عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 27/10/2008, 16h56
الصورة الرمزية Sami Dorbez
Sami Dorbez Sami Dorbez غير متصل  
كابتن المنتدى
رقم العضوية:18625
 
تاريخ التسجيل: March 2007
الجنسية: تونسية
الإقامة: تونس
العمر: 47
المشاركات: 1,757
افتراضي

ثورة الأهلة

أما زلت تصبو إلى قربها رويدا فما أنت من صحبها
تخطيت سبعا من المثقلات بما لست تدري إلى حبها
تركت الأهلة عن جانبيك حيارى تشكى إلى ربها
أكانت سدى كل تلك السنين و قد هدنا السير في دربها
أيطوي مداها إلى حبه فتى ما رأيناه في ركبها
تخطيت سبعا فكم من ضحى و كم من مساء و ليل بها
و كم نبضة من فؤاد التي تشوقت للعطف من قلبها
أما زلت مستسلما للأنين رويدا فعهدي بها لا تلين
و هل تسمع الشهر إن قلته و في مسمعيها ضجيج السنين
أطلت على السبع من قبل عش رين عاما و ما كنت إلا جنين
و أمسى و لم تدر أنت الغرام هواها حديث الورى أجمعين
لقد نبأوها بهذا الهوى فقالت و ما أكثر العاشقين
أما زلت في غفلة يا حزين أحبت سواك ففيم الحنين
حرام عليها هنيء الرقاد أتغفو و ما أنت في النائمين


العش المهجور


بمنحى من مراقبة العيون و منأى عن متابعة الظنون
و في ظل النخيل حطام عش تلفع بالأزاهر و الغصون
ترحل طائراه فبارت خلوا عميق الحزن متصل السكون
يكاد نسيجه عشبا وزهرا يبوح بما يسر من الأنين
يحن إلى الجداول و الروابي و ضاكة السهول و الحزون
لقد ذهب الذي سلاه عنها فعاد إلى التشوق و الحنين
كأن العش حين خلا و أقوى و متا به صدى النغم الحنون
غدير جف غاربه و ماتت أغاني موجه المرح المعين
كأن قشاشة أوتار عود مكفنة بها جثث اللحون
و أبدل من ظعين قد تولى بما لم يسله حب الظعين
إذا متع النهار أوت إليه ظلال النخل ناعسة الجفون
و يطرقه شعاع النجم و هنا و ضوء البدر حينا بعد حين
طروق الذكريات فؤاد صب كثير الشجو منقطع الوتين
تمر به النسائم هامسات فتنشر فيه عطر الياسمين
و توقظ في جوانبه الأغاني عذاب الجرس فاتنة الرنين
و كم غمرته أنفاس الخزامى قد امتزجت بدمع ندي هتون
و ربة وحشة تأوي إليه إذا أوت الطيور إلى الوكون
ليشبهني مثل حالي و شأن في الغرام حكى شؤون
فقلبي لا يزال قرين شجو متى هفت القلوب إلى قرين
إذا الأحلام زرن عيون غيري تزور العبرة الحرى عيوني
يكاد العش إن هتفت صدوح يبادلها غناء شج حزين
و ليل نام سامره اكتئابا أثار له الخفي من الشجون
و أذكره ليالي ذاهبات فغص من الكآبة بالدجون


ذبول أزهار الدفلى

لذع الأوام أزاهر الدفل فذوت كما يذوي سنا المقل
كانت تعير النهر حمرتها فيضيء فيه الموج كالشعل
كانت تعير النهر حلتها فيسير في وشى من الحلل
كم زينت بالأمس لبته بقلائد المرجان و القبل
و اليوم أطفىء نورها و خبا فكأنها لم تند أو تمل
و اليوم أصبح عقدها بددا فرأيت جيد النهر في عطل
و لكم مررت بزهرة ذبلت فبكيت حين بكيتها أملي
و سقيتها بالراحتين كما تسقي السحابة تربة الطلل
فتراعشت في غصنها و هوت و مضى النسيم بها على عجل
يا عين أين أزاهر الدفل مري بجانب نهرها و سلى
لرجوت لو دامت غضارتها وصل التي وعدت فلم تصل
قد كان وشك ذبولها أجلا للملتقى ففجعت بالأرجل
و لكنت آمل أن أقبلها واعب خمرة حسنها الثمل
أما و قد ذبلت فلا أمل لي باللقاء فكيف بالقبل


