183 هـجـريه .. أميــر اليـمـن
@ جلس الشافعى أمام عتبة داره تحت شجرة عتيقة ضخمة وارفة الظلال يتأمل وحده قرص الشمس الأصفر الذهبى وهى تميل إلى مغربها كأنها غريق فى بحر الأفق يبتلعه شيئا فشيئا , ويرقب الليل وهو يرخى أستاره الداكنة على أرجاء المكان رويدا رويدا ..
كان منظر غروب الشمس فى غموضه وروعته حافزا له كى يستعرض تاريخ السنوات التى غربت من عمره كهذا القرص الأصفر من الشمس , مذ كان طفلا صغيرا يخطو خطواته الأولى على أرض مكة الطاهره بعد رحيله مع أمه وجده من ديار غزه . تلك البلاد التى عاش فيها أيام عمره الأولى وليدا فى المهد ولم ينطبع فى ذاكرته أى شئ عنها ..
كثيرا ما حدثته أمه عنها وعن أهلها الطيبين , كيف عاشت بينهم فيها عشر سنوات مع أبيه الراحل قبل أن يرزقا به وترى عيناه نور الدنيا . كم حدثته عن أرضها وترابها الذى يضم رفات أبيه إدريس وجده هاشم بن عبد مناف . سرح بخياله بعيدا حتى غمره الشوق والوجد , أخذ يحدث نفسه مرتجلا فى شجن ولوعة وكأنه يرثى أباه الراحل :
وإنى لمشتاق إلى أرض غـزة .. وإن فاتنى بعـد التفـرق كتمانى ..
سقى الله أرضا لو ظفرت بتربها .. كحلت بها من شدة الشوق أجفانى ..
ثم طافت فى مخيلته صورة كتاب الشيخ إسماعيل فى ساحة الحرم العامره حيث استظهر القرآن فى صباه . تذكر هناك صديقه العراقى الفضل بن الربيع وما كان من أمره معه وقتئذ , إلى أن لقيه منذ سنوات قليلة فى المدينة بعد أن صار وزيرا فى بلاط الرشيد ..
تذكر البادية ومقامه فيها سنوات صباه بين الهذيليين , يستمع إلى أشعارهم وآدابهم فتنطبع فى ذاكرته انطباعا . كيف عاد من عندهم وقد أفاد فصاحة وأدبا وصار بفضلهم , آخذا بناصية اللغة العربية فى أصالتها ونقائها , وما تعلمه عندهم من فنون القتال والرماية والعدو ..
تذكر ذلك المكان الذى اتخذه مجلسا فى ساحة الكعبة عاما كاملا , يحدث الناس فيه عن حكايات العرب وأشعارهم وآدابهم وبطولاتهم , إلى أن لقى الأصمعى عالم اللغة العربية وأستاذها الأكبر . ثم لقاءه الروحانى مع الشيخ الورع الزاهد الفضيل بن عياض صاحب الكرامات , الذى رآه فى المنام طيف خيال قبل أن يراه فى اليقظة واقعا ولم يكن له به معرفه من قبل . تذكر كلماته المنورة التى دفعته دفعا لاستكمال رحلة العلم والمعرفه ..
ثم طافت على مخيلته رحلته إلى المدينة المنوره وجلوسه إلى إمامها مالك بن أنس , وحلقته العامرة التى نهل منها الكثير , وصديقه الوفى القادم من أرض مصر عبد الله بن عبد الحكم . تعارفت روحاهما وائتلفتا حتى أن كل واحد منهما كان كأنه مرآة للآخر فى خصاله وأخلاقه . وبعد ذلك رحلته إلى اليمن , وما كان من أمر تلك المرأة التى افترت عليه بالباطل والبهتان بتحريض من خصومه . أخذ يتمتم داعيا ربه أن يسامحها ويسامحهم ..
أخيرا علت شفتيه إبتسامة عريضة وهو يتذكر ما جرى له منذ بضعة أشهر مع ذلك الرجل الفظ , الذى لقيه وهو فى طريقه إلى مكة لزيارة أمه , كانت تقيم عند خاله على فى ذى طوى . أول زيارة يقوم بها إليها بعد توليه قضاء نجران ..
وحكايته أن الشافعى وكان يرافقه فى رحلته غلاما يقوم على خدمته , لما أدركه التعب وأخذ منه الجهد مأخذا عظيما وهو فى طريقه الطويل , تمنى فى تلك الساعة أن لو استطاع أن يضع جنبيه على أى فراش ويستريح ليلته تلك قبل أن يواصل رحلة السفر . أخيرا شاهد على البعد دارا تقع وحيدة على مشارف إحدى القرى . حمد الله وهو يتنفس الصعداء أن وجد أخيرا مكانا يريح فيه بدنه المتعب بين جدرانه الأربعـه ..
