انت عمري ..لقاء السحاب
الجزء الثالث
الليلة الكبرى ..لقاء السحاب..
المكان : مسرح حديقة الأزبكية
الزمان : مساء الخميس 6 فبراير 1964 فجر الجمعة
80 مليون عربي كانوا يلتفون حول أجهزة الراديو هذا المساء ينتظرون في شوق ولهفة المولود الجديد ..
وبعد منتصف الليل بأربعين دقيقة ..بدأت الفرقة الموسيقية عزف مقدمة الأغنية لينطلق صوت أم كلثوم بعد دقائق عبر الأثير يعلن وصول المولود الجديد ..
كان يوم الخميس هذا يوماً حافلاً بالنسبة للثلاثة الذين قدموا هذا العمل الضخم بعد طول انتظار..
أم كلثوم أجرت بروفة مع عبد الوهاب حتى الظهر ..ثم نامت هي وانطلق هو بسيارته إلى المقابر حيث زار قبر أمه ..وهذه هي عادة عبد الوهاب عندما يقدم على عمل يهتم به . وفي الثالثة بعد الظهر عاد عبد الوهاب إلى المنزل ..ونام حتى المساء ..
اتجهت كل الأنظار في الصالة إلى البنوار رقم (9) شمال عندما دخلت فيه السيدة نهلة القدسي ..كانت العيون تنتظر أن تراها مع الموسيقار عبد الوهاب.. ولكن عبد الوهاب لم يكن مع زوجته في هذا الوقت.. فقد ذهبت هي مع بعض أقاربها وظل هو في البيت..يستمع الى الحفل من جهاز راديو صغير..
وبدأت الحفلة.. وأخذ حسين شاش يقدم الحفل للجمهور عبر الأثير ..وانفرج الستار عن أم كلثوم التي كانت ترتدي فستاناً من الشيفون الأخضر الزيتوني ، تحلي صدره فصوص من الكريستال. .واختفى البروش الماسي من فوق صدر أم كلثوم في هذه الحفلة.
وبدأت كوكب الشرق تتغنى بلحن (كل ليلة وكل يوم) .. وكأنما كانت هذه ساعة الصفر.. فقد قام عبد الوهاب ليستعد للخروج فأعدت له سعاد مديرة البيت البالطو والطربوش بينما هو يتمتم بآيات من القرآن الكريم...
وانطلقت السيارة تحمل عبد الوهاب الى مسرح الأزبكية.
وصلت السيارة الى المسرح ودخل عبد الوهاب من باب الكواليس وعندها انتهت الأغنية ودخلت أم كلثوم الى الكواليس .. فهنأها عبد الوهاب.. ثم دخلت الى حجرتها.. وأسرع هو الى خشبة المسرح فاستبقى الموسيقيين وبدأ- من خلف الستار- يجري معهم البروفات الأخيرة .. وقد ركز عبد الوهاب اهتمامه في إجراء بروفات على المقدمة الموسيقية بالذات وعلى تغييرالمقدمة الموسيقية لكوبليه "الليالي الحلوة والشوق والمحبة" والتي كانت قد سجلت في الأستوديو بشكل آخر.
وجلست كوكب الشرق في حجرتها تتلو لنفسها بعض آيات القرآن... وفي الثانية عشرة والنصف قامت وتوجهت الى خشبة المسرح حيث اشتركت مع الموسيقار عبد الوهاب في البروفات الأخيرة...
وفي الساعة الثانية عشرة و40 دقيقة رفع الستار عن ام كلثوم ..بعدما قدمها جلال معوض لمستمعيها عبر الأثير .. بينما كان الموسيقار عبد الوهاب خلف الديكور الذي يحيط بأم كلثوم وفرقتها.. لم يكن يفصل عبد الوهاب عن أم كلثوم سوى ستة أمتار على الأكثر..
ومع بداية المقدمة الموسيقية بدأ عبد الوهاب يسمع من خلف الكواليس وقلبه يخفق.. كانت يداه لا تكفان عن الحركة وشفتاه ترددان آيات القرآن..
وصفق الناس للمقدمة الموسيقية.. صفقوا لدرجة انهم قاطعوها منذ بدايتها فاضطرت الفرقة الموسيقية الى اعادتها وأخذ عبد الوهاب نفساً طويلاً وهو يرفع رأسه الى أعلى شاكراً الله ..
وأعيدت المقدمة الموسيقية بعد ذلك مرتين.. والناس تصفق .. وعبد الوهاب واقف خلف الديكور.. وقلبه يهدأ رويداً رويداً والابتسامة تأخذ طريقها الى وجهه.. والقلق يغادر مسرح الأزبكية كله.. وبدأت أم كلثوم تغني.. والناس تتمايل طرباً .. وعبد الوهاب في مكانه في الظلام يتمايل هو الآخر.. لقد بكى عبد الوهاب .. لم يستطع منع دموعه من أن تنفلت وهو يسمع الناس تستزيد أم كلثوم.. حتى أعادت المذهب 4 مرات..
لقد استغرقت المقدمة الموسيقية 9 دقائق.. استرد عبد الوهاب خلالها كثيراً من هدوئه.. ثم جاء المذهب وصفق الناس مقاطعين أكثر من مرة.. فازداد هدوء عبد الوهاب...
وبعد 40 دقيقة من بدء الأغنية كان عبد الوهاب سعيداً جداً.. فأسرع يرتدي البالطو والطربوش ليكمل سماع الأغنية في البيت..
وأسرع عبد الوهاب الى حجرته ليستمع الى بقية الأغنية من المذياع .. وانتهت الأغنية عند الساعة الثانية وخمسين دقيقة .. وبعد دقائق دق جرس التليفون ..
كانت أم كلثوم تتحدث من مسرح الأزبكية وطلبت من عبد الوهاب أن يتوجه فوراً الى المسرح.. وسألها عبد الوهاب مندهشاً: ( ليه ؟ ) .. وأجابته ( بس تعالى .. عايزاك تحيي الناس ) وفهم عبد الوهاب أن كوكب الشرق تريده أن يظهر معها على المسرح ليحي الجمهور بعد انتهاء الحفلة .. فاعتذر لها بلباقة ..
ودق جرس التليفون مرة أخرى.. كان فريد الأطرش يدعوه للانضمام إلى ضيوفه من الفنانين الذين قضوا سهرتهم مع لحنه وصوت أم كلثوم..
واتجه عبد الوهاب الى بيت فريد الأطرش.. كانت الساعة قد بلغت الثالثة والنصف..كان موجوداً ..الشاعر كامل الشناوي وصلاح ذو الفقار وجلال معوض الذي وصل إلى بيت فريد بعد تقديمه إنت عمري ،إضافة إلى أحمد فراج و ليلى فوزي وسعيد أبو بكر ثم انضمت إليهم نهلة القدسي بعد عودتها من مسرح الأزبكية .
الكل أبدى إعحابه باللحن والأداء والكلمات ..وظل الجميع يتسامرون..حتى الفجر ..وكانت الساعة تقترب من الخامسة والنصف عندما عاد عبد الوهاب إلى بيته وهو يقول :
إنني أريد رأي الناس ..الناس ..الجمهور في كل مكان .
في الجزء الرابع والأخير:
ماذا كتبت الصحافة عن الحفل؟
ملا حظة : صور هذه المشاركة من إهداء الدكتور محمد الباز