رد: أبو القاسم الشابي
ومن المفارقات المدهشة بروز ظاهرة تثير عدة أسئلة وأظن أنها تحتاج من الباحثين في علم الاجتماع الثقافي دراسات معمقة وهي المتمثلة في عودة العصامية بقوة في بلد يعيش تخمة في عدد الطلبة والجامعيين، والمقصود بذلك أن عددا لا بأس به من الشعراء الشبان لا يمتلكون شهادة الثانوية العامة ويتميزون بكثرة النشر، فتجد الواحد فيهم يمتلك قرابة خمسة مجاميع شعرية وهم غالبا يصدرون في السنة الواحدة مجموعتين شعريتين.
وفي مقابل هذه العصامية الشعرية ومدى قدرة هؤلاء العصاميين على تعويض الوعي المعرفي الناقص والذي لا غنى للموهبة عنه، نجد قائمة من شعراء جيل السبعينات والثمانينات أكاديميين وأيضا معلمين وأعتقد أنها معطيات ذات دلالة وتستفز الباحث لمعالجة نموذجين من الشعراء ومعرفة أدوارهما في ممارسة الفعل الشعري.
وهناك من يرى في ظاهرة النموذج العصامي نتيجة لظاهرة أخرى تتمثل في النشر على النفقة الخاصة ويعتبرون أن استقالة أغلبية دور النشر التونسية، جعلت المجال مفتوحا لكل من هب ودب لاسيما أن وزارة الثقافة تعوض للشاعر «خسارته» بشراء كمية من الكتب.
أما الظاهرة التي قد تثلج صدر الشابي في سبعينيته، فتتعلق بتزايد عدد الشاعرات بشكل لافت للانتباه، بل أنه يمكن القول دون مبالغة أنه قد حصل انفجار نسائي واكتسحت الشاعرات المشهد الشعري كما وكيفا.
من ذلك أن عدد المجموعات الشعرية التي صدرت خلال السنة السابقة بلغ عشرين مجموعة شعرية نسائية وأن تجارب الشاعرات متنوعة حتى في نفس الشكل الشعري الواحد، من ذلك أن الشاعرات اللواتي يكتبن قصيدة النثر كثيرات جدا وهن الأكثر اختلافا، وذلك ربما لطبيعة قصيدة النثر نفسها.
فمثلا فضيلة الشابي التي تكتب دون انقطاع منذ ثلاثة عقود قصيدتها التي تحاور طبيعة العالم تختلف عن قصيدة نجاة العدواني أو رجاء بن حليمة أو إيمان عمارة أو زهرة العبيدي وغيرهن..
لقد جرفتني سبعينية الشابي إلى التحدث إليه عوضا عن التحدث عنه، فتخيلت أني أخبره على عجل عما حصل بعده وذلك دون أن أشبع فضوله أو أقدم تقريرا بدلا عن برقية سريعة، يطغى عليها السرد الحيادي. ولكن أليس الحديث الناقص عادة ما يضرب موعدا لحديث يسد الثغرات؟
|