عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 18/03/2009, 22h41
الصورة الرمزية رايا
رايا رايا غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:29419
 
تاريخ التسجيل: May 2007
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 90
افتراضي رد: أخطر اعترافات ليلي مراد

شكرا يا استاذ منير
حوار ممتع
افلام ليلى مراد تمثل اهم افلام كلاسكية وغنائية فى تاريخ السينما
فنانة احترمت فنها واعتزلت مبكرا لتبقى سندريلا الاربعينات والقيثارة فى عيون معجبيها

دا جزء نشر فى جريدة السياسى الاكترونى من مذكرات الكاتب صالح مرسى عن ليلى مراد........يقول

يتحدث عن لقائه بها ويسرد جزء من طفولتها

كأنها على الشاشة ، لم يكن هناك فرق يذكر بين هذه السيدة الجالسة أمامى في مقعد سيارتها الخلفي ، وبين تلك الفتاة الرقيقة العذبة التي واكبت العمر كله ... كانت هي ليلاى ، بابتسامتها الحزينة الغامضة كانت ، بعينيها الباحثتين عن الحقيقة في وجهي ، لا شيء تغير رغم مرور الأعوام .... فقط ، قليل من الامتلاء ... وحفيف الزمن كالنسيم فوق التقاطيع المتناسقة ، كأنه يخشى على الوجه الجميل من أثاره ...
بهذه الكلمات الرقيقة العذبة النابضة بالوجع يقدم صالح مرسي ذكريات الفنانة الكبيرة ليلى مراد ، الصادرة عن دار الهلال في كتابها الشهري عام 1995، بعنوان " ليلى مراد " ، حيث يسرد قصتها على لسانها ، ويحكي لنا ملابسات مقابلته مع الفنانة العظيمة وكيف كانت سمحة الخلق ، مرهفة المشاعر ، تنساب الكلمات على شفتيها كسلاسل الذهب ، وتترقرق العيون بماء الفضة وهي تتذكر أدق تفاصيل حياتها ، الأمر الذي دفع بقلم الكاتب المتمرس صالح مرسي لتدوين هذه التفاصيل ورسم هذه اللحظات بروح مازالت ترتعش بالحياة ، يقول :
ثمة حزن دفين يطل من العينين ، حزن غامض , حزن تغسله الابتسامة التي تسللت إلى الملامح وهى تميل نحوى متسائلة : " قلت لي اسم حضرتك إيه " ؟ !
ما أن ذكرت لها اسمي مرة أخرى حتى اتسعت الابتسامة ، فوق تل من الدهشة حمل إليّ الصوت العذب سؤالا : " أنت اللي بتكتب في صباح الخير " ؟ !
وتنفست الصعداء ، وعندما جاءها الجواب تنفست هي الأخرى الصعداء ، مدت يدها إلى مقبض الباب فأفسحت لها الطريق ، هبطت من السيارة وهى تطلب من السائق أن ينتظر ، سارت بى إلى الحديقة .... جلست فجلست قبالتها ، ها أنا ذا مع الخضرة والماء والوجه الحسن ، في رقة تذيب الصخر ، قالت : " قول لي بقى يا أستاذ ... أنت عاوز إيه بالضبط " ؟ !
فأجبت : عايز أكتب قصة حياتك . ولقد استغرق ما أردته عاما كاملا !! والبداية من الطفولة حيث وجدت ليلي نفسها طفلة تنمو في بيت يسهر فيه كل ليلة مجموعة من شباب الفن ؛ رياض السنباطي ، سيد شطا ، داود حسنى ، زكريا أحمد ، وفى بعض الأحيان كان يأتي حبيبها ومشوقها وحلم أحلامها جميعا ، مطرب شاب خلب الألباب اسمه محمد عبد الوهاب ! . وعندما التحقت بمدرسة " سانت آن " ومن بعدها مدرسة " نوتردام دى زابوتر " لم يكن يشجيها سوى تلك التراتيل في الكنيسة كل صباح ، عندما ينداح صوتها مع زميلاتها منشدات تلك الأناشيد الدينية ، هنا وسط الفتيات من البنات الأكابر والأغنياء والبكوات والباشوات والعز والفخفخة . كانت أحلامها التي بترت ذات يوم في قسوة ، عندما عجز الأب عن دفع المصروفات فتوقفت عن الذهاب إلى المدرسة ! وعندما انقطعت عن المدرسة كان لابد لها من الالتحاق بمدرسة أخرى.. مدرسة من نوع آخر ، مدرسة تدر دخلا ... التحقت ليلى مراد وهى لم تتعد العاشرة من عمرها بمدرسة للتطريز ، وبعد انتهاء شهور الدراسة وقد أتقنت فنون التطريز ، أصبحت لها يومية مقدارها سبعة قروش !!
