عشق أبو مالك بن النضر العذري، و هو من بني عذرة، ابنة عم له اسمها سعاد ابنة أبي الهيذم. فخلبت لبه و أصبح أسير هواها ... و تاه في البراري و ظل شاردا سنوات عدة. و ذات يوم ضلت إبل لشبابة بن الوليد، فخرج في طلبها, و بينما كان شبابة يجد الخطى في الرمال استوقفه صوت ينشد: يا ابن الوليد ألا تحمون جاركم \\\ و تحفظون له حق القرابات
عهدي إذا جاء قوما نابه حدث \\\ وقوه من كل أضرار الملمات
هذا أبو مالك الممسي ببلقعة \\\ مع الضباع و آساد بغابات
طريح شوق بنار الحب محترق \\\ تعتاده زفرات إثر لوعات
أما النهار فيضنيه تذكره \\\ و الليل مرتقب للصبح هل آتي
يهذي بجارية من عذرة اختلست \\\ فؤاده فهو منها في بليات
فدنا شبابة من مصدر الصوت، فألقى فتى شاحب الوجه هزيلا مطروحا على الرمل, فسأله عن اسمه فقال له: ·أنا أبو مالك بن النضر العذري. ·و ما الذي حملك إلى هنا؟ ·حبي لابنة عمي سعاد.. ·لكن ما الذي حملك إلى هنا؟ إنك لم تجب على سؤالي؟ ·والد سعاد.. ·لماذا؟ ·لقد علم بحبي لابنته فحملني إلى الصحراء و تركني شاردا تائها منذ سنوات. ·ومن كان يزودك بالطعام؟ ·قد تصاب بالذهول إذا أخبرتك. ·قل يا أخي.. ·ابن عم لنا.. كان يعرف حبي لسعاد و يعرف أين احتملني عمي و رماني في الصحراء. كان يحمل لي كل يوم الطعام و الشراب و يطلعني على أخبار سعاد. ·ألم يساعدك في العودة إلى عمك؟ ·لا ... ربما كان يهابه. فقال له شبابة: ·لا تيأس يا أخي.. سأزور عمك و أخبره عن حالك و شحوبك و هزالك.. و توجه شبابة إلى ذوي سعاد، و قابل عم أبي مالك. وقال له: ·إن أبا مالك مشرف على الموت.. فلا تكن السبب في وفاته ·هل قابلته؟ ·مصادفة .. كنت أسير في الصحراء بحثا عن إبل ضلت لي... إنني أناشدك الله أن تحقق أمنيته و توافق على زواجه من ابنتك. و عاد شبابة إلى الفتى .. و هو باش و قال له: ·ابشرك .. لقد رق قلب عمك و وافق على زواجك بسعاد. و ما إن سمع أبو مالك الخبر حتى انطلقت منه تأوهات و أنشد: الآن إذ حشرجت نفسي و خامرها \\\ فراق دنيا و ناداها مناديها
و لم يكمل أبو مالك إنشاده فشهق شهقة و مات، فدفنه شبابة في المكان الذي التقاه به في الصحراء و عاد إلى عمه و أخبرهم بوفاة أبو مالك. و ما إن سمعت سعاد الخبر حتى امتنعت عن الطعام و الحديث ثلاثة أيام ثم ماتت على الأثر. ـــــــــــــــــــــــــــــــ
__________________
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضـــه فكل رداء يرتديه جميـــــــــــــــــــل
و إن هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل