عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 03/03/2009, 23h39
الصورة الرمزية abuzahda
abuzahda abuzahda غير متصل  
مواطن من سماعي
رقم العضوية:102176
 
تاريخ التسجيل: November 2007
الجنسية: مصرية
الإقامة: كندا - تورونتو
المشاركات: 1,212
افتراضي الطيب جداً جداً.. صالح - مقال لخالد الكيلاني

أحببت كل من عرفتهم من السودانيين سواء أثناء سنوات الدراسة الجامعية أو خلال سنوات الغربة خارج الوطن ، وحتي من التقيتهم صدفة ، تركوا في نفسي وفي قلبي أثراً لا يمحي، وأخص من هؤلاء الأخيرين اثنين هما الروائي الكبير الطيب صالح ، والكاتب السوداني الكبير المقيم في كندا الدكتور محمد إبراهيم الشوش.

وقد تعرفت علي الطيب صالح قبل أن ألتقيه ـ في منتصف العقد الماضي ـ بسنوات طويلة عندما أهداني زميل دراسة سوداني ينحدر من «جوبا» عاصمة الجنوب روايته الرائعة «عرس الزين»، والغريب أن هذا الزميل لم يكن يقرأ بالعربية أو حتي يتحدث بها إلا بصعوبة، ولم أعرف كيف كان يجد هذه المتعة التي كنت أجدها في «عرس الزين» وبقية روايات الطيب صالح التي فتحت لي عالماً جديداً من متعة التذوق الأدبي ، ندمت بعدها علي السنوات التي مضت دون أن ألج إلي هذا العالم، حيث كنا عندما ننتهي من نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي ومجايليهم أو حتي قبل أن ننتهي منهم نتجه شمالاً لنقرأ لديستوفيسكي وتشيكوف وتولستوي ، حتي همنجواي مروراً بديكنز وغيرهم، قبل أن نكتشف روائيي أمريكا اللاتينية الرائعين.

و«عُرس الزين» لم تكن سبباً في الشهرة العريضة التي نالها الطيب صالح في عالم الرواية ولكن «موسم الهجرة إلي الشمال» هي التي جعلت منه روائياً عالمياً ، ومع ذلك فهي في نظري ليست أفضل ما كتب ومازلت أحمل حباً خاصاً لعرس الزين وقد شاء القدر أن ألتقي بالطيب صالح منذ حوالي 12 عاماً في مدينة "أصيلة" المغربية، صاحبة المهرجان الثقافي الأشهر في العالم العربي، لم ألتقيه فقط، ولكن كنت سعيد الحظ لأننا أقمنا في غرفتين متجاورتين في فندق "زيليس" أعرق فنادق المدينة الصغيرة التي يحتضنها المحيط الأطلنطي ، أو تكاد هي تحتضنه .

عشرة أيام كاملة أقتربت فيها من الطيب صالح أكدت لي أن اسم الإنسان عادة ما يلخص صفاته، فقد كان بالفعل طيباً جداً وصالحاً بالمعني الإنساني للصلاح، فهذا الروائي الفذ والكاتب والمذيع ، والصحفي والدبلوماسي كان يتحول إلي شخص شديد الخجل ، بل شديد الضيق عندما يحدّثه أحد عن أعماله الأدبية أو رواياته ، وكان محباً للحياة مقبلاً عليها كأكثر ما يكون الحب ، وكان في داخله قلب طفل يندهش لأبسط الأشياء ، تصعلكنا كثيراً علي شواطئ أصيلة وبين مطاعمها ومقاهيها الصغيرة العامرة حتي الصباح واستمعنا سوياً لغناء الصديق محمد بنعيسي ، وزير خارجية المغرب (السابق) بصوته الرخيم ، كنا مجموعة صغيرة اختار بعضنا البعض من بين العشرات المشاركين في المهرجان ، لا نكاد نرى إلا سوياً ، الطيب صالح والدكتور محمد إبراهيم الشوش والصحفية العراقية المقيمة في باريس «أنعام قجة جي» والصديق السوداني الذي كان مقيماً في المغرب طلحة جبريل (مراسل الشرق الأوسط اللندنية من واشنطن حالياً) وكاتب هذه السطور،

ولكن ما كان يجمع بيننا جميعاً هو الحب العميق لهذا الرجل النبيل الذي لا تملك سوى أن تحبه بمجرد أن تراه للمرة الأولي ، لتفاجأ أنه يبادلك حباً بحب دون حتي أن يعرفك، ودون أن ينظر لأي فروق عمرية أو اجتماعية، وهو الرجل الذي كان ومازال ملء السمع والبصر. رحم الله الطيب صالح


مقال: الأستاذ خالد الكيلاني
جريدة "البديل" القاهرية 24/02/2009
__________________
أستغفِرُ الله العظيم وهو التوّاب الرحيم
رد مع اقتباس