جابر X الأبنودي
أولاً أحب أن أقول أنني لست من هواة الدخول في مناقشات من نوع هذا طيب وهذا خبيث؛ أو في مناقشات غرضها وضع أحكام نهائية على أخرين. لكن سبب دخولي هنا أن هذه الهواية قد أصبحت أو كادت أن تصبح عادة عربية. أقصد عادة أن نقوم بالحكم على بعضنا البعض ونقوم بتقسيمنا إلى ملائكة وشياطين، حسن وقبيح، أخلاقي وغير أخلاقي، وطني أو عميل، ... إلخ.
ثانياً: أنا لا أعرف الخال عبد الرحمن ولا العم جابر بصفة شخصية، ولا أنا قريب من أي منهما. ومعلوماتنا كلنا تقريباً عن الموضوع مستقاة بالكامل تقريباً من الإعلام؛ وهي معلومات متضاربة ومتناقضة وغير كاملة.
ثالثاً: أنه لا عبد الرحمن ولا جابر هو من قام بتأليف أو حفظ الملحمة، فالملحمة قائمة ومتداولة منذ مئات السنين، وليس في مصر وحدها بل أيضاً في بلاد الشام والعراق؛ وهناك آراء تدعي أن أرض الفرات أصلها؛ مع الاعتراف لمصر بفضل احتضانها في العقود الأخيرة وتمصيرها وغنائها بلهجات قراها وأبنائها (والله أعلم).
رابعاً: شكراً لعم جابر مجهود عمره وشقائه وحفظه أمانة توارثها وغنائها وهذا شيء لم يكن ليقدر عليه الخال عبد الرحمن أبداً. وشكرا للخال عبد الرحمن توثيق حفظها كتابة ونشراً بأكثر من نسخة، (غير نسخة جابر ابو حسين أيضاً هناك نسخاً كثيرة أكمل الأبنودي جمعها) علها تبقى عمراً أطول، دون وهن أو سحن. وهذا عمل لم يكن ليقدر عليه عم جابر أبداً.
خامساً: أن كلاهما قد ربح ما عمل لأجله. عم جابر عاش عمراً مديداً مرتزقاً منها بقدر ما أراد وبقدر ما أراده له ربه. وأجره (أكبر أو أصغر يكون) ليس في هذه الدنيا. والخال عبد الرحمن قد أخذ ما عمل لأجله أيضاً. ربما كان عم جابر والملحمة سبباً لاتساع رزقه وشهرته (وهو لم يكن معدماً أو منكوراً قبلها)؛ ولكن حتى لو كان كذلك فهذا لم يكن فضلاً مَنَّ عليه به عم جابر وأعطاه إياه بمقابل معلوم أو بأجر أو عقد لم يوف به الخال عبد الرحمن؛ بل كان تلاقياً في رغبة وعمل؛ أخذ منه كلاهما ما خطط له واجتهد إليه وقبل به.
سادساً: نحن مستمعون ومستمتعون ومستهلكون لفن عم جابر ومجهوده في الملحمة وفن الخال ومجهوده بها. ونشكرهما على ذلك ونحبهما كلاهما لهذا. ونحن لسنا قضاة ولا محكمين في مسألة أخلاقية لا نعلم عنها شيئاً. ولا نريد أن نصبح كهؤلاء الذين قاموا بالمظاهرات ضد كتب لم يقرأوها، أو كمن حاول طعن نجيب محفوظ دون أن يقرأ روايته التي ظنها كفراً. ولا كمن يقف في الجانب الأخر مدافعاً عن أشياء وأناس لا يعرف عنهم شيئاً.
سابعاً: النوايا في علم الله؛ والرزق من عنده، وقيمة الفن لم تكن أبدا تقدر بالثمن المدفوع فيه.
ثامناً: الفن الجيد لا يأتي بالضرورة من إنسان جيد؛ والفن السيء لا يأتي بالضرورة من إنسان سيء. ونحن لسنا في موقف الحكم على فنون الناس بأذواقنا ذاتها ولا في موقف الحكم عليهم بنفوسنا الجاهلة وعقولنا القاصرة وعلمنا القليل.
وأدعو بالرحمة على الإثنين، فالرحمة جائزة على الميت والحي.
بل أننا حتى لا نعرف في الحقيقة من هو الميت ومن هو الحي.
عصام اللباد