إقترب من الدار ثم نزل من فوق دابته قاصدا صاحبها راجيا أن يضيفه هذه الليله . فإذا هو برجل أزرق العينين ناتئ الجبهة لم ينبت له شعر فى وجهه البته كان واقفا بفناء الدار . رآه الشافعى على البعد فقال فى نفسه ............. علم الفراسة يقول , هذا الرجل فيه خبث شديد , وقسماته تدل على وضاعة وخسه ..
وكان الشافعى قد درس علوم الفراسة فى اليمن على يد عالمها عمرو بن مسلمه , وهو علم يكشف ما يخفيه الإنسان فى باطن جسمه المادى من عادات وما يكتمه من طبائع مكتسبة أو موروثه . كانت نظرة فاحصة منه إلى وجه أى إنسان تجعله يقرأ فى ملامحه على الفور طباعه وأخلاقه وصنعته .. من ذلك مثلا أنه أثناء جلوسه مع أحد أصحابه إذ مر بهما رجل سأله جليسه أن يحزر صنعته . تفرس فيه الشافعى وقال له ........
ــ هذا الرجل إما أن يكون نجارا أو خياطا ..
فقام صاحبه إلى الرجل يسأله عن صنعته فقال له ..............
ــ كنت نجارا وأنا اليوم خياط .
هذه واحدة من نوادر الشافعى فى الفراسه وله فيها نوادر كثيرة منها حكاية هذا الرجل صاحب الدار .. أسلم أمره لله وتقدم على مضض ناحية الرجل ومن خلفه غلامه الذى يقوم على خدمته . خاطبه قائلا بعد أن ألقى عليه السلام .......
ــ هل من مكان أبيت فيه ليلتى أنا وغلامى هذا يا أخا العرب ؟.
فوجئ الشافعى بالرجل يبالغ فى الترحيب به قائلا .............
ــ أجل عندى مكان طيب بالداخل فيه من كل شئ تبغيه . تفضل أيها الغريب على الرحب والسعه كأنك فى دارك تماما وبين أهلك ..
ــ ودابتى تلك ؟.
ــ لا تحمل همها, تبيت مع دوابى فى الحظيرة المقامة خلف هذه الدار , تأكل من علفهم وتشرب من مائهم ..
دخل الشافعى دار الرجل على استحياء وهو يلوم نفسه شاعرا بالخجل من سوء ظنه به , وزاد عجبه أكثر عندما فوجئ بالرجل يدخل عليه بألوان الطعام والشراب والطيب ..
ظل الشافعى طوال الليل يحدث نفسه وهو يتقلب فى فراشه منتظرا بفارغ الصبر طلوع النهار....... علم الفراسة الذى تعلمته فى اليمن دل على غاية دناءة هذا الرجل , وأنا لم أشاهد منه إلا كل خصال الخير والكرم . هذا العلم إذن باطل , أجل باطل , لا حول ولا قوة إلا بالله , ليتنى ما أسأت الظن به , ليتنى ما أوقعت نفسى فى هذا الذنب الكبير , سأصارحه فى الصباح بكل شئ أجل وسأطلب منه الصفح والسماح لعل الله عز وجل يغفر لى ويسامحنى ما جنيته على نفسى من إثم من سوء ظنى به ..
مكث الشافعى طوال الليل يؤنب نفسه ويلومها على سوء ظنه بالرجل الذى أدى واجب الضيافة على خير وجه , وفى اليوم التالى قام من نومه مبكرا وهو لا يزال مستاء من نفسه , لواما لها على خطئه فى حق مضيفه . أمر غلامه أن يسرج الدابة وأن يستعد لإكمال الرحلة , ثم نادى على صاحب الدار قائلا له وهو يهم بركوب دابته ...........
ــ أستودعك الله يا أخى ..
قاطعه مستنكرا فى دهشة لم يدر لها الشافعى سببا ...........
ــ إلى أين أنت ذاهب أنت وغلامك هكذا ؟.
ظن الشافعى أن الرجل يسأله عن بلده فأجابه فى براءة قائلا ...............
ــ ذاهب إلى مكه لزيارة أهلى , ليتك إذا نزلت بها ومررت بذى طوى أن تسأل عن دار محمد بن إدريس , لعلى حينئذ أستطيع رد جميل طوقت به عنقى . أود أن أخبرك عن مسألة أخرى ..........