أصبحت ليلى، وهى في هذه السن ، العائل الوحيد للأسرة ، حتى عندما عاد والدها زكى مراد من أمريكا كانت الدنيا قد تغيرت خاصة في عالم الموسيقي والغناء ، اختفى المسرح الغنائي وسادت الأغنية الفردية ، عاد زكى يجتمع مع شلة الأصدقاء من الملحنين الأفذاذ الذين كانوا لا يزالون في أول الطريق ، والتاريخ هو عام 1932، وبعدما أكل الجميع وشربوا ، وعزفوا وغنوا ، وأوغل الليل ولا أحد يدري من الذي صاح طالبا من ليلى أن تغني . ودوناً عن أفراد العائلة كلها ، كانت ليلى هي شغل أبيها الشاغل منذ عودته من الخارج ، كانت طفلة ضعيفة ، هزيلة الجسد ، نحيلة القوام ، تكره الطعام ، حتى لقد ظن الأب أن بها مرضاً، ولقد كان زكي مراد على استعداد لأن يسمع أي نبأ إلا أن يسمع أن ابنته هذه تغني ، كان على استعداد لأن يصدق أي شيء إلا أن هذه " المفعوصة " تغني ... حملوها في تلك الليلة المجهولة وأوقفوها فوق إحدى الموائد ، وأمسك أحمد سبيع بالعود وسألها : حا تغني إيه يا ليلى ؟
وغنت ليلى .. كانت أغنيتها الأولى أمام جمهورها هذا الصغير ، هي " يا جارة الوادي " . لم تكن تحلم أو يخطر لها على بال أن هذه الليلة سوف تقودها إلى مجد عظيم .
ويواصل مرسي حديثه عن ذكريات ليلى مراد فيقول : بالرغم من إحساسها بالمسئولية تجاه الكبير والصغير فإنها تشعر في أعماقها بأنها تنتمي إلى هذا العالم الآخر ، عالم الراهبات في مدرسة " نوتردام دي زابوتر " حيث زميلاتها وصديقاتها من طبقة تحمل ألقاباً طنانة ، وتحمل مع الألقاب أموالاً بلا حصر ، وتحيا بعيداً عن تلك الموجات المتعاقبة من الفقر والغنى ، وتروح وتجيء على البيت بلا ضابط وعلى غير انتظار . غير أن ارتباطها بالراهبات ازداد عندما انحسرت موجة الغناء نهائياً ، وطغت موجة الفقر ، فكانت عندما عادت إلى البيت في يوم السبت المقدس هذا حيث تجتمع العائلة كلها لا ينقصها فرد من أفرادها ، تكتشف أن ثمة شيئاً في البيت قد اختفى ، ورغم الأثاث البسيط الذي انتقلت به العائلة من العباسية إلى السكاكيني أولاً ، ورغم أن المسكن الجديد لم يكن يتعدى ثلاث غرف فإن الأثاث كان يختفي ، وكانت هي تسأل فلا تجد سوى همهمات أو إجابات مبهمة . لكنها كانت تعرف وتكتم أنها تعرف .
