عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 05/11/2008, 16h47
الصورة الرمزية د أنس البن
د أنس البن د أنس البن غير متصل  
نهـر العطاء
رقم العضوية:688
 
تاريخ التسجيل: March 2006
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 8,310
افتراضي رد: عالـم قـريش ـ السـيرة الشافعـيه ـ أنس البن

@ فى باحة القصر وبعد صلاة العشاء صفت موائد الطعام .. ابتهاجا بالنصر على الراوندية والقضاء على فلولهم واستئصال شأفتهم .. كانت فرحة الناس غامرة بهذا النصر فهؤلاء وأمثالهم من أصحاب البدع والزنادقة أشبه بالأورام الخبيثة فى جسد الإسلام .. يتخذون الإسلام واجهة يختبئون وراءها وهم أكثر عداء له وأشد خصومة ولددا عليه من أعدائه المعروفين الظاهرين ..
كانت الموائد على هيئة دوائر متفرقه تتوسطها المائدة الرئيسية التى أعدت لأمير المؤمنين وكبار رجال الدولة .. بدت كأنها شمس فى فلكها تحيط بها الكواكب .. جلس الخليفة المنصور ومن حوله الأمراء وقادة الجيش وكبار أعوانه .. وعلى الموائد المحيطة به جلس الجند والحراس والجلاوزه وهم صغار الحجاب .. ومن حولهم عامة الناس وكلهم فى انتظار أن يبدأ أمير المؤمنين الطعام حتى يمدوا أيديهم إليه .. لم يكن من الجائز لأحد مهما كانت منزلته أن يضع يده فى الطعام قبل أمير المؤمنين ..
ظلوا يرقبونه وهو ساكن مكانه لا يتحرك منه شئ سوى عيناه وهما تدوران فى رأسه على الحاضرين يتأمل وجوههم متفرسا فيها كأنه يبحث عن أحد منهم بعينه .. كان يبدو قلقا رغم سعادته بالقضاء على طائفة الراونديه وفجأة صرخ فيمن حوله متسائلا فى حدة .....
ـ أين الفارس الملثم الذى كان يقاتل معنا .. كيف لا أراه هنا بيننا يشاركنا فرحة النصر العظيم ؟!.
أخذ يكرر السؤال مرة بعد أخرى , والقوم ساكنون كأن على رؤوسهم الطير لا يجرؤ واحد منهم أن ينبس ببنت شفه ..
ــ ألم تسمعوا قولى ؟!. أقول أين الفارس الملثم .. هل ابتلعته الأرض أم كان شبحا هذا الذى رأيته فى ساحة القتال !. لم لا يجيبنى أحد منكم !. هل خرستم جميعا !. تكلم يا كبير الحجاب أنت آخر واحد رأيته أخبرنى إلى أين ذهب ؟!.
ــ لا علم عندى يا مولاى .. ما كادت المعركة تنتهى .. حتى اختفى فجأة كما أتى ..
عاد الصمت يخيم مرة أخرى على المكان .. وأخيرا قطع هذا الصمت الكئيب القائد الكبير أبو الخصيب .. أحد المقربين من المنصور قائلا بصوت مرتعش خائف . إنه يعرف غضب المنصور وما يتبعه من ويلات ومصائب لمن يتعرض له ....
ــ مولاى أمير المؤمنين إذا أذنت لى ؟!.
ــ نعم يا أبا الخصيب .. تكلم .. هل تعرف هوية هذا الملثم .. هل تعلم عنه شيئا ؟!.
ــ أجل يا أمير المؤمنين .. أعرف ؟!.
ــ وتعرف مكانه ؟!.
ــ أجل يا مولاى ..
ــ فيم الصمت إذن ؟!.
ــ سأتكلم يا مولاى ... لكن !.
ــ لكن ماذا يا رجل , تكلم إن كنت تعلم شيئا ؟!.
ــ الأمان يا مولاى ..
ــ الأمان !. لمن . لك أنت ؟!.
ــ بل له يا مولاى .. الأمان وسيكون هنا فى الحال بين يديك طوع أمرك ورهن إشارتك ..
رد المنصور مستنكرا ....
ــ أعطيه عهدا بالأمان .. ويكون طوع أمرى ورهن إشارتى !. ماذا تعنى أيها القائد .. أفصح عما يعنيه كلامك هذا . لم يطلب الأمان .. أهو من أعدائنا !. لقد كان يقاتل صباح اليوم كالأسد الهصور .. ليس هذا فحسب !. بل كان يقوم على حمايتنا والزود عنا.. إن عيناه لم تغفل عنا لحظة واحده !! لقد أبلى أحسن البلاء .. إنى والله لفى عجب من كلامك هـذا !!..
ــ الأمان يا مولاى .. وستقف على حقيقة كل شئ ؟!.
ــ أعطيناه الأمان .. أشهدكم أيها القوم أن هذا الفارس الذى لا أعرف هويته آمن وأنه من حلفائنا . هل يرضيه هــذا يا أبا الخصيب ؟!.
خرج أبو الخصيب على الفور .. بينما سادت همهمة بين الجالسين لم تهدأ إلا بعد أن رجع ومن ورائه الفارس الملثم .. ساد الصمت والسكون مرة أخرى لم يقطعه إلا صوت المنصور وهو يقول آمرا ....
