غائب عن وعيه
ظلوا معه لمساعدته حتى استرد الوعى ثم تركوه , وفى صباح اليوم التالى لم يسمع السكان آذان الفجر , سرى فى العزبه خبر موت الشيخ الرفاعى الاعمى على مدخل احدى العزب المجاوره ........
تجمع الاهالى , الكل خرج مهرولا يستكشف الامر , لماذا مات فجأة على قارعه طريق عزبه مجاوره وانتشرت الاقاويل !!..
ورسمت حكايات حول موته حتى وصل الأمر أن احد الاشخاص الذين يدعون معرفتهم ببواطن الامور قال .... الحكايه إنه سرق فلوس صندوق النذور من الجامع وكان عايز يهرب , وكثيرا من الحكايات والروايات قيلت حول موته
المفاجئ , وصل الخبر الى مسمع جمالات , هرعت لتتأكد منه , شقت الطريق وسط الناس , إشرأبت برأسها , وقع نظرها على جثته وبجواره بؤجة ملابسه
, تعجبت لكل ما يحدث وحدث معها بالأمس , على أحد بلوكات الطوب التى يضعها الناس جوار جدار البيت حتى لا تحتك بها عربات الكارو اثناء سيرها فى الازقه والحوارى , جلست تلتقط أنفاسها وكأن كابوسا جاثما على صدرها إنزاح بموته , أدركت ما عاناه الشيخ فى تلك اليله المشؤمه التى اختلطا فيها بوحل الارض فوحلت أنفسهم .... سكت صوت الشيخ الرفاعى الأعمى عن رفع الآذان إلى الابد .................................
__________________
إذا أنا لم أعط المكارم حقها

فلا عزني خال ولا ضمني أب
رد مع اقتباس