إذا كان مراد ـ الأخ الأكبر ـ قد استقل عن العائلة ووجد عملاً وسكن بيتاً مستقلاً ، فإن عليها ـ بدورها ـ أن ترفع عن العائلة عبء طعامها على الأقل . ولقد انتهى عهدها بالمدرسة إلى الأبد واستنفدت كل الحجج ـ من المرض إلى السفر ثم إلى الزواج من ابن عمٍ لها ـ حتى تقنع الراهبات اللاتي كن يسعين إلى البيت للسؤال عنها ، بأن حياتها قد أخذت مسارها الطبيعي ، كما استنفدت الراهبات كل الأساليب لإعادة هذه الصبية ذات الصوت العذب الذي كان يترنم بالأناشيد في الكنيسة في كل صباح ، انتهى عهدها بالمدرسة وبدأت تبحث عن مهنة تتعلمها ، أي مهنة إلا أن تصبح مطربة .
ووجدت ليلى الحل في مدرسة للتطريز ، أكبت على أشغال الإبرة بلا كلل ، لم يكن هدفها هو القروش السبعة التي تتقاضاها وإنما وجدت في أشغال الإبرة بحراً يقودها ذات يوم إلى شاطئ المجتمع الذي عاشته يوماً في مدرسة نوتردام دي زابور ، ففي بعض أشغال الإبرة ما لا يمكن أن يقتنيه إلا أصحاب القصور والألوف . في البداية كان الأمر صعباً للغاية ، كان زكي مراد فناناً له اسم يدوي مثل الطبل قبل سنوات قليلة ، وكان انتماء فتاته إلى هذه المدرسة التي تعطي أجوراً لبناتها أمراً يحز في نفسه ، وكان استمراره في السكاكيني قد أصبح محالاً بعد أن تراكم أجر البيت وانقطع النور ، فجمع أثاث البيت ذات يوم وهاجر من السكاكيني إلى حدائق القبة .
لقاء ليلى مراد بعبد الوهاب وحبها له
وفي حدائق القبة بدأت الأمور تستقر بعض الشيء ، لم يعد في البيت من الأولاد سوى إبراهيم وملك ومنير وسميحة بعد رحيل مراد ، وكانت ليلى تنكب على الماكينة طوال اليوم ، غير أن أهم ما تذكره ليلى زكي مراد في شقة حدائق القبة ، على الإطلاق ، هو أنها الشقة التي شاهدت فيها محمد عبد الوهاب معشوقها وفتى أحلامها ، وفنانها المفضل ـ حتى آخر يوم في حياتها ـ ولأول مرة ! فعندما جاء عبد الوهاب لم يكن وحده ، كان معه الدكتور بيضا وإيزابيل بيضا ، وكان الثلاثة هم أصحاب شركة " بيضافون " ، ودخلت ليلى تتعثر في خطاها ، فتاة صغيرة نحيلة نحيفة ، بلا صدر ولا ظهر ، من يراها يحسب أنها لم تعرف للطعام مذاقاً ، نظر إليها المطرب الشاب وسألها : تحبي تغني إيه يا ليلى ؟ تمنت لو أنه ظل يتحدث إلى الأبد ، جاءها صوته كأنه تغريد بلبل على غصن شجرة .
أغني : " ياما بنيت قصر الأماني " .
وارتفع حاجبا عبد الوهاب دهشة ، لقد اختارت الدور الصعب : كده مرة واحدة ؟!
أيوه يا أستاذ !
وحتى إذا ما انتهت سمعت صوته آتياً من بعيد ، كأنه يأتيها من عالمها هذه المرة : يا أستاذ زكي ، إنت إزاي مخبّي ليلى عننا الوقت ده كله ؟!
ولا تدري ليلى ما الذي حدث بعد ذلك بالتحديد ، لا تفاصيل ولا أحداث ، غمرتها الأيام بطوفان من العمل فحملتها حملاً إلى حيث رسم لها زكي مراد طريقها : " الأستاذ عبد الوهاب مبسوط منك قوي يا ليلى " ولم ترد عليه ، خفق قلبها لأن المبسوط ـ فقط ـ هو عبد الوهاب ، " إحنا حانبدأ من بكره يا بنتي ، حاتحفظي الأدوار القديمة كلها " .
