عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 08/04/2008, 03h10
مؤمن المحمدي مؤمن المحمدي غير متصل  
ضيف سماعي
رقم العضوية:205408
 
تاريخ التسجيل: avril 2008
الجنسية: مصرية
الإقامة: مصر
المشاركات: 2
افتراضي

اعترف الصعيد بالحكومة .. فاعترفت لهم "بالشرف":
حكاية شفيقة ومتولي .. والنظام
إذا سألت أحدهم: "إنت منين؟" وأجابك: من جرجا. فتوقع تحفزه لأنه في الأغلب سيكون مستعدا أن تسأله مباشرة: "بلد شفيقة ومتولي؟". وقتها سيفعل معك كما فعل معي حسين جاد الرب سائق التاكسي الذي أجابني على الفور: "بلد متولي بس، لأن كل بلد فيها شفيقة لكن ليس كل بلد فيها متولي!!"
شفيقة ومتولي حكاية قديمة معروفة تحكي عن ذلك الفتى السوهاجي الذي ذهب للتجنيد ثم فوجئ بأن أخته تركت البيت وصارت "مومسا" قد الدنيا لها صيت في طول البلاد وعرضها. فبحث عنها حتى وجدها في أسيوط وذبحها وخرج من الماخور الذي كانت تعيش فيه مزهوا بنفسه في زفة بلدي انتهت بمحاكمة صورية وشبه براءة!!
لكن عم حسين جاد الرب ليس محقا، فكل بلد فيها شفيقة وكل بلد فيها متولي، ليس فقط في الصعيد بل إن نظرة واحدة على أي صفحة حوادث تكفي لتسجيل آلاف المواويل الشعبية عما يسمى بجرائم الشرف.
ومتولي ولد ما بين عامي 1870 و1880 كما يكشف تسجيل تليفزيوني قديم أجرته المذيعة أماني ناشد في الستينات مع متولي الحقيقي، وكان متولي وقتها يبلغ من العمر تسعين عاما، وبالتالي فإن قصته مع شفيقة لابد وأنها حدثت مع بدايات القرن العشرين، وبحد أقصى عشر سنوات من بدايته، ورغم هذا فإن تلك القصة لم تلمع ولم تصبح معروفة إلا مع الخمسينات والستينات، ومن المؤكد أن تأخر شهرة القصة له قصة، ووراءه أسرار، ويقف وراءه أسباب. ولابد كذلك أن نتوقف أمام ارتباط شخصية "متولي" بالصعيد، رغم أن الانتقام بدافع الشرف تفكير شرقي عموما يمتد أحيانا إلى بعض البلاد الأوربية مثل إيطاليا.
وللكشف عن هاتين النقطتين لا بد أن نقول إن الانتشار الذي حققته قصة شفيقة ومتولي في الخمسينات والستينات جاء من خلال صوت الفنان الشعبي البديع حفني أحمد حسن.
حفني ليس مطربا شعبيا عاديا، إن السياسي الوحيد بين من أدوا هذا اللون. غنى لجمال عبد الناصر، ولقرية بني مر، وللوحدة العربية، وفلسطين، وإجمالا فقد خصص جزءا من إنتاجه الفني "لتوصيل" أفكار يوليو إلى قطاع كبير من البشر في صعيد مصر لم يكن صوت عبد الحليم محكما سيطرته على مشاعرهم، وبالتالي لم تكن أغاني مثل "صورة" و"بالأحضان" و"المسئولية" و"بستان الاشتراكية" وغيرها قادرة على اختراق الوجدان الصعيدي.
والصعيد كانت له مشكلة مزدوجة، وقبل "توصيل" الأفكار كانت هناك مهمة إقناع هؤلاء البشر بالحكومة المركزية والدولة القوية الناشئة في القاهرة. طوال الوقت كان الصعيد خارج المعادلة. لا هو تحت السيطرة ولا هو طامع في القفز على الحكم، وحتى الإنجليز والفرنسيون فشلوا في التوغل جنوبا، فتركوه على حالته. بل إن العرب أنفسهم لم يصلوا الصعيد إلا من خلال الهجرات عبر البحر الأحمر. كان الصعيد عصيا وكان لعبد الناصر عرق صعيدي جعلته يفهم الفولة، ومن هنا كان دور حفني أحمد حسن وشفيقة ومتولي.
