رد: الموشحات هل هي أندلسية المنشا أم سريانية شرقية
ثانيا : والبعض الآخر أمثال ابن بسام ، ابن خلدون ، احمد حسن الزيات ، طه حسين ، مارون عبود ، ابراهيم أنيس ...وغيرهم يعتقدون ان فن التوشح هو مشرقي المنشأ اي عربي وينسبونه الى مقدم بن معافر الفريري من شعراء الامير عبد الله بن محمد المرواني هو اول من كتب الموشح وكان ذلك في اوائل القرن الحادي عشر الميلادي واخذ عنه ابو عبد الله احمد بن عبد ربة صاحب كتاب العقد الفريد ويوسف بن هارون وعبادة بن ماء السماء ، الا انهم لم يظهر لهم ذكر .. ومنهم من يعتقد ان الشاعر العراقي ابن المعتز المتوفي سنة ( 296هـ – 876م ) هو اول من انشا هذا الفن بقوله:
أيها الساقي إليك المشتكي قد دعوناك وان لم تسمع
ونديم همت في غرته
وشربت الراح من راحته
كلما استيقظ من سكرته
ثالثا . البعض منهم وخاصة د. عبد العزيز الاهواني يعتقد بان الموشحات أعجمية لوجود ألفاظ أعجمية أي خرجات أعجمية وهذا ما سينقلنا إلى عدة احتمالات هل هي أندلسية أم فارسية أم سريانية .. من يدرس الموشحات سيجد ان كثير من الوشاحين (وحتى غير الوشاحين امثال ابونواس ) يخرجون قصائدهم بابيات لاشهر الشعراء من العرب والاجانب او الفاظ دخيلة الا انها قد تكون مالوفة لديهم . حيث روى ابو فرج الاصفهاني (تولد 356هـ - 936م ) مقطعة من اربعة ابيات لابراهيم الموصلي يصف بها خمارا ختمها بالبيت الاتي
فقال ( إزل بشينا ) حين ودعني وقد لعمرك زلنا عنه بالشين
نجد ان الشاعر استخدم مفردات سريانية كعبارة ( ازل بشينا ـ إزل بشينا ) بمعنى اذهب بسلامة وكذلك (اّزلنا . زِلنا ) بمعنى ذهبنا و(بشينا ـ بالشين) بمعنى بالسلامة .
رابعا : واخرون يعتقدون أمثال الأستاذ مقداد رحيم إن الموشحات التي نسمعها اليوم مغناة بشكل جماعي ليست أندلسية في طريقة الغناء والألحان بل هي مشرقية . فهي مزيج من الحان مشرقية والحان أندلسية كنسية . ويعتقد الأستاذ مقداد إن الموشحات كانت في السابق يغنيها شخص واحد مع جوقة تردد بدلا من جوقتين ... كما يعتقد ان الموشحات مرت بثلاث ادوار وما وصلنا منها كانت بالدور الثالث اي متكاملة
خامسا : هناك من يذهب أمثال المستشرق فيليكروسا بان الموشحات العربية قد تأثرت بالموشحات العبرية
سادسا : أما الأستاذ سلمان علي التكريتي يقول :
ولا نغالي إذا قلنا ان الموسيقى السريانية بواسطة الكنيسة الشرقية قد تمكنت من فرض فنية ترانيمها الشرقية على عموم أوربا عن طريق مدرسة الرها ونصيبين ، وان الموسيقى الأندلسية والموشحات الأندلسية هي موسيقى الكنيسة الشرقية التي انطلقت من وادي الرافدين وبلاد الكنعانيين والفينيقين وشبه الجزيرة العربية . ويعتقد الأستاذ سلمان علي بان الموشحات الأندلسية في المشرق العربي ( سوريا ، عراق ، لبنان ، اردن ، مصر) قد تأثرت تأثيرا واضحا بايقاعات الغناء الشعبي من ناحية وتأثيرات الموسيقى التركية من ناحية ثانية فافتقدت الموشحات الأندلسية في المشرق العربي ميزتها التراثية الأصلية لكننا نجد العكس في المغرب العربي ( تونس ، مغرب ، جزائر) اذ ان الموشحات الاندلسية صارت هي الاساس الذي يستلهم منه الغناء الشعبي لان الموشحات في الاصل كانت هي الغناء الشعبي والتقليدي في ان واحد والدليل على هذه الاصالة والنقاء هو قربها ومشابهتها لاداء الغناء الكنسي المشرقي الذي ما زال يؤدي على شاكلته على مر القرون ومنذ ظهوره وخلال تطوره باسلوب مار افرام .
سابعا : أنا اتفق مع الأستاذ سلمان علي التكريتي على إن الموشحات هــــي مشرقيـــة الأصل ذات جذور كنسية سريانية ، فهذا الفن وجد في الأدب السرياني قبل أن يوجد عند جماعة التروبادور والجنكر بقرون ويرجع السبب في ظهوره في الاندلس بدلا من العراق وبلاد الشام :
1- كون بغداد والشام هي مركز الخلافة الإسلامية وكان الأدب العربي لايزال يشكل امتدادا لببيئته الصحراوية في الجزيرة وكان تمسك الخلفاء بتراثهم وانشغالهم في الفتوحات أدت إلى عدم تشجيعهم لأي قصيدة تخرج من اطارها التقليدي .
2- أما الأندلس فلبعدها عن المركز وانفتاحهم على مجتمع شاع فيه الترف واللهو والغناء شيوعا عظيما أضعفت سيطرتهم لا بل جذبتهم الطبيعة الأندلسية وجعلتهم ينسون طبيعتهم الصحراوية وأوزانها التقليدية الآمر الذي أدى بالأمراء في الأندلس إلى تشجيع هذا اللون من الشعر . فبدأت حركـــة التحرر في القـرن الحادي عشـــر فأخذ الشعراء العرب يمثلون بيئتهم الجديدة من غير أن يهملــــوا التقليـــد إهمالا تامــا ، أمثال الشاعر ابن زيدون وابن عمار والمعتمد بن عباد وغيرهم .
أما كيف انتقل هذا الفن من المدراش السرياني الى الموشح العربي فيكون:
1- من خلال المدارس والجامعات السريانية في الكنائس والاديرة التي كان يتلقى فيها الكثير من الادباء والمفكرين العرب علومهم فيها ومن بينها المداريش والسوغيتات ، ومن خلال ما نقله المترجمون السريان من الاداب والعلوم السريانية الى العربية . فتشبعت الاذن العربية بهـــذه التراتيل التي كانت ترتل باستمرار في الكنائس والاديرة بالحان شتى . وكانت بغداد ودمشق زاخرة بشعر عربي اصيل يشكل امتدادا للشعر في الجزيرة ويتطرب بنغمات المدينة الحاضرة ، فليس من المستبعد ان تكون بغداد ودمشق قد شقت طريقها نحو التجدد الشعري ، وكان محقا من اعتبر بشار بن البرد وأبا نواس ومسلم بن الوليد اول دعاة التجدد ، في حين كان الشــعر في الاندلس لا يجـرؤ ان يـذرع مثـل هــذه الخطـوات لانشغال العرب هناك بالدفاع عن انفسهم والتفكير بالتوســـع ، الا في اواخر عهد الامارة الاموية في القرن العاشر الميلادي. فليس مستبعدا ان تكون هناك عشرات الموشحات تغنى سرا او علنا في العراق او الشام واختفت لعدم تشجيعها من قبل الخلفاء
|