كان رياض السنباطي فناناً لامع الموهبة ، التقطه زكي مراد بكل خبرته وتجربته وعهد إليه بأغنية يلحنها لابنته ، وقدر للسنباطي أن يكون أول ملحن يضع لحناً خصيصاً لليلى مراد ، وقدر ليلى أن تغني ، أول ما تغني ، أغنية من تلحين السنباطي ، كان مطلع الأغنية يقول : " آه من الغرام والحب آه " . خلف الستار دفعوها دفعاً فسارت كالمنومة ، نظرت حولها تبحث عن أبيها فلم تجده ، كان قد اختفى . رياض السنباطي يقف وسط العازفين وقد تهدلت ملامحه وملابسه ، فليس الامتحان الليلة ككل امتحان ، وقد امتلأ المسرح بالنقاد والفنانين والصحفيين وأصحاب الأسماء الرنانة في عصر كان فيه للاسم معنى يفوق التصور .
بعد خمس سنوات تقريباً من تلك الليلة التي غنت فيها ليلى مراد في مسرح رمسيس لأول مرة في حياتها ، وقع معها محمد عبد الوهاب عقداً لتلعب دور البطولة في فيلم " يحيا الحب " ، كما وفى بوعده ووقع معها عقداً بعشر أسطوانات في مقابل 30 جنيهاً للأسطوانة ، وباتت ليلى أسعد ليالي عمرها على الإطلاق ، لكنها لم تكن تعلم ما يخبئه لها الغد ، لم تكن تعرف أحداً باسم محمد كريم ، ولم تكن تعرف من هو المخرج ، ولم تكن تدري أن المخرج محمد كريم سوف يرفض بإصرار أن تلعب ليلى دور البطولة .
في الموسكي في مكتب شركة أفلام بيضا ، كان عبد الوهاب هناك ، يدق القلب بعنف ، وتهرب الدماء من وجنتيها ، وفي أعمق أعماقها سؤال : هل يقدر لهذا الشاب أن يحبها يوماً كما تحبه ؟! . جلست ليلى أمام عبد الوهاب وأمام آل بيضا صامتة ، لم تكن آتية لتغني ، بل جاءت مع أبيها من أجل شيء آخر ، شيء عرفته في نفس تلك اللحظة ، لقد جاءوا بها لكي يراها المخرج . كان محمد كريم ـ منذ اللقاء الأول ـ غير راضٍ ، فبعد لحظات هز رأسه وقال كلمة واحدة : لا .
هكذا حكم عليها محمد كريم بالإعدام في لحظة ، وهكذا سقط قلب ليلى مراد بين ضلوعها ، وهكذا ازداد صمت محمد عبد الوهاب دون أن تختفي ابتسامته الساحرة ، كان كريم يراها ضعيفة ، ضئيلة ، غير مقنعة ، وبدأت معركة حامية الوطيس كانت كل أسلحة عبد الوهاب فيها كلمة أو كلمتين كل خمس دقائق ، وكانت كلمات كريم مثل قنابل تنفجر : إن ليلى لا تصلح للدور ، إلا أن عبد الوهاب لم يتراجع وظل على موقفه هادئاً ، يقول كلمة أو كلمتين ويترك المجال لمحمد كريم لكي يقول ما يريد ، وغرقت ليلى لأذنيها في المخاوف والأحلام حتى أفاقت على عبد الوهاب وهو يبتسم لها قائلاً : " مبروك يا مدموازيل ليلى ، وإن شاء الله حاننجح نجاح عظيم " . وخرجت ليلى على موعد مع عبد الوهاب ، لكي تحفظ أغاني الفيلم الجديد .
لقد أحبت ليلى مراد في حياتها كثيراً ، لكنها لم تحب رجلاً مثلما أحبت عبد الوهاب ، صنعت أو كانت صدفة بالفعل ، وأصبحا وحدهما : " اسمع يا أستاذ ... أنا عاوزه أقول لك على حاجة " . فوجئ عبد الوهاب بالحديث فالتفت إليها في بطء ، كان يرتدي البدلة والطربوش ، كان أنيقاً وجميلاً ، التفت نحوها وابتسم ، وانفجر غيظها منه القنبلة : " أنا بحبك ، بحبك قوي قوي " . والغريب أنه لم ينطق ، لم يفه بكلمة ، ولم تغرب ابتسامته ، ولا اعترى هدوءه ، أقل تغيير .