كان حفني مؤديا بارعا للقصص، له معالجة لقصة ريا وسكينة، وله معالجة أخرى لقصة شفيقة ومتولي ينحاز فيها لشفيقة بعنوان: "ليه نظلم شفيقة؟!!" وغيرها من القصص الشعبية لكنها جميعا اندثرت. وبقيت قصة شفيقة المنحازة لمتولي. فهل كانت القصة فعلا منحازة لمتولي؟
مبدئيا يجب أن نعرف أن القصة انتشرت لأنها كانت تذاع مع بدايات الثورة تقريبا يوميا، ومع بداية إذاعتها وحسب رواية الكثير من الجدات فإن القصة لم تكن تلقى قبولا باعتبار أنها عملية فضح منظم مع سبق الإصرار والترصد لعار فتاة وعرضها، رغم أن قتل متولي لها غسل العار وصان العرض، وبمرور الوقت أصبحت القصة محبوبة، بعد أن تسربت من خلالها مفاهيم كان من المهم لثورة يوليو أن تتسرب!!
في تقديري الشخصي فإن الملحمة لم تكن لصالح متولي الإنسان أو البطل أو المحافظ على شرفه، بقدر ما كانت عن "العسكري" متولي. فالقصة تبدأ لحظة دخول متولي الجيش، ورغم قصر القصة أو الموال فإن جزءا لا بأس به خصصه حفني (الذي كتب القصة) للاحتفال بالترقيات المتتالية لمتولي من شريطة واحدة لشريطين حتى بلغ بات شاويش، ولا ينسى أن ينبه إلى أنه بترقياته تلك أصبح مؤهلا لضرب من هم أقل منه "بكفه" أي بيده حتى وإن كان من هم أقل منه من الطبقات العليا!!
وحتى عندما اكتشف متولي صورة أخته مع أحد الجنود وقرر قتلها فإن لا يستطيع أن يغادر المعسكر دون استئذان فيستفيض حفني في وصف متولي وهو يتوسل الحصول على إجازة من القومندان، مع أن ما سيفعله في الإجازة قد يذهب به إلى الإعدام!! لكن على ما يبدو فإن الإعدام أهون من مخالفة تعليمات القومندان!!
وتستمر القصة حتى يقوم متولي بذبح شفيقة، ويخرج إلى البلكونة حاملا سكينته فيجد الحكومة تحت البيت، وتبدأ المفاوضات معه للاستسلام. وهنا يقدم متولي عرضه وشرطه: إنتو حكومة البر طاب ليكم، وأنا من فوق ما أطب ليكم، إلا إن جاء لي طبلكم. ويعتبر هذا أول اعتراف صعيدي في التاريخ بأن هناك حكومة (البر طاب لها)، ولكنه لن يستسلم لها إلا بالموافقة والتهليل والترويج بالطبل لأفكاره عن الشرف والعائلة والقبيلة والسماح له باختراق القانون "أحيانا". هل تعتبرني مبالغا إذا قلت إن هذا "الاتفاق" يشبه إلى حد كبير الاتفاق بين الحكومة التي طاب لها البر وبين عزت حنفي مثلا؟!!
الطريف أن حفني يروي الأحداث وكأنه عايشها بنفسه، لدرجة رواية تفاصيل دقيقة من نوعية أن الشارع كان به "بياع تين بيدور" أو أن شفيقة طلبت مزة بعد الويسكي!! إلا أنه عندما يصل إلى النقطة التي يملي فيها متولي شروطه على الحكومة فإنه يتنصل من المسئولية ويقول: "على ما بلغنا في الحادث"!!
وهكذا تنتهي القصة بزفة بلدي تحولت في قصة حفني إلى زفة "ميري" وتم الصلح أو الاستسلام على جثة شفيقة التي رحلت ورحل بعدها متولي ورحل عزت حنفي وربما رحل الصعيد كله وتبقى الحكومة التي طاب لها البر .. مبروك!
رد مع اقتباس