ــ من أنت ؟!. إكشف اللثام عن وجهك أيها الفارس الهمام حتى نتعرف عليك ويراك القوم ..
أخذ المنصور يدقق النظر فى وجه الفارس بعد أن كشف اللثام .. ظل يتفرس فى ملامحه طويلا مدققا .. وإذا به يتذكره بعد أن مرت لحظات كأنها دهر والقوم كلهم فى ترقب .. وأخيرا قطع الصمت قائلا بنبرات هادئة أخذت تعلوا شيئا فشيئا ....
ــ من أرى أمامى . أنت ؟!. بعد كل هذه السنوات الطوال معن بن زائدة الشيبانى !. بشحمه ولحمه يقف أمامى .. آه لو ظفرت بك يا معن قبل اليوم عشر سنوات وأنا أبحث عنك .. كنت والله أعد لك ميتة .. ما ذاقها أحد من قبل .. لكم تمنيت أن أبعث بك إلى حيث يرقد الخرسانى وابن هبيره فى قاع جهنم ..
فى تلك اللحظة جثا معن على ركبتيه مطرقا رأسه قائلا فى ذل وانكـسار ....
ــ مولاى أمير المؤمنين .. والله ما أخفانى عنك كل هذه السنوات إلا حيائى من لقائك وخوفى من غضبك .. وهأنذا الآن بين يديك .. راض بما تحكم به على ..
ــ إنهض أيها الفارس .. أنسيت أنا أعطيناك الأمان .. ثم إنك أبليت اليوم أحسن البلاء وأزلت ببسالتك وزودك عنا ما كنت أحمله من غضب عليك ..
ــ خادمك المطيع يا مولاى ورهن إشارتك .. أنا لم أفعل إلا ما هو واجب على كل جندى من جنودك تجاهك يا مولاى ..
ــ دعنا من هذا الآن .. وأخبرنى بما كان من أمرك ..
ــ عندما كنت فى صفوف الأمويين أقاتل مع يزيد بن هبيره لم يكن ذلك عن عداء منى لكم يا مولاى كما ظننتم .. ولكن عدائى كان لأبى مسلم .. لم أقصد أبدا مقاومة ثورتكم ضد بنى أميه ..
ــ كيف ذلك وما سبب عدائك للخرسانى كما تزعم ؟!.
ــ كنت أعلم عن غدره ودهائه الكثير .. وكنت على يقين أيضا من أنه يبنى مجده هو .. وأن بلاءه معكم لم يكن إلا وسيلة يصل بها إلى تحقيق أطماعه .. إن الله تعالى ألهم مولاى أمير المؤمنين فأدرك هذه الحقيقة .. وتخلص منه قبل أن يبلغ مراده ويتم كيده ..
ــ لم إذن قتلت القائد قحطبة بن شبيب ؟!.
ــ الله وحده يعلم أنى برئ من هذه التهمة يا مولاى .. وهذا الذى جعلنى أختفى عنكم كل هذه السنين .. كنت أعلم مدى حبكم وإعزازكم لهذا القائد العظيم ..
ــ إذا لم تكن أنت قاتله فما هى حقيقة الأمر ؟!.
ــ الحقيقة يا مولاى التى لا يعرفها أحد سواى والله شاهد على صدق قولى أن قاتل حبيب بن قحطبه هو رفيقه وصاحبه حرب بن سالم .. طعنه وألقى به فى نهر الفرات كى يتخلص منه .. ثم ما لبث أن لقى حتفه هو الآخر بعد ذلك .. لينطوى معه هذا السر إلى الأبد ..
ــ أواثق أنت من كلامك هذا ؟!.
ــ أجل يا مولاى والله ما قلت لك غير الصدق .. لقد طمست هذه الحقيقة وضاعت .. إلا أن أبا مسلم الخائن وجدها فرصة لكى يتخلص منى للأبد فألصق بى هذه التهمة كذبا وزورا .. وحرك تلك الوشاية الظالمه كى تصل إليك ..
ــ أجل . أجل أعتقد أنك صادق فيما تقول .. كم قلت لشقيقى الراحل أن يأخذ حذره من هذا الثعلب القادم من خراسان .. غير أنه كان يحمد له بلاءه معنا فى ثورتنا ضد آخر حكام بنى أميه .. ومع ذلك كنت على يقين أنه ينتظر فرصة مواتية ليثب على كرسى الخلافه .. أيها الفارس معن بن زائده لتعلم أنك من اليوم صرت فى عداد رجالنا المخلصين .. وأن تتولى إمارة اليمن .. كما أمرنا لك بعشرة آلاف درهم ..
إنتهزها أحد الجالسين فرصة وكان من أولئك الشعراء المداحين الذين يرتجلون الشعر فى هذه المناسبات .. هب واقفا وهو ينظر للمنصور قائلا ...
ــ هل تأذن يا مولاى أن أنشدكم شيئا مما نظمته من شعر فى أبا الوليد معن بن زائدة الشيبانى ؟!.
ــ لا بأس يا ابن أبى حفصه .. أسمعنا ما نظمته ..
ــ السمع والطاعة يا أمير المؤمنين .........
معن بن زائدة الذى زيدت به ؛ شرفا على شرف بنو شيبان ..
ما زلت يوم الهاشمية معلنا ؛ بالسيف دون خليفة الرحمن ..
فمنعت حوزته وكنت وقائه ؛ من كــل وقــع مهند وسنان ..

يتبع إن شاء الله ........................
__________________
أحرث حقول المعرفه
لتقطف سنبلة الفهم
التى بذرتها
رد مع اقتباس