فجر السلام

لا شهوة الموت في أعراق جزار تقوى عليها ولا سيل من النار
الموت أزهى سدا من أن يشابكها وهي التي مدت الموتى بأعمار
وهي التى لمت الأحقاب واعتصرت مما انطوى في دجاها فيض أنوار
ومست الصخر فاخضلت جوانبه بالسيل الغض والريحان والنار
هذي اليد السمحة البيضاء كم مسحت جرحا وكم أزهت أنفاس جبار
وأطلقت في الدجى الأعمى حمامتها بيضاء كالمشعل الوهاج في غار
كأنما فجرت ماء لظامئة أو أطلعت كوكبا يأتمه الساري
سل تاجر الموت كيف اصطك من فزع لما رآها وكم أودت بتجار
وسمرت نعش طاغوت بما شرعت كفاه من خنجر يدمى وأظفار
أما كفاه الذي امتصت على مهل أنيابه من دم الغرثان والعاري
وما طفا عن شفاه الطفل من لبن أو حلمة المومس الشوهاء من عار
فانقض من كهفه الداجي ليبعثها شعواء كالبحر ان دوى باعصار
حتى اذا امتار من أعمار مددا واقتات مما ستحيا عمره الهاري
أهوى على ظهر لم يقض يعصره عن سلعة تعبر سلعة الدنيا فدولار
عيون وراء المدى تنام و ترجو الغدا
دفوق السنا باسطا لأحلى رؤاها يدا
ستجبلها ولقعا نقيا كذوب الندى
يكفر عما جنت عصور طواها الردى
أيفزعها المجرمون بما أشرعوا من مدى
كأن سياجا يقام ليحجز عنها الغدا
و في الحقل بين الظلال عذارى حملن السلال
لهن الهوى و الغناء و للظالمين الغلال
فبعد الشقاء المرير وغب الليالي الطوال
دنا موعد للحصاد فغنينه للرجال
أيحسدهن الطغاة على منه للخيال
على ضحكة للربيع و أنشودة للتلال
و شيخ يرب الحفيد بأنباء قطر بعيد
تحدى حراب الغزاة و غيبها في الجليد
فأنبت منها سنابل ضوء الصباح الوليد
هنالك يبني الحياة كما شاء جيل سعيد
عمالقة بالفعال ورواد كون جديد
و آلهة يخلقون آلهة من عبيد
هنالك يرن السلام كأهداب طفل ينام
و يضحط ملء الحقول و في أغنيات الغرام
و ينبض حيث المعامل يجرحن قلب الظلام
و في المدن الضاحيات يندس وسط الزحام
و حيث التقت و هي ترنو عيون الورى في وئام
برغم اللظى و الحديد نمت زهرة للسلام
و انداح من لجة الليل التي شحبت شدق يزيد اتساعا كلما اقتربا
كأن مقبرة طال الزمان بها وازلزت فهي تبدي جوفها الخربا
تعلقت أعظم الموتى به ورنت ألحظها الحور فيما يشبه الغضبا
كأنما صرت الأسنان من حنق شيئا و سخرية منها بمن نكبا
كأن كل قتيل رغم سكرته بالصمت يسأل أما أثكلت وأبا
وزوجة و بنين استقتلوا و أخا من كان فيما لقينا من ردى سببا
شدق يزيد اتساعا كلما رفعت ستر الدجى خفقت من كوكب غربا
آلى على الأرض أن يجتث عاليها سفلا و يصفع من يأتي بمن ذهبا
و لا يريق دما إلا و أضرمه نارا و ذرى رمادا منه أو لهبا
تسعى به الريح في الآفاق ناسجة للشمس من جذوة أو من دم حجبا
فالجو مقبرة كبرى معلقة تستعرض الشمس في ذراتها الحقبا
و الأرض كالأبرص المنبوذ هرأة داء و عانى عليه الجوع و التعبا
تكدست فوقها الأجساد ناضحة قيحا ودوى عويل الناس و اصطخبا
من كل رافعة جيدا كأن يدا جبارة جاذبيه الطول فانجذبا
وانمط مثل عجين الرخو مرضعها لصق الثرى و اكفهر الوجه و انقلبا
و هي التي بالأمس كانت كما رجى خيال للهوى الأول
يموج في مرآتها ظلها سوسنة بيضاء في جدول
و كان نهداها إذا رنحت ريح الصبا من ثوبها المخمل
يشف تكويراهما عن سنا يطفو بطوقيها إلى المجتلى
كم عاشق كانت أمانيه أن يرتشف النور على جيدها
كان يغذيها إذا قطبت بالروح و الآمال في عيدها
يا زهرة عاشقها لم يذد من زعزع هبت لتبديدها
لو كان يهواك ارتمي دونها سدا و نجاك بتصعيدها
ظل لقابييل ألقى عبء ظلمته فحما يسود البرايا حوله القلق
فحما تصدى له الباغي بمقلته يذكيه منها لظى يخبو و يأتلق
إذا تضرم فاندك الفضاء جذى غضبى و نش الدم الفوار و العرق
وانقض من حيث تهوى الشمس غاربة ليل من القاصفات السود أو شفق
جن الرضيع الذي يحبو وهب على رجليه يعدو ويلوي جسمه اعنق
من فرط ما طال و استرخى و قد صهرت أعراقه الزرق نارا فيه تختنق
كأن كفيه مذراتا ثرى و دم لا ما يمد ابن عام لفه الغسق