ارتجف صوتها وهي تكاد تتوسل : " معناها إيه الضحكة دي ... أنا بحبك " ، بالحرف هذا ما قالته ليلى ، فاختفت ضحكة عبد الوهاب ، وسدد إليها عينيه في غضب ، وجاء صوته صارماً وهو يقول : " أنا أفهم إن دي قلة أدب ، إزاي تتجرئي وتقولي لي كده ؟ " . نهضت ليلى وهي تترنح بالفعل كانت تعلم أن عليها أن تصور مناظر أغنية " ياما أرق النسيم " عصر ذلك اليوم ، صعدت إلى غرفتها بالفندق وقلبها ينزف ، دخلت الغرفة وأغلقت الباب وانخرطت في البكاء .
مع يوسف وهبى
كانت ليلى قد خطت في الطريق خطوات ، هي تترك كل شيء لزكي مراد ليدير الأمر والعقود ويسعى ويناقش ويرفع الجر ، وفي بضع سنوات ارتفع أجر الأسطوانة من 30 جنيه إلى ألف جنيه مرة واحدة ، وكان الفيلم الأول الذي عرضه عليها توجو مزراحي هو فيلم " ليلة ممطرة " أمام يوسف وهبي ، دخلت الاستوديو في اليوم الأول لتقف أمام يوسف وهبي وهي تعلم أنها ليست روز اليوسف و فاطمة رشدي ولا أمينة رزق ، دخلت متعثرة ، لكن يوسف سرعان ما احتواها بصوته العريض وابتسامته وقامته الفارهة ، وهمسه الفرنسي بتلك اللكنة الشديدة الدقة يتسرب إلى أذنيها كالمخدر . لكن لم تحب ليلى يوسف وهبي أبداً ، لم تقع في حبه ، ولقد كادت تقع في حب ممثل آخر اسمه فاخر فاخر ، كان من تلاميذ يوسف وهبي ، وكان ممثلاً عبقرياً وعظيماً ومعروفاً ، وكان شديد الجمال ، شديد الجاذبية ، لكنها كانت قد تعلمت من درسها الأول مع عبد الوهاب ، وتعلمت درساً آخر من يوسف وهبي وهو أن على الفنان أن يحترم نفسه حتى يحترمه الناس ، فقررت أن تخلع الفستان الأسود وخرجت من الأستوديو تحمل نفساً أخرى وقلباً آخر ، وذهبت إلى الخياطة وطلبت فستاناً أبيض اللون .
ماتت الست جميلة ، وتركت ليلى لتواجه مسئولية العائلة كاملة ، هي كل شيء في البيت هي المسئولة عن الكبار والصغار معاً ، حتى الأب قد تقاعد تماماً وأصبح حتى لا يصاحبها إلى الاستوديو والحفلات ، تحولت ليلى إلى أب وأم لكل فرد في الأسرة الكبيرة ... ومرت أيام الحزن ، وغرقت ليلى في العمل والحب معاً ، أكملت فيلم " ليلى " وليس لها سوى حبيبها الأرستقراطي الذي كان يعمل في الخارجية ، والتي أحبته في الإسكندرية ، ثم نوال صديقة العمر ، وشقيقتها ملك ، وأبلة بثينة .. شخصيات أخذت على عاتقها أن تقف بجوار النجمة التي كانت قد أصبحت ذائعة الصيت ، وكان حبها قد ذاع أمره ، ولم يعد الحبيب الدبلوماسي يخفي على عائلته الأرستقراطية ذلك الغرام المشبوب ، وشهدت مناطق القاهرة الخلوية تلك النزهات بالسيارة حيث كانت ليلى تفعل ما تفعله في الأفلام تماماً ، ولم يكن هناك ما يمنع من إتمام الزواج من ابن العز والحسب والنسب والأصل ، من نجمة طبقت شهرتها ـ لا مصر وحدها ـ بل العالم العربي كله ، وصدر قرار العائلة بالموافقة ، وأعلنت الأم رضاها بشرط واحد ، أن تعتزل ليلى الفن نهائياً . ولقد مات الرجل أعزب .. دون زواج .
