27- الحلقة السابعة والعشرون .. مصاب جلل غي آخر الحلقة .. ونهاية الحقبة الأولى من المشوار
يستكمل عبد الوهاب في الحلقة السابعة والعشرون .... الرواية الشيقة .... التي تحكي قصة أحلى ثلاثة أرباع قرن مرت على مصر .. عصر زمن جميل .. يا ليته يعود .. ويستمر المحاور اللبق في سرد الأحداث بشكل مشوق ومثير ..
وفي هذه الحلقة يتحدث عبد الوهاب .. عن نجاته بأعجوبة من الموت من بطش الأمير ولي عهد العراق .. ثم من الأهوال التي لاقتها مجموعته في صحراء العراق .. ولولا رعاية الإله لما رجع واحد من الجمع .. ومكث عبد الوهاب في الشام بضعة أيام .. لكن انشغاله على صحة الأب الروحي له أمير الشعراء أحمد شوقي بك .. عجل بعودته .. إلى مصر ..
بدأ المسلسل بصوت أمير الشعراء .. الذي كان يجسده الفنان "فرج النحاس" .. وهو يطلب من صديق عبد الوهاب الحميم .. الشاعر كامل الشناوي أ"محمد الطوخي" .. ن يلقي قصيدة نظمها شوقي بك عن همجية الطلاينة في تعذيب الزعيم عمر المختار .. بدلاً منه .. وكان كامل الشناوي .. يتميز بالإلقاء الرخيم .. والصوت القوي الدافئ .. وكان الشناوي يلقي أشعار شوقي بك بكل حب .. وفهم لمعانيها .. "ومشى الأسير يجر ثقل قطعة حديد .. أسد يجرجر حية رقطاء .." .. وأعرب أمير الشعراء هو رغبته في أحذ رأي أذن عبد الوهاب الحساسة .. وجاء عبد الوهاب متأخراً .. وبصحبته نجيب الريحاني "المأمون أبو شوشة" .. الذي أراد الاطمئنان على صحة الباشا .. وكان نجيب دائماً يسخر من نفسه .. وقال له الفيلسوف أن صحته عبارة عن دموع دفينة تخرج من داخل قلبه .. لتسعد الجماهير .. وحاور أمير الشعراء نجيب عن دموع قيس بن الملوح .. وسخر الريحاني من قيس الباكي المستمر .. وقال أنه ينكر هذا الحب .. الذي صار يجوب الصحراء .. ويبكي قائلاً "هاتوا لي ليلى .. " .. هذا هو الحب العذري .. رد أمير الشعراء .. ولم يعجب نجيب الريحاني الحديث .. وصار يسخر .. وأخيراً قال أن هذا ما يسمى بالحب العذري لا يوجد إلا في القبر ..
وحول عبد الوهاب الحديث مع ست الحبايب .. "عزيزة حلمي" ..
ثم ذهب عبد الوهاب لأمير الشعراء .. كي يودعه قبل سفره لطنطا .. ليغني "بلبل حيران".. ويا ناعماً رقدت جفونه" .. وهما بالطبع من تأليف أمير الشعراء .. وسأله شوقي بك عن آخر الأغاني .. التي نظمها له .. "النيل نجاشي .. " ..
ولم يرد في بال أحدهما أن هذا هو آخر لقاء في هذه الدنيا .. ووعده أنه سيسمعها قريباً .. وسأل أمير الشعراء عن نجيب الريحاني .. وحدثه أمير الشعراء عن أواخر العناقيد .. وما الحكمة في حب الناس إلى آخر عناقيدهم .. وأن آخر العنقود يكون دائماً ملتصقاً بالفنان .. وقريب من وجدانه .. لأنه آخر إنتاجه .. وودع عبد الوهاب أباه الروحي لآخر مرة .. وأحس أمير الشعراء ببعض الضيق .. وأسلم الروح .. وكان آخر كلماته .."سلم لي عليهم .. وسلم لي على محمد" ..
وفي هذه الأثناء كانت أغنيتا "بلبل حيران" .. و"يا ناعماً" .. يلقيان القبول .. والاستحسان .. والترحاب من الجمهور الطنطاوي .. الذي طالب الاستزادة أكثر من مرة ..
وأثناء العودة في القطار .. وهو يتمنى سرعة رؤية الباشا .. كي يطلعه على نجاح "يا ناعماً" .. فجاء إليه صديق "طاهر حقي" .. يخبره بالنبأ الحزين .. وأسقط في روع محمد .. وأغشي عليه .. لما علم النبأ الحزين ..
وأكمل الموسيقار التعليق على الأحداث .. "مات الأستاذ .. والأب الروحي .. واختفى إلى الأبد المنظار المكبر .. الذي كان يرى به الطريق .. إن القدر أخذ منه أعز ما يملك .." وبكى عبد الوهاب أباه .. ومعلمه .. الذي ترك له ميراثاً رائعاً ممثلاً في علامات الطريق التي وضعها له ... ونصائح تفيده طوال عمره ..
