- يا سلاااااام .. باين عليها حتكون ليلة جميلة
هكذا نطق محمود ذكي سري أفندي بهذه الكلمات وهو يجذب نفسا
عميقا ويملأ رئتيه بشذى زهور الياسمين التي كانت تظهر أمامه من حين لآخر
وهو يطل من داخل العربة الحنطور التي كانت تقله مع أربعة رجال من
أصدقائه إلى طريقهم الأسبوعي المعتاد لقضاء سهرة جديدة من سهراتهم الممتعة .
همس محمود أفندي إلى آخر كان يجلس بجواره قائلا :
- أعتقد أن محمد المرجوشي بك مش حيقدر ييجي الليلادي .
التفت محمد حامد نحوه وأجابه متسائلا ويده تتحسس رباط
عنقه الجديد :
- وإيه يعني السبب اللي خلاك تفكر في كده يا محمود أفندي ؟
وقبل أن يجيبه سبقه الشيخ محمد عبد المطلب الذي كان يجلس
في مواجهة محمود وقال بنبرة تهكم :
- محمود أفندي دايما عنده أخبار كل واحد مننا حتى قبل ما
الواحد يعرف أخبار نفسه .
تنحنح محمود أفندي وقال موجها حديثه للشيخ محمد :
- دي بقى تريقة ولا مدح يا شيخ محمد ؟ على كل
حال مش عيب إن الواحد يطمن على أصدقائه .
أجابه الشيخ محمد في الحال وهو يميل نحوه :
- ومين اللي قال عيب يا سي محمود .. ده أنا بس كنت عايز
أستثير غدد أخبارك .. حاكم طول ما أنا وياك لا بحتاج أشتري
أهرام ولا دياولو .
لم يعلق محمود أفندي على كلمات الشيخ محمد لكنه مضى في
حديثه قائلا :
- إمبارح سمعت إن المرجوشي بك بيمر بوعكة صحية.
هز توفيق عمران رأسه وقال بنبرة استنكار وهو
يصلح من وضع الطربوش الذي كان يعلو رأسه :
-الراجل ده ساكن تحت طربوشه وسواس خناس .. كل ليلة
يستفرد بيه ويقوله .. حاسب على صحتك وبلاش سهر و
خروج على الفاضي والمليان .. الأمراض عمالة تعربد في
شوارع المحروسة وحواريها .
لمعت عين الشيخ محمد وهو يلتفت وينظر مليا لتوفيق عمران
الذي كان يجلس بجواره وقال له بنبرة ماكرة :
-أنت السبب يا سي توفيق .. النوبة اللي فاتت وبالعاني حطيت
بوزك في بوز المرجوشي بك الغلبان ورحت عاطس حتة عطسة
.. اتهيأ لي ساعتها إن شنبك طار .. أي والله
اعتدل توفيق أفندي في مقعده وهتف قائلا للشيخ محمد :
- يعني كنت بلاش أعطس يا شيخ محمد ولا إيه !
أجابه الشيخ محمد بطريقته الأزهرية المرحة :
- تعطس في عز الحر يا عديم الزكام يا خالي من البرد والضمير ؟!! .
ابتسم محمد حامد وهو يقول :
-الراجل كان وقتها ماسك في إيده أسطوانة لإمام الطرب
الشيخ السيد الصفتي ..
ثم التفت ناحية توفيق وأضاف قائلا :
-وأول سيادتك ما عطست .. الراجل عنيه احمرت، وشفايفه
ارتعشت وراح رامي الأسطوانة وطلع منديله بسرعة ودفسه
في مناخيره.
هتف الشيخ محمد مكملا بنبرة مرحة:
- راح عمك الصفتي يا روحي نزل على الأرض فتافيت
فتافيت .. كل فتفوته عديك كانت بتنوح وبتقول ..
بافتكارك إيه يفيد .. وبعطاسك نستفيد
انفجر الجميع في الضحك حتى سائق العربة كان يردد في سره :
- الله يجازيك يا شيخ محمد
أخيرا توقفت العربة أمام منزل كانت تحيط به حديقة صغيرة، ودلف الرجال
الأربعة من البوابة الخارجية إلى ممر الحديقة ، وكانت ابتسامة مصطفى بك
رضا صاحب المنزل في انتظار الترحيب بهم قبل أن يصطحبهم البك إلى
غرفة الجلوس الفسيحة التي كانت تشرف على حديقة المنزل الخلفية ،
هناك كان في انتظارهم عدد آخر من الأصدقاء ..
خلال دقائق بدأت أصوات الترحيب والسلامات والقفشات تحتل المكان
..نهض صفر بك علي وحسن مراد الملا أفندي للترحيب بالقادمين بينما
كان الأفنديانمحمد كامل رشدي ونجيب ماضي يرتبان في خزانة صفوف
أسطوانات الجرامافون الجديدة التي كان قد أحضرها مصطفى بك .
أما عبد الخالق عياد أفندي فقد اتخذ كرسيا بجوار الفونغرافحيث كان يملؤه
الحماس في أن يبدأ هذه السهرة بأسطوانة يرى أنها تستحق منهم الاستماع
إليها والاستمتاع بها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
لندع
هؤلاء المحترمين يستمعون للجرامافون ويستمتعون بسهرتهم
((( ولنبدأ معا الحكاية من البداية)))
في الحقيقة
ما سبق من أحداث هو من نسج خيالي وأردت بهذه المقدمة
أن أتخيل معكم إحدى جلسات هؤلاء الرجال الذين كان
لهم فضل كبير على موسيقانا العربية الأصيلة، وربما تتشابه
الأحداث وتكرر نفسها ففي كل زمان ينهض الأبناء للحفاظ
على تراث هذه الأمة فيبذلون كل جهد لتحقيق ذلك الهدف
النبيل وهذا يذكرنا طبعا
بمنتدانا العزيز وأعضائه الكرام المحترمين الذين يبذلون
كل جهدهم لتحقيق هذا الهدف النبيل .
سنتعرف علي
حكاية
حضرة صاحب الفخامة
هذه القصة الممتعة والفريدة المدعمة بالكثير من الصور النادرة
واخيرا
ما سيأتي بعد ذلك من أحداث فهو حقيقي ولا دخل للخيال فيه على الإطلاق
