عرض مشاركة واحدة
  #205  
قديم 10/03/2009, 06h43
الصورة الرمزية يوسف أبوسالم
يوسف أبوسالم يوسف أبوسالم غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:47645
 
تاريخ التسجيل: July 2007
الجنسية: أردنية
الإقامة: الأردن
المشاركات: 241
افتراضي رد: بقعة ضوء فى ظلمة النفس

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة NAHID 76 مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم




** بقعة ضوء فى ظلمة النفس **



تعودت دائما أن تسمع كل يوم أصوات شجار تنبعث من الشقه المجاوره لها , فى أى وقت من ساعات اليوم لا فرق بين صبح أو ليل
وجدت فى هذا عزاء لها وونسا من وحشه الغربه وخوف الوحده من سكنها هذه الشقه ذات الدور العالى على إثر نقلها من قريتها بناء على طلبها بأحدى محافظات الوجه البحرى عقب تطليق زوجها لها , فشلت فى استمرار الحياه معه من كثرة معايرته المستمرة لها لعدم إنجابها وقله حظها من جمال الظاهر وإن كانت تتمتع بجمال روحى عال يشهد لها به أهل قريتها
آثرت الهروب من نظرات الصديقات اللائى بدأن يتخوفن على أزواجهن من امرأة مطلقه, وأصبحن يتهربن من صداقتها لهن , هذا شأن المجتمعات الريفيه , فانغمست فى بلدة لا يعرفها أحد فيها ولا عن ماضيها , وجدت فى ذلك حلا يريحها نفسيا بديلا من حالات الاكتئاب المرضى التى بدأت تسيطر عليها .. استقرت فى تلك الشقه القريبه من المدرسه التى تعمل بها ,
هى التى اعتادت فى قريتها العلاقات الاسريه القويه والعلاقات الاجتماعيه الشديده والتمسك بالاعراف , جاءت لتستقر فى تلك الكتله الأسمنتية التى لا يعرف أحدا فيها الاخر , ولا يلتقون إلا مصادفة , وكأنها تعيش فى سجن بلا قضبان ,
من هنا كان ارتياحها وونسها بأصوات الشجار المنبعثة دائما من الشقة المجاوره , شاعرة فى ذلك على وجود حية فى تلك الكتلةه الاسمنتية كما كانت تسميها ..
فى كل مرة تسمع الشجار تهرع الى شباك المطبخ المطل على المنور , تشرئب برقبتها حتى تتمكن من سماع الشجار ومعرفة أسبابه , لكنها فى كل مرة كانت ترى تلك القطه الروميه وهى تفترش أرضية شباك المطبخ وهى تمد أرجلها الاماميه ملقية برأسها مستندة عليها , وفى المرات التى كانت تحاول مداعبتها , كانت القطة ترفع رأسها ببطئ شديد وتتثائب ناظرة إليها بنصف عين مغمضه , تلقى بعدها رأسها على أرجلها لتعاود النوم من جديد ..
أخذت تضرب أخماسا فى أسداس وهى تحاول تفسير أسباب هذا الشجار المتكرر من جيرانها , تقول فى نفسها أهذا الرجل المهذب خفيض الصوت الذى لا أكاد أسمع صوته وهو يلقى التحيه فى المرات المعدوده التى رأيته فيها على السلم أثناء عودتى او ذهابى إلى عملى , معقول هو نفسه صاحب هذا الصوت العالى , قالت لنفسها ربما تكون أسباب الشجار سهره المتكرر خارج المنزل وتركه زوجته وحيده , أم ماذا يا ترى , ثم تنسى الموضوع برمته إلى أن يصل إلى مسامعها أصوات شجار أخر , وتكرر نفس محاولتها من شباك المطبخ المطل على منور العماره والمقابل لمطبخهم وتجد نفس الوضع للقطه وتكرر تصرفات القطه المتثاقبه , أخذت تكلم نفسها وتقول ...... الغريب أنى لا اسمع صوتا لزوجته
, أه , يبدو أنها من ذلك النوع من أصحاب الأعصاب البارده الهادئه لايثيرها رفع زوجها صوته عليها , أو ربما يكون عدم ردها عليه خوفا من أن تتسع شقة الخلاف , نعم يبدو أنها سيدة عاقله تؤثر الصمت حتى لا تتطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه , وحتى تحفظ ماء وجهها أمام جيرانها ,
