الموضوع: صالح جودت
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25/06/2008, 19h18
الصورة الرمزية بشير عياد
بشير عياد بشير عياد غير متصل  
رحـمة الله عليه
رقم العضوية:58261
 
تاريخ التسجيل: août 2007
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 2,220
افتراضي

هذه إضافات إلى ما أثبته الزملاء السماعيّون أعلاه ، وإضافتي هي المقال الذي نشرته لي صحيفة " العرب " القطرية ، بتاريخ 23 يونية 2008 م ، في ذكرى رحيل المبدع الكبير صالح جودت ، وأتمنى أن يكون بها شيء جديد :

صالح جودت
المبدعُ الذي جنت مواقِفُه على إبداعاته


القاهرة ـ بشــــــير عيـَّاد

هذا واحد من أهم مبدعي " المنطقة الوسطى " في القرن العشرين ، تلك المنطقة التي تمتد من العام 1933م إلى العام 1975 م ، ولو قسّمنا إبداعاته المختلفة من الشعر الفصيح إلى الأغنية إلى الدراسات النقدية إلى القصة والرواية والسيناريو إلى التراجم إلى الرحلات ... إلخ ، وأعطيناه درجات مناسبة عن كلّ منها ، فإن مجموعه الكُلِّي سيكون ثقيلا ومدهشا ، فما بالنا لو أضفنا إليها الشق الوظيفي المتعلق بالأدب والإعلام ، وأعني به عمله بالإذاعة المصرية في بداياته ، ثم وصوله ـ في نهاية الرحلة ـ إلى منصب نائب رئيس مجلس إدارة " دار الهلال " ورئيس تحرير مجلة " الهلال " صاحبة الاسم الراسخ والتاريخ العريق الشاهق في حقل الثقافة العربية بآدابها وفنونها وسياساتها المتنوعة .
وُلد صالح جودت في الثاني عشر من الشهر الثاني عشر من العام الثاني عشر في القرن العشرين ، أي في ( 12/ 12/ 1912 م ) وكتبتها بالأرقام من باب الطرائف . كان جدّه جودت باشا ( 1813ـ 1894 م ) أديبا وسياسيًّا تـُركيّا مُحنّكا ، وكان وزيرًا بالدولة العثمانية وينشر مؤلفاته بالتركية والعربية والفارسية ، أما ابنه إسماعيل فقد نشأ ثائرًا ولعب دورًا بارزا في مقاومة السلطات التركية فتعرض للاضطهاد والتشريد ففرّ إلى مصرَ ولم يلبثْ أن أحبَّها وأحبّ المصريين وراحَ يمارسُ هوايتـَه في " الثورة " والكفاح من أجل حريَّةِ مصرَ وعزِّتِها ، ويكفي أن نعلم أنه كان واحدًا من أبرز رجال الثورة العرابية ، وطورد وتم القبض عليه ومحاكمته وصدر الحكم بنفيه إلى السودان لمدة ثلاثة أعوام ، لكنهم ارتابوا من وجوده بالسودان خشية أن يمارس دوره هناك في إثارة الناس ضد الخديوي والأتراك والإنجليز ، فأعيد ترحيله إلى تـُركيا ( بلده الأوّل ) ، وهناك أنجب ابنه كمال الدين ( 1882 ) ، وبعد أربعة عشر عاما لم يجد إسماعيل مفرًّا من العودة إلى مصر ، فعاد ( 1896 ) وفي صحبته ابنه اليافع الذي تشرَّبَ الثورة َوحبّ مصر من أبيه ، راح إسماعيل يشتغل بالمحاماة ، ولأنه يمتلك مكتبة منزلية تزخر بأمهات الكتب في الأدب والتاريخ والقانون فقد غرس في ابنه حب القراءة والتثقف ، وسار الابن في مراحله التعليمية بنجاح ليتخرّج في النهاية تخرج مهندسا زراعيا يرتحل في الإقليم المصري من محافظة إلى محافظة ، وبسبب ذلك أصدر كتابا يصف مصر كلها شعرًا ، وُصف بأنه " تحفة أدبية " .
في عام 1908 تزوج كمال الدين سيدة تجمع بين الأصل التركي من ناحية والدها ، والأصل المغربي من ناحية والدتها ، وشاء القدر أن يولد صالح جودت بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية في لحظةِ ما كان أبوه يصارع الموت بالمستشفى ، فأسمته أمه " عبدالرحمن "( على اسم أبيها ) ، ونجح الأطباء في إنقاذ الأب الذي ثار ثورة عارمة ، وقام بتغيير اسم ابنه إلى " صالح " ( تيمُّنًا بشقيقه صالح نجم الأدب والقانون في ذلك الوقت ) وأصدر إعلاما شرعيا بذلك .
عادت الأسرة إلى القاهرة ، وشهدت السنوات الأولى تفوقا ملحوظا لصالح جودت إذ بدأ يكتب تجاربه الشعرية في سنّ السابعة مقلـّدا شوقي ، ثم نال الشهادة الابتدائية قبل أن يكمل العاشرة ، وهو أصغر من نالها في تاريخها ، غير أنه فشل في اجتياز السنة الأولى من المرحلة الثانوية لمدة ثلاثة أعوام متتالية بسبب غروره إذ حيّاهُ مدير المدرسة في اليوم الأوّل ، وأشاد بتفوّقه على الملأ في طابور الصباح ، فأصابه ذلك بالغرور الذي أفقده اتزانه وأضاعه لمدة ثلاثة أعوام ، وكانت الحسنة الوحيدة هي تعرّفه بالموسيقار محمد عبدالوهاب الذي كان معلم الموسيقى بالمدرسة ، ومع انتقال أبيه للعمل بالمنصورة ألحقه هناك بالمدرسة الثانوية فعاد إلى التفوق والمحافظة على ترتيب " الأول " حتى النهاية ، وشاء القدر أن يلتقي على أرض المنصورة بأربعة من الشعراء ، إبراهيم ناجي ( الطبيب ) ، وعلي محمود طه ( المهندس ) ، ومحمد عبدالمعطي الهمشري ومختار الوكيل اللذين كانا زميلين لصالح بالمدرسة الثانوية ، وراح هذا الخماسي يقتنص الوقت كلّه في الشعر والأدب ، وحدث نوع من التلاقي الشديد بين أرواحهم وأخيلتهم ، ومع انتهاء الدراسة الثانوية عادوا جميعا إلى القاهرة ليواصل الشاعران ناجي وطه عملهما ، وليلتحق الثلاثة بالجامعة ، والتحق صالح بكلية التجارة تهرّبا من الأدب بسبب صدمة تلقاها بعد أن ظلّ ينشر ـ وهو في الثانية عشرة ـ لمدة خمسة أعوام ، بدأت بقصيدة مديح ليوسف وهبي وفرقته ، ونُشرت في ثلاث مجلات معـًا ، ثم حدث أن هوجمت أمّ كلثوم فكتب صالح مقالا بديعا في الدفاع عنها وأرسله إلى مجلة " الصباح" فنشروه بتوقيع " الأستاذ الكبير صالــح جودت " ( ربما اختلط عليهم الأمرُ وظنوا أن المُرسل هو عمه ، الأديب ورجل القانون الشهير ، كان مستشارًا وقتها ) ، وظلوا ينشرون له أسبوعيا خمسة أعوام بهذا التوقيع ، وفي مرة ذهب ليتعرّف على رئيس التحرير ، فلما رآه رئيس التحرير سأله : " فين أبوك يا شاطر ؟ " ، فأفهمه صالح أنهُ هو شخصيًّا صالح جودت الذي يرسلُ لهُ المقالات طوال الأعوام الخمسة ، فاحتد رئيس التحرير ولم يمهله دقيقة وقام بطرده من مكتبه بنوع من الاستهزاء والاستهانة ، وكانت الصدمة التي جعلته يقرر الابتعاد عن هذا السلك.

جماعة " أبولـُّو "

التحق الشعراءُ الخمسة بجماعة " أبولـُّو " التي أعلنَ عن تأسيسها في سبتمبر 1932 ، وعقدت اجتماعها الأوّل برئاسة أحمد شوقي في العاشر من أكتوبر 1932 م ( ورحل شوقي بعد أربعة أيام ) ، وكان للجماعة مجلة باسمها أحدثت نوعًا من الحراك الأدبي الكبير بالرغم من توقـّفها بعد خمسة وعشرين عددًا فقط .
فتحت المجلة أحضانها للجميع ، وراحت تنشرُ لهم وتشجّعهم بشكلٍ غير مسبوق ، لدرجة أننا قد نجد للشاعر الواحد أكثر من ثلاثة أعمال في العدد ( وكثيرٌ من الأعمال نلمس فيه روح المجاملة لفرط سذاجته وسطحيته ، وربما كان ذلك من قبيل التشجيع وإعطاء الثقة ) .
أثناء دراسته بكلية التجارة أصدر صالح جودت ديوانه الأول ( مارس 1934 م ) وكان عنوانه " ديوان صالح جودت " ، وفجأة أعلن الاعتزال و" التوبة عن الشعر والعودة إلى المسجد " ، ولكن لم يلتفت إليه أحد إذ ما لبث إبراهيم ناجي أن أعلن اعتزاله أيضا بعد صدور ديوانه الأول " وراء الغمام " ( منتصف أبريل 1934م ) بعد الهجوم الشرس الذي شنـّه ضده الكبيران طه حسين وعباس العقاد ومعسكراهما ، فضاعت تهديدات صالح جودت في غبار الأصداء الطاغية لمعركة ناجي ( وعاد كلاهما إلى الشعر) .
تخرّج صالح جودت في 1937 وعمل مديرًا للبحوث الاقتصادية ببنك مصر ( وليس مديرًا للدعاية ) ، ثم وجد دخله من كتابة القصص والأغاني والبرامج الإذاعية يعادل أربعة أمثال دخله من الوظيفة ، فقرر ترك الوظيفة إلى عمل أقرب إلى الأدب ، فترك البنك إلى جريدة " الأهرام " ليعمل محرِّرًا فنيا صباحًا وسياسيا في المساء ، فقد كان يجيد الترجمة وكانت الجريدة بحاجة إلى أمثاله لتغطية أخبار الحرب العالمية الثانية ، وبالرغم من تعامله مع عدد من الملحنين الكبار أمثال عبدالوهاب ، فإن مجيء فريد الأطرش إلى مصر جعل من صالح جودت واحدًا من أصدقاء فريد وأسرته وبدأ يكتب له ( فصحى وعامية ) ، ومنذ بدايات الإذاعة بدأ صالح يدخل دائرة أضوائها بأشعاره وكلماته المغناة أو بمشاركاته البرامجية ، وقد شارك بقصيدة مغناة في يوم تتويج الملك فاروق ، كما كتب له أنشودة "الفن " التي غناها عبدالوهاب ، وعلى عدة جبهات انتشر اسم صالح جودت وذاعت شهرته ، غير أنه أصيب بمرض نفسي قاتم أدخله مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية لفترة موجعة ، وبعد أن تجاوز محنته عاد أكثر حيوية وأشد قوّة ليواصل ارتقاءه في السلم الصحفي حتى وصل إلى منصب نائب رئيس مجلس إدارة " دار الهلال " ، ورئيس تحرير مجلة " الهلال " العريقة التي وافاه الأجل وهو على رأس أسرتها .
أصدر الشاعر ستة دواوين شعرية ، أولها " ديوان صالح جودت " ( 1934 ) وآخرها " الله ، والنيل ، والحبّ " ( 1975 ) ، وله ست دراسات أدبية في ستة كتب بالغة الثراء ، وله روايتان ، وسبع مجموعات قصصية ، وعدد من كتب الرحلات ، بالإضافة إلى سيناريوهات بعض الأفلام ، أما الغناء فيكفي أن نقول إن جميع الكبار غنوا من أشعاره وكلماته : عبدالوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وليلى مراد ومحمد فوزي وعبدالحليم وشادية وفايزة ووردة.... إلى آخر القائمة ، ولكن تظل " أنشودة الفن " رأس البدايات ، بينما تأتي " الثلاثية المقدسة " ( أم كلثوم ) رأسًا لهرمه الغنائي كلّه .
ومع كلّ هذا التنوّع الإبداعي الثري ، فإنه ـ الإبداع ـ لم يأخذ حقه لا في حياة الرجل ولا بعد وفاته .. لماذا ؟ لأنّ صالح جودت الإنسان جنى على صالح جودت المبدع ، فقد كان صالح جودت ماهرًا في اكتساب الأعداء ، يهاجم بقسوة ، وينتقد بفظاعة ، ويمدح بلا سقف ثم ينقلب في لحظة ، مدح فاروق وأوصله إلى عنان السماء ، ثم مسح به الأرض وتفرّغ لمدح عبدالناصر ، ويكفي أن نعلم أنه الوحيد الذي كتب قصيدة وغنتها أمّ كلثوم يوم أن أعلن عبدالناصر التنحي وهي قصيدة " حبيب الشعب " ( قمْ واسمعْها من أعماقي ) ، وبعد رحيل عبدالناصر انقلب عليه وظلَّ يكيلُ له ولعصره ما وسعه من انتقادات ، وفي المقابل يمدحُ الرئيس السادات ويمنحه ما تيسّر من الصفات والألقاب ، أما المبدعون فلم يسلم من قلمه إلا من رحم ربي خصوصا أهل الشعر الحر أو التجديد ، بالرغم من أنه ـ في بداياته ـ كان متهما بأنه من المجددين ( أبولـُّو ) ، وكان البعض يشبّه كتاباته ضد الشعراء ـ والأدباء بصفة عامة ـ بأنها بلاغات لجهات الأمن ، وأنها " وشايات مُقـَنَّعة " يُراد بها تدمير الآخرين ، وليس أدلّ على ذلك من كونه السبب في منع إذاعة أغنيات نزار قباني بالإذاعة المصرية عقب نشره قصيدته الشهيرة " هوامش على دفتر النكسة " وتعدَّى الأمر ذلك إلى المطالبة بمنعه من دخول مصر ، ولم يرفع الظلم عن نزار إلا عبدالناصر نفسه ، وهناك من المواقف ما يضيق المجال عن حصره .
رحل صالح جودت في الثالث والعشرين من يونية ( حزيران ) 1976م ، وبالرغم من مرور كل هذا الزمن فإن أحدًا لم ينفض الغبار عن تركته الإبداعية الثرية المتنوعة وعلى رأسها الشعر ، فهل سيظل إبداع صالح الأديب يدفع ثمن مواقف صالح جودت الإنسان ؟؟


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهنا ، المقال بإخراج مختلف :

http://basheerayyad.maktoobblog.com/1111132/%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89_%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1_ %D9%83%D8%A8%D9%8A%D8%B1
رد مع اقتباس