رد: الموشحات هل هي أندلسية المنشا أم سريانية شرقية
2- عندما دخلت الجيوش العربية الاسلامية بلاد الاندلس واستقرت هناك كان من بينهم او من بين الذين توافدوا اليها لاحقا الكثير من الادباءالذين تلقوا علومهم في المدارس السريانية في العراق او بلاد الشام فنقلوا معهم اشعارهم وافكارهم التجددية في الشعر ، فعندما سنحت لهم الفرصة اظهروها هناك .حيث كانت العلاقات وثيقة بين طرفي العالم العربي ، والرحالة الكثيرون يذهبون الى الشرق للتزود بعلمه وياتون الى الاندلس طلبا للرزق او الشهرة . فوفد زرياب ( تلميذ اسحق الموصلي )الى الاندلس عام 822 م وكان له اثر بليغ في فن الغناء والموسيقى وجلبت المغنيات من الشرق فحملت معها الى الاندلس فنها وادبها ومن اشهر هؤلاء المغنيات القيان قمر البغدادية .
3- ومن المحتمل ان يكون هذا الفن قد انتقل اليهم من خلال اليهود القاطنين في بلاد الاندلس ( كما يقول المستشرق فيليكروسا ) الذي انتقل اليهم هذا الفن من الادب السرياني حيث استمدوا (اليهود) الكثير من ادابهم وعلومهم من السريان كما يقول بذلك الباحث اسرائيل ابراهام . ومن الاسباب التى دعتني الى ذلك :
1- ان الجيوش الاسلامية احتلت بلاد الاندلس سنة 711م ودامت الدولة الاسلامية هناك حتى سنة 1492 في حين ان اقدم الموشحات ظهرت فـــي القرن العاشر او الحادي عشر . في حين كان احتكاك المفكرين والادباء العرب في المشرق منذ القرن السابع الميلادي حين نزلوا الى ساحات العمل في التأليف والترجمة جنبا الى جنب اخوانهم السريان .
2- كانت باستطاعة الاذن العربية ان تتقبل اللغة السريانية وادابها والحانها بصورة اسهل بكثير من تقبلها للغة اعجمية بعيدة كل البعد عن لغتها وتراثها .
3-ان ما يجمع من صفات مشتركة بين المدراش السرياني (القرن الثالث الميلادي) والموشحات العربية (القرن الحادي عشر) يجعلنا نؤكد جازمين أن الموشح مشرقي الاصل سرياني المولد . فالمدراش الذي هو عبارة عن منظوم جدلي في قالب شعري يمثل النوع الغنائي من الوزن يمتاز والموشحات بـ :
1- ان ابياتها لاتكون على نمط واحد اي تتساوى عدد مقاطعه حينا وتختلف حينا اخر.
2- ان ابياتها تكون قائمة بذاتها ولا صلة لها بالبيت السابق ( اي تاتي مستقلة اي كل بيت في المدراش قائم بذاته ) وتفصل هذه الابيات ( ويسمى في الموشحات الدور حيث يشتمل على اجزاء تسمى اغصانا تتعدد بتعدد الاغراض) ردة ( قفل بالعربية الذي هو عبارة عن بيت واحد او عدة ابيات من الشعر تبتدئ بها الموشحات وتتكرر ويشترط فيها التزام القافية والوزن والاجزاء وعدد الابيات الشعرية وذات موسيقى واحدة ) ترتلها الجوقة بعد كل بيت او اكثر يقوم فرد بترتيله ، اي ان :
* الجوقة الاولى ( الشماس في الغالب) ترتل الابيات الطويلة
*الجوقة الثانية ترتل الابيات القصيرة التي تؤلف الردة ( التي هي عبارة عن حمدلة او صلاة ما ) . ومن شروط هذه الابيات (باستثناء الردة /القفل) ان تكون متشابهة وزنا ونظاما وعدد اجزاء ، وباستطاعة الراوي تنويعها .
3- للمداريش انغام شتى وكانت الالحان تتغير بموجب انواع المداريش فالمونسنيور لامي اكد وجود 75 ضربا من الالحان في الاناشيد الصحيحة او المنحولة لمار افرام . وتاتي على الاغلب على شكل حوار وكان ذلك سببا دفع البعض بتسمية المداريش بالموشحات ، واول من صنفها هو برديصان (+154م) واسونا (القرن الرابع الميلادي) ومار افرام (+306) ومار اسحق وبالاي و.. . وقد دخلت عليها وعلى الموشحات بعض الفنون في كتابتها. وتفرع من المدراش السوغيت ، حيث يستعمل في صياغة الماسي الدينية ويكون على شكل حوار بين منشدين او جماعتين . فبعد مقدمة مؤلفة من 5-10 أبيات ذات اربعة اشعار من الوزن السباعي ( الغالب ) تبدا المحاورة بين شخصين او جوقتين كما في انشودة الميلاد (محاورة بين العذراء والمجوس ) وانشودة البشارة ( محاورة بين الملاك جبرائيل والعذراء ) وهي من قصائد نرساي ( 399 -503 م) .