كانت تحاول وهى تحدث نفسها أن تجد سباب للمشاجرات التى تكاد أن تكون يوميه ..
إلى أن كانت تلك المرة التى هبت فزعة من نومها على حدة الشجار فى ساعه متأخره من الليل , قامت تجرى لشباك المنور وهى تسمع الزوج وهو يتوعدها هذه المره بالقتل.... ...... والله لأقتلك , سأقتلك ..
ثم سمعت صوت أرتطام أوعية المطبخ بالارض , وتهديد ووعيد مع ارتفاع حدة الصوت ..... سأقتلك , سأقتلك ..
بعدها ساد المكان صمت مطبق , أعقبه سكون تام
أخذت تحدث نفسها .... يا إلهى , ماذا حدث ؟! هل فعلها ؟! هل قتل زوجته ؟!. يا رب ماذا أفعل .. هرعت إلى سماعة الهاتف لتطلب النجده رفعت السماعه ثم وضعتها ثانيه وقالت لنفسها ... ربما لم يقتلها , مالى أقحم نفسى فى مشكلة وأدخل فى سين وجيم , لا , لا ....
إذن ماذا أفعل .. أه لابد أن أذهب بنفسى كى أرى ما حدث , لا يصح أن أبقى هنا مكتوفة اليدين وجريمة تحدث فى الشقة المجاوره .. هرعت إلى دولاب ملابسها , لبست فستانها التى تستقبل فيه ضيوفها , عقصت شعرها تحت الايشارب ,حاولت أن تصلح هندامها قدر ما يسمح به الوقت المتأخر من الليل , أثناء سيرها فى الطرقه الفاصله بين الشقتين دار فى ذهنها أفكار كثيره وهى ترتب أفكارها .....
سوف أطرق الباب
سيفتح لى الزوج
سأقدم نفسى له ... أنا جارتكم فى الشقه المقابله
سمعت صوت شجاركم
سامحنى .. أنا قصدت تقديم أى خدمه لتهدئة الخلاف بينكما
طبعا سيقول لى الزوج ... تفضلى ... سأدخل .. إن لم يكن قتلها سأجلس إليهم .. سأقول لهما كلاما جميلا يهدئهم لتعود المياه إلى مجاريها .. طبعا سيكون هناك أخذ ورد فى الكلام .. سيطلب من زوجته لو لم يكن قتلها أن تعد لنا الشاى .. أخذت تتخيل كيف ستقيم معهم بعد ذلك صداقه , قد تنفعها فى وحدتها وتجد تسليتها معهما , وربما تطلب من جارتها أن تحفظ لها ما يأتى به اللبان مبكرا وهى فى شغلها , ستخلق لنفسها بذلك أجواء من الصداقه تنعش وتؤنس وحدتها
, دار كل هذا الكلام فى رأسها , وقبل أن تصل يدها فى ظلمة الليل لتضغط على جرس الباب , إذا بها تسمع صوتا ينبعث من داخل الشقه يقول ........
تعالى هنا ...
انا ميت مره حذرتك إنك تأكلى من أوعية الطعام
ودائما أضع لك طعامك فى الطبق
خلاص .. , متزعليش منى .. أدخلى المطبخ , كلى أكلك من الطبق وبس ,
ممنوع تاكلى مـ الحلل ........
أدركت السيده أن الامر ليس خلافا بين زوج وزوجه , وفهمت أخيرا سبب عدم سماعها لصوتها , أخذت تنظر حولها خوفا من أن يكون قد رأها أحد فى هذه الساعه المتأخره وهى أمام شقة جارها , وفى الحال تلفتت حولها وهرعت الى شقتها وأغلقت الباب عليها وأسندت ظهرها اليه وأنفاسها تتلاحق , بعد أن هدأت قالت لنفسها ..... يا إلهى .. أيعيش هذا الرجل بمفرده ..
دخلت حجرتها , خلعت فستانها الذى تستقبل به زوارها
, ألقت بالايشارب من فوق رأسها , تمددت على سريرها
علت شفتيها ابتسامة ساخره ...
أهذا الرجل ذو الملامح الرقيقه , والطباع الهادئه , يسكن بمفرده مع قطه ؟!. يا إلهى ......
لماذا يحبس نفسه وحده , ألا يشعر بالوحده ؟.
أخذت تتقلب فى فراشها وهى تبتسم ابتسامة ذات معنى
, لاول مره تشعر بسعادة تسرى فى نفسها , أسلمت نفسها لشعور غريب جميل كانت قد نسيته من زمن , حتى
أتاها النعاس , وأضاء هذا الاحساس ظلمة نفسها المستوحشه ........................
المبدعة الواعدة
الأخت ناهد
صباح الضوء المرسل