و لألأ البدر فاستدناه و انبسطت يمناه بالشوق حتى أظلم الأفق
و أزلزت لثة الشيخ التي هرئت من شدقه الأدرد المغفور تندلق
تنساح كاللعنه السوداء يطلقها بعد الردى نسله المطموس و الحنق
يا ربما سرت الموتى بأن هلكوا قذائف كعيون الجن تنطلق
شدت عليها يد عجفاء يدفعها حقد ويقتات من أعصابها فرق
شلت يدا طالما التفت أصابعها ثم ارتخت عن وليد بات يختنق
و استجهضت كل أنثى و هي تعضبها و استدفأت باللظى و المدن تحترق
و قوست من ظهور كي يطاولها قزح يلج ارتفاعا و هي تنسحق
و تطل من أفق يفتحه الشروق إلى الحافي
أيد تشير إلى الرقاب المشرئبة لا تخافي
لن يفصد الجلاد عرقا من عروقك لارتشاف
أيد تلوح بالسلام كأن موشكه الضحايا
تكتال منهن البقاء كأن أحضان الصبايا
أودعتها الأطفال لما ينطفوا حذر المنايا
و لكم تناقلت المعابر و الدروب صدى نداء
تتشابك الرغبات مثب الغاب فيه على رجاء
هو معبر الأجيال من خطر يهم إلى نجاء
تعوي الذئاب و ما يزال يجيش كالدم في العروق
يند العواء و يدفع المقل الغضاب عن الطريق
و يظل يطفئها كما انطفأت بقايا من حريق
و يظل يخفق بالسلام كأنما نشرت جناحا
فيه الحمامة يلطم الظلماء فانفرطت و لاحا
من شقها الألق الحبيس و ظل ينطف ثم ساحا
صور لنفسك في الخيال أباك في وسط الحريق
يدعوك بالصوت الأبح وقد تخبط كالغريق
و يمد من خلل الدخان يديه يبحث عن طريق
و انظر لأمك و هي ترقد في التراب على قفاها
تتجاذب العقبان ثديي ها و يفقا ناظراها
و تلق من دمها الكلاب و ينخر الدود الشفاها
و تمل زوجك و هي تركض بين أشباح الجياع
شعثاء تلهث و الرياح تصكها دون انقطاع
حملت قميصك في ذراع و الرضيعة في ذراع
أو جثة ابنك و هي تزحف دون رأس في الدماء
أو مرضع ابنتك الممزق و هو يسحق بالحذاء
ورفات موتاك الرميم وقد تناثر في الهواء
و إذا رأيت عيون جير تك الرضية المحار
ترتج غضبى في قرارة جدول ضحل القرار
أفلا تطاردك العيون أما تبصك في احتقار
صور لنفسك في الخيال أباك في ليل الشتاء
و كأنما ردت عليه صباه أخيلة الصلاء
ما زال يقرأ و الصغار يضاحكونك في الخفاء
و انظر لأمك وهي تنصت أي عجب يزدهيها
عادت إلى الصوت الرتيب إلى الغوابر من سنيها
و تمثلته فتى يجمع ساعديه و يحتويها
و ابسط لزوجك و انتشلها و هي تلهث في الرخام
كفا ستختم إذ تو قع بالمداد على السلام
فرج الجراح فتوقف ال دم و الدموع عن انسجام
الشاطيء الضحاك و الأ صداء و القمر الطروي
سكران يغرق في جدا ئلها و تهمسه الطيوب
و تضمها و يطل من خلل العيون مدى رحيب
تتنفس الأضواء فيه كأنما سمعت غناء
حلو الرنين فراقصته هناك أجنحة اراءى
بيضاء يتبعها الص غار بأعين تندى أخاء
ليل العبودية النكراء صدعه مهوى طواغيت و استبسال ثوار
حتى إذا شمر الباغي ليرأبه شقا بأن يصهر الأجساد بالنار
هبت أعاصير تذرو ما تؤججه في وجهه الراعب النضاح اللعار
و استيقظ الشرق عملاقا تموج على عينيه دنيا من الأحقاد و الثار
يرمي و يرمي و يسعى نحو غايته في لجة من دجى غضبى و أنوار
تطفو عليها الضحايا أو تغوص إلى أعماقها بين تيار و تيار
راياته الداميات الظافرات كوى حمراء ينشق عنها سجنه الضاري
ألقى بها السلم في وجه الطغاة ردى و في صعيد الضحايا حمر أزهار
و حطموا أفوق الغل الذي سحبوا كي يطرقوا منه تابوتا لجبار
حيث اشرأبت على جرف الردى أمم شدت إلى الصخر إلا بعض أحرار
و ابتاع بالدرهم المجبول من دمها فيض الدم الثر منها شر تجار
و استأجروها لصنع الموت منه لها بالزاد يبقى دما فيها لجزار
أعمارها مثل بئر للدم ابتلعت جيلا سواها بهن ابتاعه الشاري
و تطل من أفق يفتحه الشروق إلى الحفافي
أيد تشير إلى الرقاب المشرئبة لا تخافي
لن يفصد الجلاد عرقا من عروقك لارتشاف
و لكم تناقلت المعابر و الدروب صدى نداء
تتشابك الرغبات مثل الغاب فيه على رجاء
هو معبر الأجيال من خطر يهم إلى نجاء
ما زال يخفق بالسلام كأنما نشرت جناحا
فيه الحمامة يلطم الظلماء فانفطرت و لاحا
من شقها الألق الحبيس و ظل ينعطف ثم ساحا