كان بصدد أن يخبره عن سوء ظنه به طالبا منه أن يعفو عنه وأن يستحله من ذنبه , غير أنه فوجئ بالرجل يقاطعه صارخا فى وجهه فى غلظة وفظاظة وجفاء ...............
ــ أى كلام فارغ هذا الذى تقوله يا رجل . أمولى أبيك أنا ؟.
فزع الشافعى من لهجته فسأله وهو فى دهشة من أمره ...............
ــ خيرا يا أخا العرب . ما الذى أغضبك منى كل هذا الغضب ؟.
ــ أين ثمن الذى تكلفت لك البارحه ؟.
ــ عن أى شئ تسأل ؟.
ــ إشتريت لك بدرهمين طعاما وبأربعة دراهم إداما وطيبا بدرهم وعلفا لدابتك بدرهم ..
إلتفت الشافعى لغلامه قائلا .................
ــ أعطه يا غلام , هل بقى لك شئ فـى ذمـتى ؟.
ــ نعم كراء الدار والفراش واللحاف , لقد وسعت عليك وضيقت على نفسى ..
ــ بكم هذا ؟.
ــ خمسة دراهم .. إيه ؟! كثير على مثلى ؟.
ــ لا أبدا , ليس بكثير , أعطه يا غلام ..
قالها الشافعى وهو يتنفس الصعداء متمتما فى سره ...... أخزاك الله أيها الرجل ما رأيت شرا منك . الحمد لله أن صدق ظنى فيك ولم أتجن عليك , ما أصدق علم الفراسه ……
ذكريات كثيرة تزاحمت أمام عينيه , إلا أنها سرعان ما تلاشت كسحابة صيف وهو واقف فى مكانه ينظر إلى الأفق البعيد حتى غابت الشمس فى مغربها . لم يقطع عليه رحلة الذكريات على تتابعها إلا رؤيته لشبح قادم من بعيد . ظل يدقق النظر إليه ليتبين ملامحه حتى إذا صار قريبا منه عرفه , إنه كاتبه زيد بن عيسى ..
تعجب الشافعى من قدومه إليه فى ذلك الوقت الذى لم يتعود المجئ له فيه . كان له نظاما ثابتا فى عمله , يأتى مبكرا فى الصباح إلى دار القضاء ويظل ملازما للشافعى إلى أن يصلى صلاة الظهر , ثم يعكف على القضايا يدونها ويبوبها فى كراسة معه . بعد أن ينتهى من عمله يعود مرة ثانية إلى داره , ولا يرجع إلى عمله إلا فى صبيحة اليوم التالـى ..
لهذا كان عجب الشافعى من حضوره فى هذا الوقت المتأخر من اليوم على غير المألوف . كان يمشى فى خطوات متقاربة سريعة أقرب للعدو منها إلى السير . أمهله إلى أن التقط أنفاسه ثم سأله عن سبب قدومه المفاجئ فى هذا الوقت . مد يده فى جيبه دون أن يرد على سؤاله وأخرج لفافة ناولها إليه قائلا ..........
ــ هاك يا سيدى ما جاء بى ..
أخذها منه وقبل أن يفتحها سأله ..........
ــ ما هذه اللفافه ؟.
ــ بداخلها رسالة يا سيدى القاضى ؟.
ــ رسالة . ممن ؟. وما سبب حرصك على أن تأتى بها إلى فى هذه الساعه ؟.
ــ إنها رسالة أتى بها البريد من لدن قاضى القضاه مصعب بن عبد الله القرشى .. وقد أكد على رجل البريد أن أسلمها لك الليله ..
نظر إليه مستفسرا فأردف قائلا ...........
ــ تلك أوامر قاضى قضاة اليمن ..
فتح الشافعى الرسالة متوجسا ومر بعينيه على سطورها . كان لا يزال فى النهار خيط من الضوء يسمح له بقراءتها , بينما كاتبه ينظر إليه متلهفا لمعرفة ما جاء فيها وأخيرا طواها وراح فى تفكير عميق دون أن يتفوه بكلمة واحده . لما طال صمته تقدم كاتبه بضع خطوات ناحيته ثم سأله على استحياء .............
ــ خيرا يا سيدى القاضى مالى أراك مهموما ؟.
ــ لا شئ يا زيد , لا شئ ..
ــ سيدى هل تحمل هذه الرسالة أخبارا ......
قاطعه الشافعى قائلا ...........
ــ لا شئ يا زيد , لا شئ هاك الرساله ..
