عرض مشاركة واحدة
  #101  
قديم 09/04/2009, 10h18
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
افتراضي رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

بيـن يـدى الرشيـد

@ أخيرا سيق السجناء كلهم أجمعون مكبلون فى الأغلال والسلاسل إلى حيث يقيم خليفة المسلمين فى قصر الملك فى انتظار عرضهم على مجلس القضاء ومحاكمتهم أمام الرشيد بنفسه . أدخلوا فرادى فى مجلس مهيب تصدره هارون الرشيد وإلى جواره قاضى قضاة بغداد محمد بن الحسن الشيبانى . على مقربة منهما وقف هرثمة بن أعين أحد كبار قواد الجيش ثم جلاد الرشيد مسرور الفرغانى ممتشقا سيفه البتار متأهبا لقطف تلك الرؤوس بإشارة من أمير المؤمنين ..
كانت محاكمة الواحد منهم لا تستغرق أكثر من سؤال واحد يوجهه له أمير المؤمنين يقتاده , بعدها الجلاد إلى غرفة مجاورة وإن هى إلا لحظات حتى تكون رأسه بين السيف والنطع . كانت أصوات الرؤوس وهى ترتطم بالأرض تصل إلى أسماع السجناء فتزيدهم رعبا وهلعا , وهم يجلسون القرفصاء فى بهو ممتد خارج قاعة الحكم , كل واحد منهم فى انتظار دوره ليلقى حتفه ومصيره المحتوم . مع تتابع الساعات أخذوا يتناقصون واحدا بعد الآخر حتى لم يعد باقيا منهم على قيد الحياة إلا الشافعى وغلاما صغيرا من المدينه لم يتجاوز بعد السادسة عشر من عمره . أمر الرشيد أن يدخلوا عليه الغلام ويستبقوا الشافعى إلى أن ينتهى من محاكمة كل المتمردين , كما سبق أن وعد وزيره الفضل بن الربيع ..
كان الرشيد يبدو على غير عادته عابسا حزينا مهموما لما جاءه الخبر منذ أيام أن "أحمد" أكبر أبنائه خرج فجأة هائما على وجهه تاركا قصور أبيه , زاهدا عن كل ما فيها من ترف وأبهة ونعيم مقيم سائحا فى بلاد الله الواسعه . وعلم من بعض رجاله أنه يعمل أجيرا عند الناس بيده ليعول نفسه ويأكل من كسبه , وأنه يرتدى ثيابا حقيرة خشنة كسائر الدهماء والسوقه ..
@ وانتهت المحاكمة الرهيبة كما سنعرف أحداثها لاحقا ببراءة القاضى الشافعى مما نسب إليه ونجاته من القتل , وعودته إلى مكة للقاء الأهل والأحباب بعد فراق دام أكثر من سبعة أشهر , قضى منها شهران فى رحلة العذاب من اليمن إلى بغداد إلى الرقه . وكان خاله "على" قد سبقه إلى مكه بعد أن التقى به فى العراق عقيب محاكمته . مكث معه أياما قليلة إطمأن خلالها عليه بعد أن تأكد من نجاته من سيف الجلاد , ثم قفل راجعا من حيث أتى ليطمئن بدوره أمه وزوجته وباقى أهله عليه . وقبل أن يفارق أرض العراق قال له الشافعى مودعا ........
ــ يعلم الله يا خال , كم بى من الحنين والشوق للقاء الأهل جميعا . كم أوحشتنى أمى وامرأتى العثمانيه وولدى محمد وابنتى زينب وأخوالى جميعا وشيوخ مكة وأهلها . غير أنى مضطر للبقاء بعض الوقت فى العراق إستجابة لرغبة أمير المؤمنين . وفى الحقيقة وجدتها فرصة أنقل إلى جعبتى وأجعل فى حوزتى ما دونه محمد بن الحسن الشيبانى من فقه شيخه أبى حنيفه . إننى فى حاجة يا خال إلى التعرف على فقه هذا البلد ودراسته دراسة متأنية واعيه , إنه الفقه الموروث عن الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود ..