إذن ( بقعة ضوء أنارت ظلمة نفسها المستوحشة ...!)
وهكذا يبدأ الحدث الرئيسي بالقصة ( الشعور بالوحدة نتيجة الطلاق وعدم الإنجاب )
والإضاءة التي أحستها عند اكتشاف ( حالة الرجل )
ولكن مالذي جعلها تشعر بشعور غريب كانت
(قد نسيته من زمان وسعادة تسري في نفسها )
وما هو الشعور الغريب هذا الذي نسيته ولماذا السعادة
في الإجابة على هذه التساؤلات أقول ..
إن اكتشافها لوحدة الرجل وأنه ليس متزوجا .....أبرز فيها أملا جديدا بأنه ربما يكون شريك حياة قادم
واكتشافها لوحدة الرجل جعلها تتيقن أنها ليست وحيدة وأن هناك من يشاركها وحدتها
فلماذا لا يقتربان ليخلص كل منهما الآخر من وحدته ...!؟
هذا هو المحور النهائي الذي تريده القاصة من وراء فكرة هذه القصة
وهو محور لافت حقا ....قدم أعماق نفس البطلة بوضوح ومباشرة ..
وكشف ما في نفس بطلة القصة من وحشة مستبدة وحاجة ملحة لشريك يبدد هذه الوحدة ..
ولعلي أشارك أحد الأراء التي تقول أن الفكرة أقوى من تقديم المبدعة لها بكثير وأن السرد لم يخدم الفكرة وكان أقل مستوى منها
من حيث تكثيف الصورة ..والإشارات اللافتة التي لا تقدم إجابات مباشرة
بل تضيء ومضات قصيرة جدا نحو الإجابة النهائية
وتترك للمتلقي متعة اكتشاف ( محور القصة وهدفها )
ولا تقدم للمتلقي الإجابة دون عناء
حيث أن الكاتبة وفرت على القارىء عناء متعة الإكتشاف حين أشارت أن خلاف الرجل مع قطة وأنه يعيش وحيدا
بطريقة تقريرية مباشرة ..
وكذلك حين أشارت بوضوح إلى ما تولد في نفسها من سرور غامر أضاء نفسها المستوحشة
وهذا ما يقع به معظم الكتاب الواعدون ..بسبب قلة خبرتهم بمعالجة الرمز في القصة القصيرة
وأنا متأكد من أن القاصة ستقرأ قصتها هذه ذات يوم وهي تقول
لماذا لم أكثف الصورة أكثر
لماذا أطلت السرد بلا مبرر
لماذا كشفت عن غرض القصة ودلالة رمزها بسهولة
لماذا ...لماذا ...لماذا
وهذا لا يقلل من نضج التجربة الحالية للقاصة بل يجعنا نصدق معها
ونضع أيدينا على جوانب الخلل في القصة لتتمكن من تجنبها في تجارب أخرى
وهذا لايعني عدم وجود إيجابيات بل بالعكس
فقوة الفكرة هي إيجابية مدهشة في القصة
وتنامي حدثها الدرامي وعدم إفلات القصة من الكاتبة وضياعها في السرد هو أمر إيجابي أيضا
وفي كل الأحوال
يظل لكل تجربة نكهتها الخاصة ومذاقها المتجدد
ولنا أن ندهش كيف استطاعت الكاتبة خلق هذه الفكرة المبدعة ...!؟ ومن أين أتت بها
كل الشكر
وبانتظار الجديد
وتحياتي
__________________
يوسـف أبوسالم - الأردن
الموسيقى هي الجمال المسموع


مدونة الشاعر م.يوسف أبوسالم



رد مع اقتباس