مد يده وطفق يمر على الرسالة بعينيه إلى أن فرغ منها نظر للشافعى قائلا .............
ــ حقا لا شئ فيها , إنها تحمل أسماء الأمراء الجدد الذين ولاهم أمير المؤمنين , وأن أمير اليمن قد نقل إلى مصر , وتولى بدلا منه واحد إسمه , إسمه ..
عاد وفتح الرسالة مرة ثانيه وأخذ يمر على سطورها ثم قال ...............
ــ وتولى أمر اليمن الأمير حماد بن عبد الله البربرى ..
رفع رأسه عن الرسالة وعاد يسأل ..............
ــ إنها أول مرة أسمع بهذا الإسم , يبدو أنه لك سابق معرفة بهذا الرجل يا سيدى ؟.
أجابه عابسا فى كلمات مقتضبة ...........
ــ أجل أجل أعرفه ..
قالها وغص بريقه ثم استدار داخلا داره بعد أن سلم على زيد مودعا ..
فى داخل الدار ألقى الشافعى بجسده المتعب المكدود على أقرب وسادة إليه , وراح يقلب وحده فى رأسه ما جاء فى رسالة قاضى القضاه . لم تكن بالقطع مصادفة أن يتولى أمر اليمن على وجه الخصوص , حماد البربرى زميل الحلقة المالكيه وغريمه الذى يناصبه العداء مذ كانا فى المدينه . نسى الشافعى أمره تماما ولم يعد يذكره إلا أن غريمه له بالمرصاد ويبدو أنه لم ينس بعد ما كان بينهما , يبدو أن الحقد لا يزال معششا داخل صدره . وها هو قد جاء إلى اليمن ليواصل رحلة الإنتقام منه . نعم من المؤكد أنه تعمد المجئ إلى اليمن بعد أن فشل قبل ذلك فى محاولاته الإنتقامية السابقه . لم يخرجه من أفكاره وهواجسه إلا صراخ ولده وأنينه المتواصل وهو يقرع أذنيه فى إلحاح . ترك ما كان فيه وانتبه لصراخ وليده وهو يحدث نفسه ............. ما كل هذا الصراخ والأنين , ما الذى دهاه يا ترى ؟.
كان ولده محمد قد دخل فى عامه الثالث , أول أبنائه من امرأته حميده وضعته بعد ستة أشهر من مقامهما باليمن , سماه محمدا على إسمه وكناه أبا عثمان تبركا بجده لأمه عثمان بن عفان . رفع رأسه ونادى على زوجته التى أتته مهرولة رغم معاناتها من حملها الثانى وسألها ..............
ــ ما بال أبى عثمان يصرخ صراخا متواصلا ؟.
أجابت قائلة وهى تحتضن صغيرها وتضمه فى حنان إلى صدرها وتهزه فى رفق هزات رتيبة متتابعه فى محاولة منها لتهدئته وإيقاف بكائه .............
ــ إنه على تلك الحال منذ البارحة لم يهدأ بكاؤه أبدا , لا أدرى ما الذى دهاه . ربما يعانى من بعض متاعب فى بطنه ..
هز الشافعى رأسه مفكرا ثم أشار إليها أن تقترب بوليدها منه . أخذ يمرر يده فى خفة على بطنه ثم نظر فى فمه وأخيرا قام من مكانه وأحضر بضع لفافات من خزانته وأخرج منها بعض الأعشاب . ناولها لامرأته قائلا لها وهو ينتزع ابتسامة باهتة من بين شفتيه رغم ما يعانيه من مرارة من رسالة قاضى القضاه وتوجسه من هذا الأمير القادم للبلاد ............
ــ لا تجزعى يا عثمانيه إنها آلام الأسنان , الولد بخير , إحدى أسنانه الجديدة فى طريقها للظهور . أنت تدركين طبعا ما يسببه بروز الأسنان من آلام ومتاعب إنها ليست أول مره ..
ــ ماذا أصنع بتلك الأعشاب ؟.
ــ ضعيها فى كوب من الماء واتركيها لتغلى على النار ثم اسقيه منها بضع رشفات بعد أن تبرد , لسوف يهدأ بعدها إن شاء الله ويكف عن بكائه هذا ..
كان الشافعى قد برع فى فنون الطب ومداواة الأبدان بعد أن تعلم فى الحولين الماضيين الكثير من علومه على يد علماء اليمن , وقرأ الكثير مما كتبه علماء الطب على اختلاف أجناسهم . كان يتلهف ويتحسر على ما ضيع المسلمون من عدم إقبالهم على هذا اللون من العلوم والمعارف , كثيـرا ما كـان يقـول " إثنان أغفلهما الناس الطب والعربيه " والطب فى رأى الشافعى يعدل ثلث العلم ..