ظلال الحب

والعصر مخضوب البنان و أزهار الحقل الحسان
و الصبح يملأ بالندى عطرا سلال الأقحوان
و البدر و هو مظله لليل تمتلك افتناني
إن الفؤاد لفي ضلال من هواه و في هوان
ما داخل الحب الفؤا د فعاد بيتا للأماني
أو بات في روض و أص بح باسما نضر المجاني
هبط النعيم و ساكنيه فرده خلو المغاني
سل عنه أزهار الحقول على جداولها حواني
سل زهرة التفاح ضا حكة الأسرة و المعاني
يا زهرة التفاح هلا تخبرين عن الجنان
يوم استفز بها الهوى فلبين باتا يخفقان
اروي لنا نبأ ( الطريد ) فأنت راوية الزمان
أغوته ( حواء ) فمد يديه نحو الأفعوان
ثمر يحرمه الإله عليهما و يحللان
ذاقا فكانا ظالمين فكيف يجزي الظالمان
وبدا الموارى منهما فإذا هنالك سوءتان
و عليهما طفقا من الو رق المهدل يخصفان
يا بؤس من فضح الإله و لم يزده سوى الهوان
لم يعرف الدوح الخريف و نزع أوراق حسان
حتى نضى ورقاته العاشقان الآثمان

من أغاني الربيع

حلم بآفاق السرور رسمته أجنحة الطيور
و بشائر فوق الربى بين الخمائل في الصدور
و نسائم رقصت على زهر الجنائن و الغدير
و فراشة قد روحت عن زهرة الحقل النضير
تعلو و تهبط في الرياض كأنها نغم الحبور
الفجر يبني للندى و كنا جميلا في الزهور
فلنبن من قبلاتنا للحب عشا في الثغور


حورية النهر

نفوس معذبه هائمة تخبط في الظلمة القاتمة
أجد لها الليل أحزانها و تذكار أيامها الباسمة
فسارت تفتش عن حبها و تنشد لذاتها الدائمة
و أسرى بها تحت جنح الظلام زوارق في اللجة الغائمة
إذا ما تلوث على الشاطئين من النهر أمواجه اللاطمه
و أرسى على مائه زورق تؤرجحه النسمة الحالمة
أطلت على النهر حورية فأغوته بالنظرة الساهمة
فأغواره و هي أوطانها بواك على فقدها نادمة
و أمواجه و هي أترابها جئت تحت أقدامها لاثمه
أحورية النهر غضي العيون و كوني بملاحة راحمه
تسيرين في زورق من ظلال فتدفعه النسمة الناعمة
و مجدافك اخترته من ضي اء النجوم على اللجة القاتمة
و أطربت النهر و الضفتين أغان و قيثارة ناغمة
لقد حق أن تسحر الكائنات وتستل آهاتها الجاثمة
فأوتارها شعرك العسجدي و أنت الموقعة الباسمة
رأى النهر مصرع ملاحه بعينيك أيتها الظالمة
رآك فهيأ مجدافه و أسلم زورقه للظلام
يثير إذا سار عزم الميا ه فتطلق عن جانبيه السهام
طغى الموج و ارتد يطوي الظلال فلم يبق للعين إلا القتام
فيا زورقا من ظلال تلاشى بحورية ليس ترعى الذمام
أخلفت ملاحنا وحده و للموج في الشاطئين احتدام
و حورية النهر ما خلفت سوى أغنيات تثير الغرام
يجاري اختلاجاتها زورق و موج و قلب حواه الهيام
و نهر تمازج أمواهه و يحملها رغوة إذ تنام
و نجم يعشى الدجى ضوءه كنبع على ثغره العشب نام
و يقتاف آثارها زورق و ملاحه الشارد المستهام
يطالعه طيف حورية من الموج يختال في الابتسام
فمن كل صوب سرى خالها هناك و إن سار ألفى الظلام
أوهما يرى لا فذا صوتها ينتهي فتعيد المياه الكلام
و لاحت له أعين مشفقات محدقة من وراء الغمام
تنادي به ظللتك الخطوب و قادتك نحو الردى و الحمام
و لكن أذنيه لم تسمعا حديث السماوات حيث السلام
جرى وهو ليس له غاية سوى أن يجدف حتى الصباح
و يقفو على الماء ضوء النجوم و يصرع أشجانه بالنواح
لقد حطم الليل مجدافه و هيض الشراع بعصف الرياح
وقد أطفأ الموج مصباحه فصاح و لم يجد ذاك الصياح
تبرمت يا ليل بالبائسين فزل و اترك الصبح يأسو الجراح
و نادى وقد مد كلتا يديه لقد حان يا أرض عنك الرواح
فيا شاطئا كان مأوى الغريب إذا مل طول السرى فاسترح
وداعا وداع الشقي الحزين سيسر إلى الموت بعد الكفاح
و يا زمج الماء خدن السفين سمير الشراع الطروب الصداح
كلانا يحن إلى تربه فطر لي فإني مهيض الجناح
و يا أنجم الليل يا عودي إذا القلب في الليل بالداء طاح
إذا ما خبا نوركن الوضيء أسى و تألق نجم الصباح
فحدثنه عن فتى في الدجى طواه العباب وحب الملاح
رأى -ويح عينيه- حورية فجن بها ساعة ثم راح
فقد يخبر النجم عنه الرعاة فيبكون حزنا و تبكي البطاح
و مات الشقي الحزين فعادت تكفنه بالشراع الرياح