اما الموشحات فهي تتالف من اسماط ( اقفال ـ يقابلها الردة ) ومن ابيات تتفرع الى اغصان ( اجزاء ـ يقابلها دعامات ) وهي كالاتي :
1- القفل ( الاسماط) : هو بيت او عدة ابيات من الشعر تبتدئ بها الموشحات في اغلب الاحيان ، وتتكرر قبل كل بيت منها ، ويسمى القفل سمطا ويشترط في الاقفال التزام القافية والوزن والاجزاء وعدد الابيات الشعرية . وهكذا تكون كلها في الموشحة ذات موسيقى لفظية وتلحينية واحدة . والقفل لا يكون اقل من جزأين ( دعامتين ) ويصل الى ثمانية اجزاء عند البعض وهي قليلة .فمثلا
* القفل المركب من جزاين
شمس قارنت بدرا راح ونديم 7+5 حركات
* القفل المركب من ثلاث اجزاء
حلت يد الامطار ازرة النوار فياخذني 7+7+5 حركات
* القفل المركب من اربعة اجزاء
ادر لنا اكواب ينسى بها الوجد واستحضر الجلاس كما اقتضى الؤد
7+6+7+7 وهكذا
2-البيت : هو ما نظم بين القفلين من ابيات شعرية (ويسمى الدور) ويشتمل على اجزاء تسمى اغصانا تتعدد بتعدد الاغراض والمذاهب . وقد يتالف البيت من جزاين او ثلاثة اجزاء . ومن شروط الابيات ان تكون كلها متشابهة وزنا ونظاما وعدد اجزاء ، واما الروي فيحسن تنويعه ، ومن عادة الموشح ان يبدا بقفل وينتهي بقفل ويسمى بالتام وعادة يتردد ست مرات . اما اذا تردد خمس مرات ( اي لا يبدا بقفل) يسمى بالاقرع .
وقد قسم ابن سناء الملك الموشحات الى قسمين :
1- ما جاء على اوزان العرب وهي تشبه المدراش السرياني ذو الوزن المتساوي
2- الخالية من العروض كما يقول : ( اردت ان اقيم لها عروضا يكون دفترا لحسابها وميزانا لاوتارها واسبابها فعز ذلك واعوز لخروجها عن الحصر وانفلاتها من الكلف ... واكثرها مبني على تأليف الارغن ...) يقصد بها ابن سناء العروض الخليلي لانها كما يقول هو نفسه مبنيــة على الايقـاع. وهي نفسها في المداريش الموزنة على الوزن المركب كأن تكــــون منظومة على البحر الخامس والسابع او السابع والثامن او ... وهذا ما نلاحظه في الموشحات ايضا ، فهي مبنية ( ومـن ضمنها الموزونــة على اوزان العـرب ) على الايقاع اكثر من بنائها على التفعيلة الخليلية .
الوزن: من حيث الوزن نجد ان الموشحات تستخدم نفس اسلوب الوزن السرياني وهذا الوزن يختلف عن اوزان الشعر العربي الخليلي ذات التفعيلة الواحدة ، كما ان الشعر العربي لا يحتوي على دعامات متساوية كما سنجدها في الموشحات ، وذلك لتدوير الايقاع بين التفعيلات في اوزان الخليل وهذا لا يجوز في الشعر السرياني وما لا نجده في الموشحات الاصلية . فعلى سبيل المثال نجد ان قصيدة صفي الدين الحلي(750هـ) والتي مطلعها:
شق جيب الليل عن فجر الصباح ايها السامون
وزنها ( فاعلاتن فاعلاتن فاعلان فاعلن فاعلن) هذا الوزن سوف لن تجده في اوزان الخليل الصافية . كونها موزونة على اساس الايقاع الموسيقي كما الحال في المدراش وهي على الشكل الاتي:
6حركات + 5 حركات 5 حركات
اي الشطر 11 حركة والعجز 5 حركات
وهكذا في القصيدة الغنائية ( سكن الليل) لجبران خليل جبران التي يقول فيها :
سكن الليل وفي ثوب السكون تختبي الاحلام
وسعى البدر وللبدر عيون ترصد الايام
نجدها موزونة على وزن ( فعلاتن فعلاتن فاعلان فاعلن فعلان ) هذا الوزن ايضا لا تجده في الاوزان الصحيحة عند الخليل بل تجدها موزنة وبشكل صحيح كما في المدراش فوزنها( 5 حركات +6 حركات في الشطر و5 حركات في العجز ) . وهكذا الحال في قصيدة ابن بقي (المولود سنة 1145م ) والتي مطلعها :
انما يحيى سليل الكرام واجد الدنيا ومعنى الانام
نجده يستخدم الدعامة الخماسية اي 5+5+5+5 وعلى مدار القصيدة .
