رد: تاريخ ومسيرة الأغنية الليبية المعاصرة
وفي محاولة لتتبع تاريخ هذه الأغنية والتعرف على العوامل التي ساعدت على نشأتها وتأسيسها خلال فترة زمنية مضت قد ترجع إلى أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين حيث كانت البلاد تعيش السنوات الأخيرة من العهد العثماني الثاني الذي استمر بين عامي 1835 و1911.
ففي تلك السنوات بدأت على استحياء شديد بوادر نهضة تعليمية ثقافية وفنية بسيطة في بعض المدن الساحلية كطرابلس والخمس ومصراتة وبنغازي ودرنة قامت بها السلطات التركية في العقد الأخير من القرن التاسع عشر ، وتمثلت في افتتاح المدارس النظامية للبنين والبنات في المرحلتين الابتدائية والثانوية وافتتاح مدرسة للعلوم الحربية.
بالإضافة إلى ما تقدم تم إنشاء المطبعة الحكومية التي ساعدت على إصدار بعض الكتب الأدبية المدرسية وبعض الصحف والجرائد المحلية لأول مرة في مدينة طرابلس ، كما أسس الوالي التركي " نامق باشا " في هذه المدينة " مدرسة الفنون والصنائع الإسلامية " لاحتضان الأطفال اليتامى من الليبيين وتعليمهم الكثير من الحرف والمهن اليدوية والفنية على يد مجموعة من المعلمين الأكفاء المحليين والأجانب . وقد تكونت في هذه المدرسة فرقة موسيقية متكاملة من عازفين على مختلف آلات النفخ الهوائية الخشبية والنحاسية والإيقاعية ، وقد انحصر برنامج الفرقة على عزف موسيقات المسير " المارشات " الأوربية والتركية في مختلف المناسبات الوطنية والاجتماعية التي كانت الفرقة تشارك فيها . وقد تكون هذه الفرقة وضعت في بداية تأسيسها تحت إشراف مدربين من عازفي موسيقى الحامية التركية التي كان مقرها بالسراي الحمراء.
وقد بدأت في الفترة الزمنية المذكورة ترد على مدينة طرابلس بعض الفرق المسرحية والغنائية المصرية والشامية المشهورة لتقدم عروضها الفنية الساهرة لجماهير المشاهدين والمستمعين على بعض مسارح دور العرض والفنادق في هذه المدينة ، مما ساهم في نشر الكثير من الأدوار والتذوق الفني بين محبي الموسيقى والغناء وزيادة عدد عشاق الاستماع للطرب العربي الأصيل ؛ ويذكر بشير عريبي أن أقدم فرقة مصرية جاءت إلى طرابلس عام 1880 .
وقد ساعد على انتشارها هذا اللون الغنائي الوافد استعمال "الحاكي" أو مدور الأسطوانات بين محبي فن الغناء العربي ، هذا الجهاز الذي وفر مصدرا ً ثابتا ً ودائما ً للاستماع لهذه الأعمال الغنائية وساعد على حفها وترديدها . وقد ورد في كتاب بلدية طرابلس ، سابق الذكر أنه بعد استعمال الحاكي في هذه المدينة استمر الوعي الفني وزاد النشاط حيث كانت هناك جماعات وسهرات وهواه وكان هناك عدد من الفنانين قد نبغوا في ترديد ألحان عباقرة فن الغناء المصري القديم وآخرون برعوا في العزف على الآلات الموسيقية المختلفة من عود وكمان وقانون .
إلى جانب ذلك انتشر استعمال جهاز المذياع الراديو بعد أن بدأت بعض المحطات العربية في إرسالها الإذاعي خاصة إذاعة القاهرة وبعض المحطات الأوربية التي كانت لها ساعات بث باللغة العربية ، وكانت تذيع الكثير من الإنتاج الغنائي العربي في ذلك الوقت . وما ساعد على ازدهار هذه النهضة الفنية أيضا ً افتتاح بعض دور العرض السينمائية في المدينة وعرضها لأحدث الأفلام الغنائية المصرية التي كانت تمتلئ بالأغاني الفردية وبالاستعراضات الجماعية لأشهر المطربين والمطربات مثل " محمد عبد الوهاب ، أم كلثوم ، فريد الأطرش " وغيرهم " أقدم دار عرض افتتحت في المدينة طرابلس عام 1908".
يتبع
|