رثاء القطيع

لقد حدثوني بموت القطيع فشدت على القلب كف الألم
رأيتك تبكين بين الثرى و تستصرخين رعاة الغنم
و حولك سرب من الراعيات يخففن عنك الضنى و السأم
أما أرقت عين هذا التراب دموع لها فوقه منسجم
من الأعين الحور ينبوعها فهل تصبح اليوم تحت القدم
لقد زوقت تحت أيدي الأصيل سفوح الروابي بظل القمم
و قد حوم النوم حول الغدير فما بال أزهاره لم تنم
و أمواجه أخلدت للسكون فمات على ضفتيه النغم
و كانت تغني بحجر النسيم إذا لفها موهنا و استجم
أحزنا على ما أصاب القطيع رفيق هواها عراها السقم
و مالك لا تملأين المروج ابتساما فإن الربيع ابتسم
و فوق الثرى ذاب قوس السحاب فبادت على جانبيه الظلم
رياض كما يشتهي العاشقون و ما صور الفن منذ القدم
و نور سها شفاه الزهور و نهر عليه الذهول ارتسم
أحزنا على ما أصاب القطيع أليف الروابي اعتراك الألم
سأبكي وقد كنت تستضحكين إذا الدمع من ناظري انسجم


؟؟؟

و أي خير في الهوى كله إن كنتما بالحب لا تعلمان
يا زهرتي قد مت يا زهرتي آه على من يعشق الأقحوان
لولا التي أعطيت سحر اسمها ما بت استوحيك سحر البيان

شاعر

كفن بالأوراق آهاته وارتد يرثيها بآياته
واستأسرت أبياته روحه فطاف يبكي حول أبياته
غنى ليصطاد حبيباته فاصطاد أسماء حبيباته
إن تبك عينيه صباباته أبكي عيونا بصباباته
ساعاته في شعره خلدت ما باله يندب ساعاته
و هو إذا ما أن من لوعة رجع كل الكون أناته
إن دس تحت الترب جثمانه وكف قلب بين طياته
خلف قلبا بين أشعاره يسمع من في الأرض دقاته


المساء الأخير

برب الهوى يا شمس لا تتعجلي لعلي أراها قبل ساع الترحل
سريت فأفق الغرب يلقلك باسما طروبا و أفق الشرق بادي التذلل
كأن السنا إذ فارق الأرض و اعتلى رؤوس الروابي و النخيل المسبل
أحاسيس أخفاها الفؤاد وصانها زمانا ففاضت من عيون و مقول
و صفصافة مخضوبة الرأس بالسنا تراع بزفزاف من الريح معول
تبين كعذراء من الريف أقبلت بجرتها من دافق الماء سلسل
نعى لي و للناس النهار ( مؤذن ) وقد كان ينعي لي قؤادي و مأملي
تمنيته لا يسمع الصوت أخرسا تمنيت لو يهوي إلى الأرض من عل
ألا وقرت آذان من يسمعونه بأشلاء قلب في ضلوعي مقتل
ألا نثرت من تحت أقدامه أسى حجارة ذاك المسجد المتبتل
أطرت عصافير الربى حين غادرت كأن بتغريد العصافير مقتلي
رأيت بها بدهر مجنح فأبغضت أشباه العدو المنكل
كأنى به لما يمد جناحه يمد لأكباد الورى حد فيصل
ألا ليت عمر اليوم يزداد ساعة ليزداد عمر الوصل نظرة معجل


