الأخ الكريم علي سعيدان، يبدو أن نسبة المالوف التونسي إلى ما يشاع عنه من أصل أندلسي وإعتبار ذلك من مخلفات الإستعمار وموسيقى القصور بحسب ما نقلته على لسان محمد البشروش فيه كثير من التجني على الموسيقى التونسية ذاتها. فالرصيد التونسي يختلف عن الجزائري وهذا الأخير كذلك يتميز عن المغربي وما سبب هذا الإختلاف إلا إسهام العناصر المحلية لشعوب هذه المنطقة في إضفاء طابعها الخاص على رصيدها المحلي. ويمكنك ملاحظة التداخل الشديد بين المالوف والفن الشعبي التونسي في كثير من مكوناته فلا تكاد نوبة من نوبات المالوف تخلو من عقود الطبوع الشعبية فتجد المحير عراق ومحير السيكه والمزموم كما تجد تأثير العنصر الزنجي في الرصد العبيدي وكل ذلك من تأثير العناصر المحلية التي أسهمت في بناء الشخصية التونسية. وقد أسهمت مختلف الأعراق الوافدة على تونس خلال المراحل التاريخية كذلك على إضفاء بعض العناصر الإضافية ومن بينهم الأتراك والذين إنصهروا في المنظومة التونسية، خاصة خلال الدولة الحسينية، ويسجل لنا التاريخ دور الباي محمد الرشيد في إعادة تنظيم نوبات المالوف التونسي وإدخال الفواصل الموسيقية بينها. كما عرفت تونس بشارفها المحلية بفضل التأثير التركي قبل أن تظهر البشارف التركية والعربية بالمشرق العربي بأكثر من قرن. فالتراث التونسي بالتالي هو نتاج كل هذه العناصر المحلية والدخيلة التي أسهمت في بناء الهوية التونسية عبر التاريخ. أما الإدعاء بأن كل ما هو وارد من خارج البلاد التونسية هو من تأثير الإستعمار سيُقابل بالتالي بنفس الحجة بإعتبار أن العرب ذاتهم وافدين على البلاد التونسية مع الفتح الإسلامي، كما أن الرصيد الشعبي له علاقة بنزوح قبائل هلال وسليم والتي قدمت إلى تونس في مرحلة من مراحل تاريخ تونس وتسببت في نكبة القيروان، بعدما كانت في أوج حضارتها وإزدهارها آنذاك. ولدي العديد من الملاحظات الإضافية على ما أوردته في مداخلتك هذه مثل عدم إهتمام التونسيين بالموسيقى وإعتبارها بمنزلة دونية وتضخيمك لدور البارون دارلنجي وهي مسائل يمكن مناقشتها ولدينا ما يدحض الكثير منها. أما فيما يخص تأثير الموسيقى المشرقية على الساحة التونسية وإنتشار ثقافة المزود به فليس ذلك دليل على صحوة موسيقية متميزة: فالأغاني الشبابية كذلك منتشرة اليوم وأشرطة الفيديو كليب وسائر الأغاني المبتذلة تملأ الساحة، وهي مجالات توفر لشركات الإنتاج فرصة ذهبية لجمع المال، كما أن وسائل الإعلام مع الأسف الشديد ترضخ في كثير من برامجها لهذا الواقع وتروج له في مقابل إحباط هواة الموسيقى الجادة والمتخصصين بها، واللّه غالب على أمره كما عودنا ابن خلدون في إختتام كل موضوع بمقدمته. مع كامل التحية والسلام...