قصتها مع انور وجدى
دخل أنور وجدي حياة ليلى مراد فصنع معها قصة من أشهر قصص الحب التي عرفتها مصر في النصف الأول من القرن العشرين ، ولقد كانت قصص الحب في ذلك الزمان تملأ الآذان وأعمدة الجرائد والمجلات ، كانت قصصاً عنيفة وصل بعضها إلى حد إطلاق الرصاص ومحاولات الانتحار ، وانتزع أنور ليلى من الفراغ الذي كانت تعيشه ـ رغم أنها كانت تلتقي بالملك فاروق كل يوم ـ ليملأ حياتها تماماً ، ولتبدأ قصة من أغرب وأعذب قصص الحب في ذلك الزمان . وهكذا كانت ليلى حين التقت بأنور وجدي ، كانت قد أصبحت واحدة من شلة الملك فاروق المفضلة ، وكان الملك قد أصبح صديقها ، لم تقع في حبه ، لأنها دائماً تعرف من يكون ومن تكون ، ولأن الحب لم يعد يبهرها ، لم يعد شيئاً يخفق له قلبها وتلتهب من أجله عواطفها نوعاً من التسلية ، وتربت على ترويض الرجال أياً كان وأياً كانت أسماؤهم أو مراكزهم ، بل أصبح الحب ، لكثرة ما عرضت عليها القلوب ، شيئاً يبعث على السأم .

الملك فاروق
أما عن علاقتها بالملك فاروق فيذكر لنا صالح مرسي بعض التفاصيل الصغيرة التي كانت توضح أن ليلى مراد كانت واحدة من شلة الملك وأصدقائه فيقول :
كانت تعرف من هو فاروق ، وكانت تعلم علاقات فاروق في تلك الأيام أثناء الحرب العالمية الثانية ، وقد اجتاحتها الفرحة وهي تبدل ملابسها استعداداً للقاء رجلي القصر في بهو الفندق ، وهبطت السلم إلى البهو في بطء وهدوء لتلتقي بالدكتور يوسف رشاد وبوللي .. وكان الاثنان يطلبان منها ـ باسم الملك ـ أن تحيي حفلاً في سراي رأس التين بعد بضعة أيام . قالا لها : " بلاش فرقة ، مولانا عاوز يسمعك لوحدك " . وأصبح لقاؤها بالملك كل ليلة تقريباً ، برنامجاً يومياً ، كانت تسهر معهم حتى مشارف الفجر ، وما أن تعود إلى غرفتها حتى يدق التليفون ، ويأتيها صوت أحمد حسنين عبر الأسلاك ، ليبدأ معها حديثاً يستمر حتى مطلع النهار ، التقت ليلى بأنور وجدي وقد أصبح أحمد حسنين صديقاً حميماً ومنافساً خطيراً لفاروق ، التقت بهذا الشاب ، وقد خبت أحلامها في الحب تماماً ، وقد تحولت إلى واقع شديد الوضوح ، فهل كان هذا كله ، تمهيداً لن تقع ليلى ـ لأول مرة ـ في حب واعٍ واقعي ؟
اسلامها
أما عن إعلان إسلامها ، تقول ليلي مراد إنها في أحد أيام رمضان سمعت صوت أذان الفجر ، فأحست بشيء غامض يخترق كيانها ، فأيقظت أنور وجدي وسألها ماذا بك ، فأجابته : سامع الأذان ، فقال لها وفيها إيه حنا كل يوم بنسمع الأذان ، فردت وهي كالمسحورة ، لا النهارده له طعم مختلف ، أنا عايزة أعلن إسلامي ، اندهش أنور وجدي وطلب منها التفكير والتروي ، ولكنها أصرت أن تذهب حالا إلي الأزهر لتعلن إسلامها ، وطلب منها وجدي التمهل حتي الصباح ، فظللت مستيقظة تنتظر شروق الشمس حتي ذهبت مع أنور وجدي وأعلنت إسلامها ونطقت بالشهادتين .
