عرض مشاركة واحدة
  #127  
قديم 14/03/2009, 23h04
الصورة الرمزية عيون المها
عيون المها عيون المها غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:324769
 
تاريخ التسجيل: October 2008
الجنسية: مصرية
الإقامة: مدينـة الأحـلام
المشاركات: 144
افتراضي رد: قطرات من مداد قلم الشاعر السمعجي كمال عبد الرحمن

رد الأستاذ كمال على الدكتور ثروت
من موضوع

( العذاب في الأغنية الشرقية )

من قسم دعوة موسيقية على أغنية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أستاذي العزيز الدكتور ثروت ،،،


كعادتكم ، تطرحون موضوعاتٍ ثرية و جديرة بالنقاش ،،
فاسمح لي أن أوجـِزَ وجهة نظري في نِقاطٍ موجزة ،
تفتقدُ إلى التأطير و الإحاطة و اتساع التناول ،،


آملاً أن يتناول أعضاء المنتدى الأفاضل ،
كافة أوجهِ الموضوع ،،
فالطرح له أبعاد إجتماعية و نفسية و سياسية و تاريخية ،،


العذاب في فن الغناء الشرقي ( تحديداً العاطفي / العربي )
هو حالة حاضرة بقوة في مشهد الأغنية
( زمنياً ، في مرحلة الغناء الأصيل )


ـ طرحكم يا سيدي ،، يحتملُ تناوله في ( دراسة مُوَسَّعة ) ،
فالعذاب و اللوعة و الشجن ، سِمَة ٌ أساسية في جًلّ أغنياتنا ، ومعاني راسخة تلقي الكلماتُ ظلالـَها على العمل الغنائي ككل


ـ إذا تناولنا الأمر من منظور ( إجتماعي ) ،، فالمراة ( الأنثى ) التي تمثل الموضوع الرئيسي في الأغنية ،، كانت ( عَزيزةً و مُفتـَقدة ) ،،
مختبئةً وراء جدران سميكة ، من العادات و التقاليد التي تحجبها عن الرجل ،،
و لم تكن ( في الفترة المشار إليها ، و المُعَوّلُ عليها في أصيل الغناء ) قد انكشفت بهذا الزخم العصري بَعدُ !


ـ نفسياً ،، قد يتوائم مفهوم ( الإعلاء و الإسقاط )
على المعاني التي تدور في فضاءها الأغاني ،،
إسقاط دافع الرغبة ، و إعلاء(الضمير ) ليكون
حباً و عِشقاً ،،
فالحرمان العاطفي / الجنسي هو ( كلمة السر المسمومة ) ،
التي لا تشجع الباحثين على الإقتراب منها

أما الشبع العاطفي في الغرب ،، و اختلاف السلوك ،،
و إتاحة العلاقات ، جعل لأغانيهم زخماً آخر ،
و فضاءاتٍ أكثر رحابة



ـ هناك قوة دَفع ( حُزنية ) قديمة رسخت في أشعارنا منذ الجاهلية ،، و جعلت من ( تابو ) الأنثى ، مناحة ً لا تنقطع حتى يومنا هذا ،، و لم يبرز مشهد ( الحب المتكافيء ،، المتفائل ،، المبتهج )
إلا قليلاً ، فالمَيلُ للمأساوية هو السائد
منذ عبلة و ليلى و بثينة إلخ




ـ إذا كانتالأفلاطونية ( التي أشار إليها أستاذنا الآلاتي )
مرحلة مؤقتة يمر بها الإنسان ،،
فهى مستدامة في أغانينا ،،

نستلذ بمعانيها ، و نجلدُ بها قلوبنا و ضمائرنا ،،
كأنها حالة ( مازوكية ) غنائية جماعية ،،
بها ، تـَشـَكـَّل وجداننا و انطبع بها ،، فأصبحت الأغنية تعبر ( في أغلبها ) عن انكسار و انسحاق و انهيار و لوعة العاشق المتيم الهائم المظلوم إلخ



ـ عن تـَشـَكـُّل ِ الوجدان ، و تطبعه بهذا الطابع
( السنتمنتالي ) المُغرِق في العواطف ،
فالأغنية كانت بمثابة إعلان واضح للمستمع ( الغـَرير )
بأن الحُب يكون هكذا ،،
للدرجة التي جعلت من الكثيرين يمشون على كتالوج عبد الوهاب
و ام كلثوم و حليم و فريد و نجاة إلخ ، في الحب ،،


و الحب الخالي من المشاكل ( لوعة و أسى و ضنى و فراق )
ليس هو الحب النموذجي الجدير بأن يسكن القلب
و يتوغل في الروح !
لابد من التشرد و ( البهدلة ) و المَسكنة



ـ أود فقط أن أستثني ( المشهد الفيروزي ) الذي تـَرَاوح بين تلك الحالة ،،
و بين روح أخرى أميَلُ إلى الرؤية الغربية للعلاقة
( ربما لتأثر الرحابنة بالغرب ) ،،

و لسبب أساسي آخر ( أسميه جغرافياً ) ،،
ألا و هو عبقرية الطبيعة في لبنان ،، فكان مشهد الحب
في الأغاني الرحبانية ، محاطاً بتجليات الطبيعة من :
غابة و شجر و مطر و زهور و برد و نهر
و نبع و جسر و بحيرة و تل و جبل إلخ