خيالك


لظلك لو يعلم الجدول على العذب من مائه منزل
يمر به القلب مر الغريب و يهفو له الحب و المأمل
بأفيائه تحلم الذكريات و يشدو الخيال و يسترسل
وقفت حزينا لدى الضفتين و حولي زهور المنى تذبل
وقد رف ظلك فوق المياه وجالت بأعطافه الشمأل
ففي الموج مما رأى هزة يحار لها الشاطيء الممحل
و سرحت عيني في مقلتين يسدد سهميها الجدول
غرام فهل تنكرين الغرام وحب و هل منه لي موئل
تمنيت لو كنت ريحا تمر على ظل و لهى فلا تعذل
و يستأسر الموج إغراؤها و ترديدها النائح المرسل
فتمضي و يمضي به للسماء غماما بأرجائها يرفل
فأخلو بظلك بين النجوم وقد جال فيها الدجى المسبل
ففي كل تقبيلة نجمه تغور أو كوكب يذهل
خيالك من أهلي الأقربين أبر و إن كان لا يعقل
أبي منه قد جردتني النساء و أمي طواها الردى طواها الردى المعجل
و ما لي من الدهر إلا رضاك فرحماك فالدهر لا يعدل


يا ليل

ليت الليالي تنسي قلبي الألما و النجم ينبئها عني بما علما
لعينيك يا ليل سر لا تبوح به أغمضت عنه عيون الناس فانكتما
إلا عيوني ما أغمضت ساهدها فبتن يرقبن منك النوء و الظلما
قد اتقيت أذاها فاستثرت لها دمعا لهت فيه عما فيك منسجما
صحبت فيك سرى الأحلام مفزعها و عذبها فطويت الغور و الأكما
فما التقتيت بمن أهوى أتحسبها يقظى لديك فما أهدتها حلما
و هل نعمت من الدنيا برؤيتها أما احترقت فأفزعت النجوم أما
ألم تخنك الدراري مذ شغفن بها و كيف وارين غرب الدمع حين هما
ترى هل الأرض مأواها و موطنها أم السماء نمتها فهي بنت سما
من السنا و الندى و الزهر منزلها على الثرى من ندي الغيم قد رسما
إن الأهلية شيء من أرائكها و الفجر مرآتها ما رف مبتسما
و ساءلتك و غرب الدمع سامرها عني فألفتك قد أوليتها صمما
فردت الطرف نحو الغيم حائرة فارتد بارقة يجلو لها الظلما
وهزت الأفق السهران باحثة عني وبت أهز القلب مضطرما
فما نجومك و هي النيرات سوى آثار أقدامها تروي لك الألما
و ما أغانيك و هي الخالدات سوى أشتات قلبي تروي حبه نغما
أما سئمت من الآهات نرسلها نارا و قلبك من قلبي أما سئما
ضم الفؤادين لم تبق النوى بهما ما يستطيع حياة إن هما انصرما


تحية القرية

شفني من ربوعك النضرات فتنة تستعيدها نظراتي
في رياض النخيل يجمع فيها الفجر شمل الضياء بعد شتات
فإذا الروض فتنة تتجلى من صناع الأنامل المبدعات
أخذت جليها الطبيعة فيه وبدت في غلائل عطرات
توجت بالزهور مفرقها الجدول رب الخمائل الهامسات
و انثنت تستحث ماشطة الريح و تبدي النجيل للماشطات
و المروج الحسان هامت عليها حرق من تنهدات الرعاة
و العذارى بين الربى يتهادين ندي النوار و الزهرات
و الغدير الوسنان ظلله الكرم و اصبى امواجه الموهنات
منظر تستخف ألوانه الطير فتزجي ألحانها الساحرات
و هدوء الحقول تلقى لديه النفس ما ترتجيه من غايات
فهو نور يهدي سفائن فكاري ألى ما وراء بحر الحياة
قترى المبدع المصور فيما حولها من جنائن موثقات
في ابتسام الرياض للمد و الجزر لطوفان عذبى النغمات
يحملان الحديث عن مرقص البحر و حور الشواطىء اللاعبات
و عن الشط و النخيل السكارى في الليالي القمراء و المظلمات
رنحتها الأنسام لما سقتها العطر في أكؤس الندى المترعات
وقروط الأغداق تهتز أغراق لفلك شوارع جاريات
صور تسجد النفوس لديها وتضج القلوب بالصلوات
أينما دار ناظري طالعتني فتنة تستعيدها نظراتي


