رد: في الجَـوّ ريحـة مـوت
أول كلامي سلام ..
العزيزين كمال وهشام ..
الحقيقة أن في مقال د. محمد السيد سعيد المنشور هنا قدر لا بأس به مما يستحق المناقشة والتمحيص.
فالمظاهرات والمسيرات الشعبية التي هتفت ضد الحكومة المصرية وسياساتها تجاه غزة تصور كأنها تحركات هندستها قوي مشبوهة تتعمد العداء لمصر.. ولو افترضنا أن ذلك صحيح فكيف نفسر تدفق السخط والرفض للسياسات المصرية في عدد من الدول العربية المتباعدة جغرافياً وسياسياً، ومن حيث طبيعة تجاربها الوطنية، بُعد المغرب عن سوريا والسودان عن لبنان؟
أنا لا أرى في موقف الحكومة المصرية مثالية لا يراها غيري ولا أدعي أن ما قامت به بلغ لا حد الكمال ولا حتى حد الكفاية ، ولكني أزعم في ذات الوقت أن على كل دولة وعلى كل فرد من الثلاثمائة مليون عربي والألف مليون مسلم دور لم يقم أي منهم به على الوجه الأكمل (أنا هنا لم أوسع الدائرة لتشمل البلايين الثلاثة من المؤمنين بالله ، فمن يهمني هنا هم الناطقون بالعربية منهم). وبالتالي فأنا أقلب استفسار الدكتور سعيد على وجه مختلف.
إذا كان الأمر كما سبق وهو ما أشار إليه أيضا الدكتور سعيد في مقاله فلماذا مظاهرات الغضب ضد مصر تحديدا رغم أن حكومات هذه الدول ذاتها مقصرة؟؟ ألا يشير هذا بوضوح إلى أن هذه المظاهرات مُرَتـَّبة ومُهـَندَسة؟ لا أتفق مع التبرير المعلب بأن الدافع هو العداء لمصر ولكن الدافع هنا على ما يبدو هو البحث عن كبش فداء يبعد أصابع الاتهام عن حكومات تلك الدول، شيء أشبه باللص الذي يعدو بالمسروقات من اتجاه ويزرع أحد معاونيه ليقود مطارديه للاتجاه الخاطئ فيضللهم.
ثانيا: إن سياسة مصر، حتي فيما يتعلق بأمر جزئي للغاية، وهو معبر رفح، غير مفهومة وغير مقبولة، خاصة أثناء حملات التجويع والتدمير الإسرائيلية، والتفسير «الأسهل» هو التواطؤ.
هنا أيضا توجد مشكلة في خطاب الدكتور سعيد. فمع كل الاحترام لوجهة نظره ولوجهات نظر الملايين من المطالبين بفتح المعابر على مصاريعها فإنني لا أرى في هذا السياق موقفا أصح وأقدر على خدمة الأهداف العربية من الموقف الرسمي المصري (أنا هنا أتحدث عن الموقف المجرد ولا أبحث في الدوافع أو أفتش في النوايا). إن إسرائيل تضغط منذ فترة وتضيق الخناق على أهل فلسطين عموما وأهل غزة بشكل أكثر كثافة محاولة سد كل سبل العيش الكريم من حولهم في أرضهم، وهي في ذات الوقت تطرح مشروعا (ليس سريا بالمناسبة) لتوطينهم في سيناء.
نحن إذا بصدد محاولة تهجير جديدة أشبه ما تكون بما جرى قبل النكبة وإبانها ، وأزعم أن من يتصدى محاولا الضغط من أجل تسهيل خروج الفلسطينيين من غزة إنما يشارك دون أن يدري في التمهيد لعملية تهويد للأرض وعملية تهجير واسعة وخلق مشكلة لاجئين جديدة. خروج الفلسطينيين من غزة أو الضفة وعودتهم إليها يجب أن يكون منظما وبدقة حتى لا نخلق المشكلة ثم نحتار في حلها. أنا أعلم أنني أكتب هذا في الوقت الذي تتسارع فيه الأخبار عن بدء الهجوم البري البربري على غزة وبالتالي ربما أبدو منزوع العاطفة. لكن في ذات الوقت .. من كان لديه حل أفضل فليقدمه. دعونا ياسادة نفكر حينا بعيدا عن العاطفة وبعيدا عن عقلية القطيع التي كثيرا ما تحكمنا وتجرنا في الاتجاه الخاطئ معظم الأحيان.
تحياتي
محمود
__________________
علموا قلب الحجر يوصف معارك الانتصار
علموه يبقى سفير الدهر ليهم بالفخار
كان نهار الدنيا مطلعش وهنا عز النهار
....
|