وهي تشبه قصيدة لانطون التكريتي (المتوفي سنة 840م) يقول فيها :
وكذا الحال لدى شاعر آخر :
ليل طويل وما معين يا قلب بعض الناس اما تلين
يستعمل اربع دعامات (4+4+6+4)
وهي تشبه قصيدة بالاي (توفي سنة 432م) :
محدا دنشقه
شِنيت نوشه
فقدلا مريا
فقدلا لصِفرا
فقدلا ليونا
وهناك قصيدة تنسب لسلم الخاسر (180هـ) تتكون من مجموعة دعامات (سلم موسيقي) على وزن مستفعلن ، يتكون البيت الواحد من اربع دعامات وكل دعامة من اربع حركات كما في قوله:
موسى المطر. غيث بكر. ثم انهمر.الوى المرر
كم اعتسر. ثم ابتسر. وكم قدر . ثم غفر
عدل اليسر. باقي الاثر. خير وشر . نفع وضر
خير البشر. فرع مضر . بدر بدر . والمفتخر
وهذا اللون لا نجده الا في الموروث السرياني الذي اشتهر فيه كل من نرساي (+399م) ويعقوب السروجي (+451م) .وكما في المدراش الذي نيشه ( بيلدى دمارن ـ ميلاد المسيح ) او كقول او كقول نرساي (399م) :
رش حَخِمتا / حِخمَت لقوشتا / دحيل بارويا
نجد ان البيت الشعري يتكون من ثلاث دعامات ( بدلا من اربع ) وكل دعامة تتكون من اربع حركات . او كقول انطون التكريتي :
كَد غون يَصرَت / بلبي رِنيَت / دكنسا دناشا / من كدو شيطا / وزونا شغيشا
نجد ان البيت الشعري وكما عند سلم الخاسر يتكون من عدة دعامات وكل دعامة تحوي اربع حركات.
اما القافيـــة
فنجدها في المدراش اســوة بالموشـح تختلف من مقطع لاخر واحيانا تستعمل قافيــــة موحـــدة فـــي الدعامات الداخلية كما في موشحة ابي عبــد اللـــه محمـــد بن عبـــادة المعروف بابن قزاز :
بدرتم . شمس ضحا غصن نقا . مسك شم
ما اتم . ما اوضحا ما اورقا . ما اتم
لا جرم . من لمحا قد عشقا .قد حرم
نجد ان المقطع يتكون من دعامتين ذات ثلاث واربع حركات اي بمجموع سبع حركات وعلى وتيرة واحدة خالية من التدوير ذات قافية مقطعية . ومثل هذا الاسلوب لا نجده الا في الموروث السرياني . كما في قصيدة يعقوب السروجي ( تولد 521م). يقول فيها:
قالِه دَحلين / حِزوه تميهين / رعما رهيوين / طَقسا سديرين / تَغما شويحين
المصادر :
1- د رضا محسن القريشي /الموشحات العراقية منذ نشاتها وحتى القرن التاسع عشر
2- الموشحات / د مجدي شمس الدين ـ مجلة الافاق العربية 3-4/اذار 1999
3- سلمان علي التكريتي / مجالي تطور الموسيقى العربية / مجلة افاق عربية عدد 12/اب/1983
4- مقداد رحيم / الموشحات الاندلسية وعلاقتها بالغناء / افاق عربية عدد 9/مايس/1984
5- نزار حنا / الايقاع في الشعر ـ دراسة مقارنة بين العربية والسريانية
نزار حنا الديراني
رئيس اتحاد الادباء و الكتاب السريان
نائب الامين العام لاتحاد الادباء والكتاب
العراقيين
|