تنهدات

سعف النخيل على الممر تهدل و أحجب بظلك ما يراه المجتلى
من كنت أحذر أن تحجب طيفها عن ناظري نزلت بأبعد منزل
سيان عندي اليوم قفر موحش و ظلال روض مستطاب المنهل
فسل النسائم أن تكف عن السرى ما للفؤاد بسيرها من مأمل
إن أقبلت بشذى الزهور و لم يكن عطر الحبيبة فيه فلتتحول
أبدا تذكرني المروج بمن نأت وربابة الراعي تهيج الشوق لي
في كل زاوية نظرت رأيت من آثارها ما خلفته لمقلتي
فإذا سهوت على ثغاء قطيعها يشكو أساه بلوعة و تذلل
قد ودعته فما شفاه وداعها من حرقة في صدره لم ترحل
ألقت بمسمعه ثمالة شدوها فرنا بغرب دموعها المترسل
حففت لو ودعتها بعض الأسى و مسحت بعض دموع قلب مثقل
و الدوح عصفره الخريف ورده كالعاشق المتحرق المتذلل
نشر الأصيل عليه عمق سكونه فمضى يحن لأغنيات البلبل
فكأنما الورقات مرآة له تجلو اصفرار سمائه للمجتلي
أأروح و هو يظلني و حبيبتي و أعوذ وحدي وهو غير مظللي
سعف النخيل سواك خان مودتي و بقيت تحفظها لمن لا ينسلي
أشكو إليك أذى الفؤاد و إن تكن لا ترجع الشكوى لصب مبتلى
تمضي الحبيبة و الزمان كلاهما و أظل أندبها و تصغي أنت لي


الذكرى

أطللت من نافذة الذكريات على رياض القدم الحالمات
و لي زمان عرضت لي به أجمل حلم أبدعته الحياة
أركض في أمحائها لاهيا مع الفراشات بمس النبات
وأسهر الليلة مع جدول مرتعش للنسم الفاترات
يا لهفي إن وراء الربى صوتا دعاني هو صوت الرعاة
و كيف آتيك جنان الهوى يوما ودوني حجب مانعات
دعا صباباتي لضفاته غدير ذكرى مائج الأمنيات
حدقت في أمواجه ساعة مستطلعا أغواره المبهمات
أرى ظلال السحب تقبيله مرت على جبهته في أناة
و السحب هل أنكرتها إنها كانت نهيرا شاعري اللهاة
ملء فروع الدوح ألحانه سكرى على قرع كؤوس الحصاو
نمنا على أعشاب ضفاته مختلسين القبل المسكرات
نحو الغدير العذب مدت يدي تلمس فيه السحب العائمات
فانفجرت منها فقاعاته في إثر أتراب لها سابقات
إني سمعت الحور في همسة مسحورة أصداؤها عاتبات
تلك عقود الحور بعثرتها فهل أتتك المتع الذاهبات
و صرخة الأطفال من غوره يا أيها القاسي فجرت الكرات
ودوحة الذكرى تسلقتها مجتذبا أغصانها المزهرات
مستقصيا ما بينها فجوة تمر منها النسم الهائمات
أبصرت منها ذكريات الصبا على نجيل المرج مستلقيات
و البحر يسعى دونها زافرا فالموج آهات حطمن الصفاة
يا مرج هل تذكرني راعيا أعبد فيك الله و الراعيات
و البحر ما كان سوى جدول ينير في الليل سبيل الرعاة
فما دهاه اليوم حتى غدا ملحا أجاجا بعد عذب فرات
أحقبة نضجر من طولها و إنها طرفة عين الحياة
قالت الدوحة لا تبتئس ستهبط المرج ففيم الشاكاة
هاك جناحين فطر وائته و استوح فيه المتع الطارئات
و قدمت بين دموع الندى فرعين من أغصانها المورقات
غنى الخريف الغاب ألحانه فانتثرت أوراقه راقصات
وقبل أن أدرك ما أبتغي ذوي جناحاي مع الذاويات