ـ المفاهيم ( القـَدَريّة ) الراسخة في وجدان الشعوب العربية
( لن أتطرق إلى جذورها البيئية و العقائدية ) ،،
كانت سبباً في تنحية إرادة الفرد ( المُحِب ) ،
فهو المسلوب المفتون المتيم عشقاً ، و لا حول له و لا قوة ،،
حتى أن بعض معاني الأغاني يدور حول
( الزمن ، و الدنيا و القدر و الظروف و السنين )
التي تسببت في الفراق و الضياع و الوداع إلخ

كما أن انهيار ارادة العاشق ( المُسبَقة )
دفعت ببعض الأغاني للمعنى : ( هاتوا لي حبيبي ) !



ـ هناك منهج نقدي يتناول الحقول الدلالية للألفاظ
و اللغة للعالم اللغوي ( دوساسير ) ،،
يصلح تماماً لموضَعَةِ و تحليل المعاني السائدة في أغانينا ،
و التي ( لو أتيح لي الوقت الكافي )
فسوف أتوخى هذا المنهج القيِّم في سبر أغوار
غوامض هذه الثنائية التي تغلف أغانينا العاطفية ،
و باختصار ،،
فلنتأمل هذه الألفاظ التي تسود تلك الأغنيات :



الهَجر ،، العوازل ،، الخيانة ،، التجَنـِّي ،، الغدر ،، اللوعة ،، ( التـُئل ) ،، الأسِيّة ،، الصَدّ ،، الحنين ،، العِناد ،، البـِعاد ،، الظلم ،، الحيرة ،، الغيرة ،، الذكرى


ما يستتبعه :

البكاء ،، النواح ،، السهر ،، الضياع ،، الهوان ،، الضنى ،، الأسى ،، الحزن ،، الظلم ،، العذاب ،، الذل ،، الهوان ،، الشكوى ،، الضعف ،، الندم ،، الألم ،، الجرح ،، الغـُلب ،، التعَب ،، الشوق ،، الوجع ،


ـ كـَتـَبة ( الأغاني ) يُحَلقون في هذه السماء الكابية
باعتبارها المتحدث الرسمي عن الحُب ،،
و ما تطرقهم لفضاءات أخرى ( للأنثى ) إلا استثناء ً من القاعدة


ـ حتى ( فنيـّاً ) ،، دارت القافية الغنائية في دورات
( مغلقة ) من الألفاظ ،، كل لفظة تؤدي إلى التالية
( بالتبعية ) و الباقي حَشو ،،
على سبيل المثال لا الحصر :


الشموع ، الدموع ، الضلوع

الحبيب ، الطبيب ، الغريب

الألم ، الندم ، العدم

السراب ، الضباب ، الغياب

الروح ، النوح ، البوح

قلبي ، ذنبي ، حبي

الأيام ، الأحلام ، الأوهام

عني ، ظني ، ، خانني

ليل ، ميل ، ويل

أنين ، حنين ، سنين



ـهذه الثنائية المكررة ( العاشق المًعَذب و المعشوقة الهاجرة
أو الغادرة أو التـَئلانة أو
( المِطنشة أو المستهبلة ) ،،
على اتساع خيال شعراءها ،، إلا أنها خلفت لنا
وجداناً عليلاً كليلاً متهافِتاً ،، يؤثر بطريقة غير مباشرة
في رؤيتنا للحياة و تفاعلاتها بشكل عام ،،



أمثلة طربية :

ـ فريد الأطرش : حالة ( عذاب ) ترتدي ( بَدلة ) و تمسكُ عوداً ،، و اسمها ( وحيد )

ـ عبد الحليم : اليتيم المظلوم المُعَذب المسكين المكلوم الشاحب المريض

ـ نجاة : الضعيفة الرهيفة التي شـَفـَّـت وجداً و شـَحُبَت عشقاً و تلوعت هجرانا ،،،،، إلخ


ـ الوجدان العربي المتلقي لفن الغناء ، إستساغ هذه الثنائية السنتمنتالية بجدارة ، و يحتاج إلى زمن طويل لينفلتَ
من مدارها
( شخصياً ،،، واقعٌ في مَدارِها بامتياز )


ما كتبته ، في ظني هو ( قاعدة ) تقبل استثناءات كثيرة ،،
و لكن بنية الحزن و العذاب في أغانينا ،
تظل مسيطرة على أجوائها الإنفعالية



ـ هذا الموضوع القيّم يتطلب بالضرورة :
مقارنة موضوعية بين منطلقات الأغنية العربية ، و الغربية ،
و كذا التحول الذي طرأ على الأغنية منذ السبعينات
في عالمنا العربي



فليت وقتي يتسع للتفاعل مع موضوعاتك القيمة الكثيرة
يا دكتور ثروت ،،
و التي تحتاج ينابيعها إلى وعاءٍ أوسع من وعاء وقتي الضئيل


مع خالص تحياتي و تقديري
__________________
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( إنا لله و إنا إليه راجعون ))
رد مع اقتباس