رد: نظرة إلى التوزيع الموسيقي الحديث للأغنية العربية
ذلك كان على صعيد الحفلات الحية على المسارح، أما في الاستديو فقد اعتمد المطربون الخليجيون الشباب على المايسترو حمادة النادي في توزيع أعمالهم مشترطين وجود عازف الأورغ طارق عاكف الذي بهرهم بأسلوب عزفه المتميز المعتمد على أمور رئيسية أربع وهي: الخيال الواسع والتقنية العالية والإحساس المرهف الجميل والتوظيف الصحيح لأصوات آلته الغربية بما يتلاءم مع الأذن الشرقية التي لم تفقد خصوصيتها حتى الآن.
أعجب الموسيقار عمار الشريعي بأسلوب طارق عاكف، وضمه إلى الاستديوالخاص به، وهكذا بدأ طارق في عرض شخصيته الفنية مستعملاً تقنيات حميد الشاعري وتركيبته الإيقاعية وأسلوب تنفيذه، ناهلاً من عمار الشريعي إحساسه البديع بالموسيقا الشرقية، أضاف إليه طارق تقنيته وبراعته الخاصة التي اكتسبها عبر دراسته المستقلة للبيانو من خلال ميتودات راقية لأنه لم يكن آكاديمياً. ثم وظف براعته في توزيع وتنفيذ أغان خليجية للشباب مثل عبد الله الرويشد، وكانت البداية بأغنية "رحلتي" الشهيرة للرويشد، وقد أضاف طارق في مقدمتها كوردات بآلتي البيانو الغيتار أعطتها رونقاً محبباً وقدّم لأسلوب جديد في توزيع الأغنية الخليجية كان له الأثر الأكبر في نهضتها الحالية.
الأغنية المميزة التي دفعت المطربين الخليجيين للتوجه إلى طارق عاكف كانت أغنية "يا شمس لا تغيبي" للكويتي نبيل شعيل، حيث أظهر طارق فيها براعة ما زالت تستعصي على عازفي الأورغ هذه الأيام سيما في عزفه المنفرد (الصولو) الذي استعمل فيها التريوليت في أماكن يصعب على الموسيقي تخيلها. وكانت الإضافة الهامة التي أضافها طارق عاكف هي استعماله المختلف والمتميز لآلات الكمان الحية في اللوازم وبعض الجمل التوزيعية، وخصوصاً على صعيد الأغنية الخليجية المعاصرة التي تتميز لوازمها الحالية بروح واحدة كائنا من كان الموزع وهي روح طارق عاكف.
النجاح الشعبي الكاسح الذي حققته أعمال طارق عاكف أدى لاستقطابه لعدد كبير من النجوم العرب الخليجيين واللبنانيين والسوريين والمصريين، ودفع العمالقة السابقين لركوب موجة التوزيع الحديثة مثل وردة الجزائرية وغيرها. وزيادة الضغط على طارق أدت لبروز نجوم آخرين في التوزيع الموسيقي في مصر ولبنان وسوريا.
وبما أن المقال مخصص للأغنية العربية الحديثة فقد أغفلت موزعين هامين وعباقرة إلا أن مجالهم كان منحصراً في قوالب أخرى غير الأغنية الشعبية مثل زياد الرحباني وعمر خيرت ومارسيل خليفة وآخرين، أتمنى أن نعرض لهم في مقام آخر.
نهاية، يكاد يكون التوزيع الموسيقي الحديث هو بذاته عنصر نجاح الأغنية الأوحد ما خلا حالات نادرة، فالمطربة وردة الجزائرية ما كانت لتغني "بتونِّس بيك" لو أن الملحن أسمعها اللحن على عوده فقط. ودليل آخر هو الإحساس البالغ بسخف بعض الأغاني عندما يغنيها صاحبها مع آلة واحدة أو حتى مع فرقة بسيطة، لذلك يحرص كبار المطربين حالياً على وجود فرقة موسيقية ضخمة يمكنها عزف ماتم عزفه مسبقاً في الاستديو.
هوامش:
(1) – غنت فيروز ثمان أغنيات من ألحان محمد عبد الوهاب.
(2) – وزع الرحابنة لنجاة الصغيرة أغنية "دوّارين في الشوارع".
(3) – وزع الرحابنة لعبد الحليم حافظ أغنية "ضيّ القناديل".
(4) – قام الموزع البريطاني العالمي Ron Goodwin بتنفيذ وتوزيع أعمال رحبانية في أسطوانتين 33 دورة تضمنتا أربع وعشرين لحناً لحساب منظمة اليونسكو ما زال ريعها مرصوداً لصالح هذه المنظمة.
(5) – استعمل الفنان دريد لحام كثير من الألحان الواردة في الأسطوانتين السابقتين في أفلامه السينمائية ومسلسلاته التلفزيونية.
(6) – أندريه رايدر، مؤلف وموزع موسيقي من أصل أوروبي كان مقيماً في مصر، ألف موسيقا لعديد من الأفلام أشهرها "دعاء الكروان" لفاتن حمامة، "طريق الأبطال" لعماد حمدي وهند رستم، وفيلم (بين الأطلال) لصلاح ذو الفقار وفؤاد المهندس، وفيلم "الضوء الخافت" لأحمد مظهر وسعاد حسني وشويكار، وفيلم "اللقاء الثاني" أيضاً لأحمد مظهر وسعاد حسني، وفيلم "غروب وشروق" لرشدي أباظة، وغيرها الكثير. كان أيضاً يقوم بالتوزيع الموسيقي لملحنين مصريين وسودانيين، كان يساعدهم حتى في كتابة التدوين الموسيقي لألحانهم.
تمت.
__________________
اللي ما له أول ما له تالي ... إي بس ما يحطه ويقعد مراد داغوم
|