أغنية السلوان

تباعدنا فلا حزن على ما ضاع من قرب
و ليس الحب إلا الرحلة استلت قوى القلب
و هل يلقي انتهاء السفر الملاح في كرب
إذا ما راح يطوي اليم نحو الشاطيء الخصب
نفضنا قطرات الوصل بين الورد و العشب
إذا ما اهتزت الزهرة ألقت بالندى العذب
و أفردنا و في الإفراد بعض الخير للصب
تعيش الزهرة الفيناء في المنبسط الرحب
و تقضي وحشة الأيام بالتحديق في السحب
تنام على وسادة الشوك نائة عن الترب
و لا ترمقها عين فتنجو من أذى العطب
و إما زهرتان استوتا جنبا إلى جنب
سرت نجواهما تنسل بين العطر في السهب
فتسمعها الفراشات وراء التل و الشعب
فتضرب في الفضاء الرحب نحو المنبت الرطب
إذا ما ركض الطفل وراء فراشة السرب
فلاذت بصدور الزهر بعد الحوم و الجوب
فشأن الزهرتين القطف و الإذعان للخطب
عناق الحب فاجأه هوي المنجل الغضب
فيا للقبلة المشلولة الأصداء بالرعب
و كنا لوحتى نافذة في هيكل الحب
فلو لم نقترق لم ينقذ النور إلى القلب
و كنا كجناحي طائر في الأفق الرحب
فلولا النشر و التفريق لارتد إلى الترب
و لولا لم نبتعد لم تسم نفسانا عن الذنب
و كنا شفتي هذا القضاء مفرق الصحب
فلو ننفرج لم تضحك الأقدار من كربي


همسك الهاني

خيالك أضحى لابسا من فؤاديا رداء موشى بالرؤى البيض حاليا
و كنت كذاك الطائر الخادع الذي يراه رعاة البهم في المرج هاويا
فيعدون بين العشب و الزهر نحوه و إن رعاة قاربوه طار جذلان شاديا
فما زال في إسفافه و انطلاقه فلا هو بالنائي و لا كان دانيا
و ما زال يلهي راعيا عن قطيعه و مزماره حتى يضل المساريا
و إنك قد أشغلتني صانك الهوى عن الشعر لما أن تبعتك راضيا
و إن على مرآة شعري سحابة لأنفاسك الولهى تغشى المرائيا
و إن رغب الروح انطلاقا أعاقه صدى روحك الرخو الجناحين داعيا
و همسك ألهاني فما بت سامعا لحون إله الشر أو بت واعيا
و قيثارتي ما شأنها و أناملي بشعرك باتت عابثات لواهيا
ألا يتسنى يا ابنة الحب ساعة لروحي أن ترقى النهود العواريا
فتلمح من عليائها أفق فتنة يوافيه إشعاع من الحب زاهيا
سأهتف بالأشعار إما رأيته و أستقبل الإلهام سهلا مواتيا
متى حومت في أفق ثغرك قبلة يصعدها ثغري فقد زال ما بيا
و عدت لرب الشعر جذلان سامعا حفيف جناحيه ينادي خياليا



يوم السفر

من لقلبي على اقدر قضي الأمر بالسفر
آه لو أنه مضى معهم يتبع الأثر
أترى كان ينثني عن محبيه لو قدر
من معيبي على الغرام إذا ضج أو زخر
زحم القلب موجة فعنا القلب و انقهر
أسفا زورق المنى وسط أمواجه اندثر
أقبلت فتنة الفؤاد و في عينها الخبر
عبرات على التراب تهاوين في ضجر
إنها خمرة الغرام سقينا بها الحجر
يوم أن لاح انها لحرام على البشر
إنه يومنا الأخير عن الفرقة انحسر
خلديه بقبلة تصرف الهم و الكدر
لذة تنتقي و ذكرى ستبقى مدى العمر
لن أرى جنة الهوى لا ولن أقطف الثمر
من شفاه حوالم برؤى اللثم كالزهر
و بعيد عن البلوغ لقاء و إن قصر
قد جلت ساعة الوداع شتاتا من الصور
أدمع فابتسامتان فيأس فمصطبر


إليك شكاتي

لغيرك لم يخفق فؤادي و لا هفا بجنبي فلب ضارب في التفجع
ولا ذرفت عيناي دمعا إذا جرت بوادره طاف اشتياقي بمدمعي
فرحماك لا تستترفي دمع ناظري فدمعي إذا ما هاجني الشوق مفزعي
يسير بأحلامي لوديان حبها فترتد بالطيف الحبيب لمضجعي
به أذكر الحب القديم فإن نأى تبينت في فقد الحبيبين مصرعي
ولولا خيال في الدجى منك عادني لذاب مع الأنفاس قلب بأضلعي
فيا نفحة للحب ملء جوانحي و يا نبأة للوحي طافت بمسمعي
إليك شكاتي فامسحي من أضالعي سطور جوى فوق الفؤاد بأدمع
إلى أفق أحلامي ففي سرحاته لنا موعد يحلو فخفي له معي
هناك لروحنا على الحب ملتقى يزوقه طهر الهوى المتضوع
و ما الحب إلا يقظة بعد هجعة فلا تجعليه صحوة المتفجع

التعديل الأخير تم بواسطة : د أنس البن بتاريخ 09/06/2009 الساعة 10h20
رد مع اقتباس