رد عليه خاله يائسا وهو يعلم مسبقا صلابة رأيه أمام قضية العلم ..............
ــ هون عليك يا أبا عبد الله , لقد جمعت فى صدرك علوما جمه ما أظن أحدا سبقك إليها . أرى أنك تحمل نفسك فوق طوق البشر فلم كل هذا التعب والنصب ؟!.
ــ لا يا خال , ما جمعته من علوم إنما هو قطرة فى بحر خضم لا ساحل له . لا يزال أمامى الكثير مما لم أحصله بعد . إن الله تعالى لم يأمرنا بطلب الزيادة من شئ إلا من العلم ... "وقل رب زدنى علما" , يا خال , العلم حر وطالبه عبد , فإن خدم العلم قبله وإن تجبر عليه فالعلم أولى أن يتجبر عليه . لقد قررت أمرا ستعرفه إن شاء الله عندما أرجع إلى مكه وآخذ مكانى فى فناء زمزم . هذا الأمر يا خال لن يتحقق لى إلا إذا جمعت فى قبضتى هاتين فقه أهل الرأى بالعراق وأجلس إلى فقهائها العظام محمد بن الحسن والحسن بن زياد ووكيع بن الجراح وعبد الوهاب الثقفى , كما جمعت فقه أهل الحديث فى الحجاز ..
أنهى خاله الكلام معه قائلا له وهو يعانقه مودعا ............
ــ على بركة الله يا ابن شقيقتى , أتمنى ألا يطول بك المقام هنا وأن ترجع إلينا فى القريب إن شاء الله وقد ارتويت من علم العراق . أستودعك الله يا ابن إدريس إلى لقاء قريب ..
@ كان مجئ خاله إليه ولقائه به حافزا له على البقاء مطمئنا فى العراق فترة من الزمن بعد أن طمأنه على أهله جميعا وأنهم بخير حال . وفى ذات الوقت وجد من ينقل أخبار نجاته إلى أهله ويطمئنهم عليه ..
تلك كانت مشكلة ظلت تؤرق الشافعى أياما بعد أن أمره الرشيد بعدم مغادرة العراق إلا بإذنه . مع أن هذه كانت رغبة الشافعى وأمنيته أن يمكث فى العراق زمنا إلا أن لهفته على أهله جميعا كانت أكبر من هـواه ..
مكث الشافعى الشهور الباقية يتعرف على علوم أهل العراق ويشد شراع مركبه فى بحر محيطات علومهم وقراءة كتبهم التى وضعوا فيها فكر إمامهم الأكبر أبى حنيفة النعمان بن ثابت . كانت فرصة ثمينة هيأتها له الأقدار ليضيف إلى رصيده الفقهى علوما أخرى جديده ومعارف كانت غريبة عنه ..
ذلك لأن العراق اشتهرت بلون خاص من الفقه يعتمد على ما يسمى بالرأى والقياس أكثر من اعتماده على الحديث كما هو الحال فى الحجاز . بهذا الرصيد الهائل الذى لم يجتمع لأحد قبله بدأ الشافعى يختمر فى ذهنه أول كتبه فى الأصول , ويضع القواعد وهو فى ضيافة صاحبيه الإمام محمد بن الحسن قاضى بغداد وصديقه الفضل بن الربيع , ويخط بقلمه الردود القاطعة على ما قرأه من آراء فى الأيام السابقة فى كتب العراقيين ..
ولنترك الشافعى يحكى لنا بنفسه أخبار محنته وكيف تمت محاكمته . كيف أمضى هذه الأشهر فى العراق والتى تعتبر من أهم الأيام فى عمره وفى رحلته العلميه ..

************

تم بعون الله

الفصل الثالث

يتبعه إن شاء الله

الفصل الرابع
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 19/05/2011 الساعة 17h23
رد مع اقتباس