مدت يدها فى لهفة , تناولت منه الأعشاب , وضعت ولدها جانبا وراحت تعد له الدواء فى همة وهى تقول ................
ــ الحمد لله أنك تحتفظ فى خزانتك بهذه الأعشاب النافعه . لقد أفدت كثيرا من دروس الطب هنا باليمن ..
إلتفت إليها متسائلا وقد بدا شاردا ............
ــ عفوا يا عثمانيه , ماذا قلت الآن لم أسمعك جيدا ؟.
توقفت لحظات عن تقليب الأعشاب ثم رفعت رأسها إليه متسائلة ............
ــ ماذا ألم بك يا أبا محمد .. أراك شاردا على غير عادتك ؟.
ــ صدقت يا عثمانيه تلك هى الحقيقه ..
ــ رأيت زيدا عندك منذ قليل هل أتى إليك بما يسوؤك من أخبار ؟.
سكت برهة ثم قال متباطئا ..............
ــهل تذكرين ذلك الرجل العراقى الذى قصصت حكايته عليك ذات مرة , وما كان من أمره معى فى يثرب قبل زواجنا ..
ــ من تعنى بكلامك هذا يا ترى وما خطبه ؟.
ــ حماد البربرى زميل الحلقة المالكيه ..
ــ حماد البربرى . آه تذكرته ما شأنه الآن . ألم تخبرنى أيامها أنه رجع إلى العراق بعد أن أجبره الإمام مالك على مغادرة المدينة مطرودا منها شر طردة , عندما علم بما فعله معك من ضرب وإيذاء ثم انقطعت أخباره بعد ذلك ..
ــ تماما هذا ما حدث , وذهبت إليه بعدها مع محمد بن الحسن رغم ما فعله معى وحاولت فى هذا اللقاء أن أطيب خاطره وأن أستميله إلى . لكن هيهات أبى واستكبر أن يضع يده فى يدى ..
ــ ما الذى جد فى الأمر إذن ؟.
ــ وصلنى اليوم كتاب من قاضى القضاه يعرفنى فيه أن أمير المؤمنين هارون الرشيد ولاه الإماره ..
ــ أى إماره ؟.
ــ إمارة اليمن ..
ــ من تقصد . حماد البربرى ؟.
ــ أجل هو بعينه حماد البربرى ليس هذا فحسب . بل طلب منى فى نهاية رسالته أن أتوجه إلى دار القضاء فى صنعاء ..
ــ لماذا ؟.
ــ لنذهب جميعا نحن قضاة أقاليم اليمن لتهنئته وتحيته ..
ــ وماذا أنت فاعل هل ستذهب للقائه ؟.
ــ لا أعرف يا حميده لم أقرر بعد ما سوف أفعله ..
ــ ما الذى تخشاه منه لقد مضى أكثر من عامين على ما كان منه معك فى المدينه وأظنها مدة كافية لنسيان مثل هذه الأمور ؟.
ــ لا أظن ذلك ياحميده لا أظن وما أحسب توليه إمارة اليمن من قبيل المصادفه ..
صمت برهة وقال ............
ــ يا حميده .... لا تأمنن امرءا أسكنت مهجته .. غيظا وإن قلت إن الغيظ يندمل ..
ــ تعنى أنه سعى إلى المجئ إلى هنا متعمدا كى ينتقم منك لا . لا أوافقك على هذا الظن أبدا . لقد مر وقت طويل على ما كان بينكما ولا أظن مثل هذه الأمور التى جرت فى المدينة تدفعه لأن يفعل كل هذا لكى ينتقم منك ..
ــ أتمنى أن يصدق ظنك يا عثمانيه , لكن هيهات , أنا أعلم جيدا حقيقة نوايا هذا الرجل وخبث طويته . إنه إنسان مريض النفس ملأ الحسد والحقد قلبه . حاولت مرات أن أداريه أو أتجنبه دون جدوى . باءت جميع محاولاتى بالفشل ..
قال ذلك ثم سكت برهة وقام من مكانه وهو يقول محدثا نفسه ............
داريت كل الناس لكن حاسدى .. مداراته عزت وعز منالها ..
وكيف يدارى المرء حاسد نعمة .. إذا كان لا يرضيه إلا زوالها ..
يتبع.. إن شاء الله ............................
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها