بلقيس
1
شُكْراً لَكُمْ
شُكْراً لَكُمْ
فَحبيبتي قُتِلَتْ وصارَ بِوِسْعِكُمْ
أَنْ تَشْربوا كأْساً على قَبْرِ الشَّهيدَةْ
وقَصيدَتي اغْتيلَتْ ..
وَهَلْ مِنْ أُمَّةٍ في الأَرْضِ
ـ إلا نَحْنُ ـ تَغْتالُ القَصيدَةْ ؟
2
بَلْقيسُ ..
كَانَتْ أَجْمَلَ المَلِكاتِ في تاريخِ بَابِلْ
بَلْقيسُ ..
كَانَتْ أَطْوَلَ النَخَلاتِ في أَرْضِ العِراقْ
كَانَتْ إذا تَمْشي ..
تُرافِقُها طَواوِيسٌ
وتَتْبَعُها أَيائِلْ
بَلْقيسُ يا وَجَعي
ويا وَجَعَ القَصيدَةِ حينَ تَلْمَسُها الأَنامِلْ
هلْ يا تُرى
مِنْ بَعْدِ شَعْرِكِ سَوْفَ تَرْتَفِعُ السّنابلْ ؟
يا نينَوَى الخَضْراءَ
يا غَجَريَّتي الشَّقْراءَ
يا أَمْواجَ دِجْلَةَ
تَلْبَسُ في الرَّبيعِ بِساقِها
أَحْلى الخَلاخِلْ
3
قَتَلوكِ يا بِلْقيسُ
أَيَّةُ أُمَّةٍ عَرَبِيَّةٍ
تِلْكَ التي
تَغْتالُ أَصْواتَ البَلابِلْ ؟
أَيْنَ السُمَوْأَلُ ؟
والمُهَلْهَلُ ؟
والغَطاريفُ الأَوائِلْ ؟
فقبائِلٌ أَكَلَتْ قبائِلْ
وثَعالِبٌ قَتَلَتْ ثَعالِبْ
وعناكِبٌ سَحَقَتْ عَناكِبْ
قَسماً بِعَيْنَيْكِ اللَتينِ إليْهما
تَأْوي ملايينُ الكواكِبْ
سأقولُ ـ يا قَمري ـ عَنِ العَرَبِ العَجائِبْ
فَهَلِ البُطولَةُ كِذْبَةٌ عَرَبِيَّةٌ ؟
أَمْ مِثْلُنا التّاريخُ كاذِبْ ؟
4
بَلْقيسُ لا تَتَغَيَّبي عنّي
فإنَّ الشمسَ بَعْدَكِ
لا تُضيءُ على السَّواحِلْ
سأقولُ في التَّحْقيقِ :
إنَّ اللصَّ أصْبَحَ يَرْتدي ثَوْبَ المُقاتِلْ
سَأقولُ في التّحقيقِ :
إنَّ القائِدَ المَوْهوبَ أَصْبَحَ كالمُقاوِلْ
وأَقولُ :
إنَّ حِكايَةَ الإِشْعاعِ ، أَسْخَفُ نُكْتَةٍ قيلَتْ
فَنَحْنُ قبيلَةٌ بَيْنَ القبائِلْ
هذا هوَ التاريخُ يا بِلْقيسُ
كَيْفَ يُفَرِّقُ الإنسان
ما بَيْنَ الحَدائِقِ والمَزابِلْ
5
بَلْقيسُ
أَيَّتها الشَّهيدَةُ والقَصيدَةُ
والمُطَهَّرَةُ النَّقيَّةْ
سَبأٌ تُفَتِّشُ عَنْ مَليكَتِها
فرُدِّي لِلْجماهِيرِ التَّحيَّةْ
يا أَعْظَمَ المَلِكاتِ
يا امْرأَةً تُجَسِّدُ كُلَّ أَمْجادِ العُصورِ السومَريَّةْ
بَلْقيسُ
يا عُصْفورَتي الأَحْلى
ويا أَيْقونَتي الأَغْلى
ويا دَمْعاً تَناثَرَ فوْقَ خَدِّ المَجْدَليَّةْ
أَتُرى ظَلَمْتُكِ إذْ نَقَلْتُكِ
ذاتَ يومٍ منْ ضِفافِ الأَعْظُميَّةْ
بَيْروتُ تَقْتلُ كُلَّ يوْمٍ واحِدً منّا
وتبْحَثُ كُلَّ يوْمٍ عنْ ضَحيَّةْ
والمَوْتُ في فِنْجانِ قَهْوَتِنا
وفي مِفْتاحِ شَقَّتنا ..
وفي أَزْهارِ شُرْفَتِنا ..
وفي أَوْراقِ الجَرائِدِ ..
والحُروفِ الأَبْجَديَّةْ ..
ها نَحْنُ يا بَلْقيسُ
نَدْخُلُ مَرَّةً أُخْرى لِعَصْرِ الجاهِلِيَّةْ
ها نَحْنُ نَدْخُلُ في التَّوَحُّشِ
والتَّخَلُّفِ والبَشَاعَةِ والوَضاعَةْ
نَدْخُلُ مرَّةً أُخْرى
عُصورَ البَرْبَريَّةْ
حيْثُ الكِتابَةُ رِحْلَةٌ
بيْنَ الشَّظِيَّةِ والشَّظِيَّةْ
حيْثُ اغْتيالُ فراشَةٍ في حَقْلِها
صارَ القَضيَّةْ
6
هلْ تَعْرِفونَ حبيبَتي بَلْقيسْ ؟
فَهْيَ أَهْمُّ ما كَتَبوهُ في كُتُبِ الغَرامْ
كانَتْ مَزيجاً رائِعاً
بيْنَ القَطيفَةِ والرُّخامْ
كانَ البَنَفْسَجُ بَيْنَ عيْنيْها
يَنامُ .. ولا يَنامْ
بَلْقيسُ
يا عِطْراً بِذاكِرَتي
ويا قَبْراً يُسافِرُ في الغَمامْ
قَتَلوكِ ، في بَيْروتَ ، مثلَ أي غَزالَةٍ
منْ بَعْدِ ما قَتلوا الكلامْ
بَلْقيسُ لَيْسَتْ هَذه مَرْثِيَّةً
لَكِنْ على العَرَبِ السّلامْ
7
بَلْقيسُ
مُشْتاقونَ مُشْتاقونَ مُشْتاقونْ
والبَيْتُ الصّغيرُ
يَسْأَلُ عَنْ أَميرَتِهِ المُعَطَّرَةِ الذُّيولْ
نُصْغي إلي الأَخْبارِ .. والأَخْبارُ غامِضَةٌ
ولا تَرْوي فضولْ
بَلقيسُ .. مَذْبوحونَ حَتّى العَظْمِ
والأَوْلادُ لا يَدْرونَ ما يَجْري
ولا أَدْري أنا ماذا أَقولْ ؟
هلْ تَقْرَعينَ البابَ بَعْدَ دقائِقٍ ؟
هلْ تَخْلعينَ المِعْطَفَ الشُّتْويَّ ؟
هلْ تأْتينَ باسِمَةً ..
وناضِرَةً ..
ومُشْرِقَةً كأَزْهارِ الحقولْ ؟
8
بَلْقيسُ
إنَّ زُروعَكِ الخَضْراءَ
مازالَتْ على الحِيطانِ باكِيَةً
وَوَجْهُكِ لَمْ يَزَلْ مُتَنَقِّلاً
بَيْنَ المَرايا والسَّتائِرْ
حتى سِجارَتُكِ التي أَشْعَلْتِها
لَمْ تَنْطَفئْ
ودُخانُها
مازالَ يَرْفُضُ أنْ يُسافِرْ
بَلْقيسُ
مَطْعونُونَ مَطْعونونَ في الأَعْماقِ
والأَحْداقُ يَسْكُنها الذّهولْ
بَلْقيسُ
كَيْفَ أَخَذْتِ أَيَّامي وأَحْلامي
وأَلْغَيْتِ الحَدائِقَ والفُصولْ
يا زَوْجتي ..
وحَبيبَتي وقَصيدَتي وضِياءَ عَيْني ..
قَدْ كنْتِ عُصْفوري الجَميلَ
فكَيْفَ هَرُبْتِ يا بَلْقيسُ مِنّي ؟
9
بَلْقيسُ
هذا مَوْعِدُ الشايِ العِرَاقِيُّ المُعَطَّرُ ..
والمُعَتَّقُ كالسُّلافَةْ
فَمَنِ الذي سَيُوَزِّعُ الأَقْداحَ أَيَّتُها الزَّرافَةْ ؟
وَمَنِ الذي نَقَلَ الفُراتَ لِبَيْتِنا
وَوُرودَ دِجْلَةَ والرَّصافَةْ ؟
بَلْقيسُ
إنَّ الحُزْنَ يَثْقُبُني
وَبَيْروتُ التي قَتَلَتْكِ لا تَدْري جَريمَتَها
وبَيْروتُ التي عَشِقَتْكِ
تَجْهَلُ أَنَّها قَتَلَتْ عَشيقَتَها
وأَطْفأَتِ القَمَرْ
10
بَلْقيسً .. يا بَلْقيسُ .. يا بَلقيسْ
كُلُّ غَمامَةٍ تَبْكي عَلَيْكِ
فَمَنْ تُرى يَبْكي عَلَيَّا
بَلْقيسُ كَيْفَ رَحَلْتِ صَامِتَةً
ولَمْ تَضَعي يَدَيْكِ على يَدَيَّا ؟
بَلْقيسُ
كَيْفَ تَرَكْتِنا في الرِّيحِ
نَرْجُفُ مِثْلَ أَوْراقِ الشَّجَرْ ؟
وتَرَكْتِنا ـ نَحْنُ الثلاثَةُ ـ ضَائِعينَ
كَريشَةٍ تَحْتَ المَطَرْ
أَتُراكِ ما فَكَّرْتِ بي ؟
وأنا الذي يَحْتاجُ حُبَّكِ مِثْلَ « زَيْنَبَ » أو « عُمَرْ »
11
بَلْقيسُ
يا كَنْزاً خُرافيَّاً ..
ويا رُمْحاً عِراقيَّاً .. وغابَةُ خَيْزُرانْ
يا مَنْ تَحَدَّيْتِ النُّجومَ تَرَفُّعاً
مِنْ أَيْنَ جِئْتِ بِكُلِّ هذا العُنْفوانْ ؟
بَلْقيسُ أيَّتُها الصَّديقَةُ والرَّفيقَةُ .. والرَّقيقَةُ
مثلَ زَهْرَةِ أُقْحُوانِ ..
ضاقَتْ بنا بيْروتُ ..
ضاقَ بنا البَحْرُ ..
ضاقَ بنا المكانْ
بلْقيسُ ما أنْتِ التي تَتَكَرَّرينَ
فما لِبَلْقيسَ اثْنتانْ ..
12
بَلْقيسُ
تَذْبَحُني التَّفاصيلُ الصَّغيرَةُ في عِلاقَتِنا
وتَجْلِدُني الدَّقائِقُ والثَّواني
فلِكلِّ دَبُّوسٍ صَغيرٍ .. قِصَّةٌ
ولِكُلِّ عُقْدٍ منْ عُقودِكِ قِصَّتانِ
حتّى مَلاقِطُ شَعْرِكِ الذَّهَبيِّ
تَغْمُرُني كَعادَتِها ، بأَمْطارِ الحَنانِ
ويُعَرِّشُ الصَّوْتُ العِراقِيُّ الجَميلُ
على السَّتائِرِ ..
والمَقاعِدِ ..
والأَواني
ومِنَ المَرايا تَطْلُعينَ ..
منَ الخَواتِمِ تَطْلُعينَ ..
منَ القَصيدَةِ تَطْلُعينَ ..
منَ الشُّموعِ ، منَ الكُؤوسِ
منَ النبيذِ الأُرْجُواني
بَلْقيسُ .. يا بَلْقيسُ
لوْ تَدْرينَ ما وَجَعُ المَكانِ
في كُلِّ رُكْنٍ .. أَنْتِ حائِمَةٌ كَعُصْفورٍ
وعابِقَةٌ .. كَغابَةِ بَيْلَسانِ
فَهُناكَ .. كُنْتِ تدَخِّنينَ
هُناكَ .. كُنْتِ تُطالِعينَ
هُناكَ .. كُنْتِ كنَخْلَةٍ تَتَمَشَّطينَ
وتَدْخُلينَ على الضُّيوفِ
كَأَنَّكِ السَّيْفُ اليَماني
بَلْقيسُ
أَيْنَ زُجاجَةُ « الغُيولانِ » ؟ ،
والْوَلاعَةُ الزَّرْقاءَ
أَيْنَ سيجارَةُ الـْ « الكِنْتِ » التي
ما فارَقَتْ شَفَتَيْكِ ؟
أَيْنَ « الهاشِمِيُّ » مُغَنِّياً
فَوْقَ القَوامِ المَهْرجانِ
تَتَذَكَّرُ الأَمْشاطُ ماضِيها
فَيَكْرُجُ دَمْعُها ..
هلْ يا تُرى الأَمْشاطُ مِنْ أَشْواقِها أَيْضاً تُعاني ؟
بَلْقيسُ : صَعْبٌ أنْ أُهاجِرَ مِنْ دَمي
وأنا المُحاصَرُ بيْنَ أَلْسِنَةِ اللّهيبِ
وبيْنَ ألْسِنَةِ الدُّخانِ
13
بَلْقيسُ : أَيَّتُها الأَميرَةْ
ها أَنْتِ تَحْتَرقينَ .. في حَرْبِ العَشيرَةِ والعَشيرَةْ
ماذا سَأَكْتُبُ عَنْ رَحيلِ مَليكَتي ؟
إنَّ الكلامَ فَضيحَتي ..
ها نَحْنُ نَبْحثُ بَيْنَ أَكْوامِ الضَّحايا
عَنْ نَجْمةٍ سَقَطَتْ ..
وَعَنْ جَسَدٍ تَناثَرَ كالْمرايا
ها نَحْنُ نَسْأَلُ يا حَبيبَةْ
إنْ كانَ هذا القَبْرُ .. قَبْرُكِ أَنْتِ
أمْ قَبْرُ العروبَةْ
يتبع ببقية القصيدة >>>>>