وبرحيل الموحوم شوقي بك .. تكون حقبة هامة من حياة عبد الوهاب قد انقضت .. وبهذا انتهى المسلسل .. وكان يجب أن ينتهي عند هذا الحد ... وذلك إجلالاً للوالد الروحي .. الذي إليه يكتب فضل رعاية رشيدة .. وتنمية موهبة فذة .. قد لا تتكرر مرة أخرى ..
وبهذا تكون حقبة ثرية من حياة موسيقار الأجيال قد انتهت .. وهي لو حسبناها نجدها بالتمام نصف عمره آنذاك .. فقد حكى الموسيقار مشوار حوالي 31 واحد وثلاثين عاماً من حياته .. وكان عمره أثناء إذاعة المسلسل حوالي 62 عاماً .. ومع أنه في هذا العمر كان عبد الوهاب قد تجاوز سن المعاش الحكومي .. لكن الفترة التي تلتها كانت فترة ثرية بالألحان .. والأغاني .. وفيها حول عبد الوهاب مساره أكثر من مرة .. وكان النجاح يبحث عنه .. ليسابق معه الزمن .. وموجز لهذه الفترة التالية تجدونها في الكتيب الصغير المرفق .. الذي نعرضه عليكم بعد إجراء بعض التصويبات والإضافات على شكل ملف PDF..
ولم يكن عبد الوهاب هو الشخص الوحيد .. الذي أثر في وجدانه رحيل أمير الشعراء ... لكن كان لهذا الرحيل أثراً كبيراً على الكثير من الشعراء .. وانتقي لحضراتكم أحدى قصائد الرثاء .. التي جاد بها شعراء العصر .. وهي قصيدوة نظمها كامل الشناوي ..
فى وداع شـوقى
*****
هذه المرئية كتبها الشاعر كامل الشناوي وهو فى حدود العشرين من عمره يبكى فيها الشاعر الخالد أحمد شوقي
ملأ الحياة ترنما ً وهديلا *** وقضى . . . فروعها بكا ً وعويلا
من أسكر بالنعى معللاً ً *** نفسى . . بشكى فى الذى قد قيلا
حتى رأيت بكل روض ٍ وحشة ً *** تركته مهصور الغصون محيلا
ولمحت أسراب الطيور حزينة ً *** خرساء لا شدوا ولا ترتيلا
فشعرت بالجلى يدب دبيبهـا *** لا خاليًا أبقت ولا ما هـو لا
واذن فقد أقوت مغانى الشعر *** فى الدنيا وبات لواؤه محـلولا
وإذن فقد ذهب الزمان بخير ما *** جاد الزمان . . أجب فصبرى عيلا
شوقى . . دعوتك أن تجيب فلبنى *** إنى عهدتك للدعـاء قبـولا
قد روع الدنيـا رداك فعزهـا *** فى خطبهـا الدامى وعز النيلا
يايوم شوقى لم نجد لك فى الزمان *** ولا لشوقى فى الزمـان مثيلا
روعت دنيا لا يزال يروعهـا *** أن لن ترى عنك الغداة بيلا
كم معشر ٍ كفروا بمجدك ضلة ً *** فأتيتهم بالمعجزات دليلا
فأتم معجزة النهـى وابعث لنـا *** من شعرك المعى الفناء رسولا
ياطالما ساءلت قبلك من مضوا *** كنه الحمام . . وسره المجهولا
فلتخبر الأحياء عن سر الذى *** لاقيت وارفع ستره المسدولا
كم مرة أصيت لى فرثيت للفنان *** يقضى فى الحياة خمولا
يجتاحنى الألم الدفين فأرتمى *** سكران مشبوب الجوى مذهـولا
فإذا صحوت صحا الأسى بجوانحي *** وبكيت من حزن عليك طويلا
نم فى ظلال بديع شعرك واطرح *** عبء الحياة فكم أراه ثقيلا
تحنو عليك من النعيم سحابة *** تسقى رفاتك بكرةً وأصيلا
ياليت شعرى كيف حال الشعر *** الأخرى وهل حاله فى الأولى
أم أن فى كنف الخلود وفيئه *** ظلا لأرباب البيان ظليلا
يلقون يه العبء عن اكتافهم *** وكفكفون المدمع المبذولا ؟
!
أترككم كي نلتقي في الحلقة الثامنة والعشرين .. لنستكمل حكاية حياة الموسيقار .. ونستمع له من السرد الشيق للأحداث
مع أطيب التمنيات بحسن الاستمتاع .... 


أ.د. لطفي أحمد عبد اللطيف