طلاقها من انور وجدى
ما أن مضت بضعة أيام حتى كانت قصة الحب بين أنور وليلى قد أصبحت حديث الوسط الفني كله ، ولقد أحدث زواج ليلى من أنور في تلك الأيام ضجة في مصر ، رحبت به الصحف ونسجت حوله الحكايات .. ولكن ما أن مضت شهور حتى بدأت الخلافات بين أنور وليلى ، ولكنها لم تكن خلافات عاطفية ، كان أنور إعصاراً في معاملته المادية ، لم يكن بخيلاً أبداً ولكنه كان تاجراً وعندما أراد أن يعطيها أجراً قليلاً تشاجرا معاً ، وقد كان هذا محتملاً ، لكنه لم يكن كذلك إذا ما جاء لليلى عرض من منتج آخر ، هنا كانت الحياة تتحول إلى جحيم ، إلى أن كان يوم جاءها فيه أحمد سالم ليعرض عليها بطولة فيلم " الماضي المجهول " ، ووقعت ليلى معه العقد ، دبت الخلافات بينها وبين أنور وجدي منذ تلك اللحظة .
ليس الأمر نكتة ، فعندما استيقظت ذات يوم من النوم واستعدت لمغادرة البيت لتصوير بعض المشاهد لفيلم من أفلامها ، وجدت البيت كأنه مقبل على معركة ، كان صوت أنور يتصاعد من المطبخ صارخاً لاعناً ، وكان صوت الأطباق والحلل يتطاير بين الحين والحين ، ووجدت ليلى محمد بكار في صالون البيت فسألته عن سر ثورة أنور ، فأخبرها أنه يطبخ طبخة دمشقية من التي يحبها ، وعادت ليلى تسأل عن السبب في هذه الثورة ، فجاءها صوت أنور من خلفها صائحاً : " البيت ما فيهوش كمون يا ست هانم " .
التفتت إليه ليلى هادئة ، كانت تعلم علم اليقين أن الكمون ليس سبباً للثورة ، قالت " طب وإيه يعني يا أنور ، نبعت نشتري " .
وصرخ أنور : " وإيه يعني .. طب .. إنتي طالق يا ليلى " .
وبهدوء شديد رحلت ليلى من بيت الزوجية إلى فندق سميراميس لتعيش فيه ، وأصبحت في ذلك اليوم مطلقة لأول مرة في حياتها ، وفي اليوم نفسه أرسل أنور ورقة الطلاق ، وفي اليوم نفسه أرسل يستدعي إبراهيم ومنير مراد وظل طوال الليل يتحدث عنها ، ولقد عادت إليه ، فلم يكن من السهل أبداً أن يفترقا ، كانا يبدوان وكأن حياتهما ـ حتى الفنية ـ يمكن أن تستمر وهما منفصلان .
لكن الغيرة تسللت بينهما ، فما زالت ليلى تحمل لعبد الوهاب ذلك العطر القديم الذي عبق حياتها في مطلع الشباب ، ولم يكن أنور مغفلاً أو أبله ولابد أنه استشعر ذلك الميل الغامض الذي تكنه ليلى لعبد الوهاب . وإذا كان هو يغار عليها فمن حقها هي أيضاً أن تبحث خلفه ، وإذا كانت الأنثى تستطيع أن تشم رائحة امرأة أخرى على بعد أميال فإن ليلى مراد تعرف كيف تكشف الأمر برمته في صمت وبهدوء وصبر طويل ، وقد حدث .
كانت قد سئمت الفن وسئمت الإحساس بالمسئولية ، كانت تتوق لن تصبح زوجة وأماً ، وقد أصبحت زوجة وأماً ، وعادت من جديد تحمل مسئولية العائلة ، ولقد مضى منذ ذلك اليوم الذي افترقت فيه عن أنور وجدي ذات صباح باكر في إحدى شقق عمارة الأيموبيليا قرابة عشرين عاماً ، لكن الغريب في الأمر أن القصة بقيت ، ظلت تعيش رغم الطلاق والموت .
رد مع اقتباس