جوانب من التطور التاريخي للخط العربي
1.جرد تاريخي للخط العربي
تجدر الإشارة إلى أن الخط العربي قد أثيرت في شأنه عدة نقاشات و تباينت الآراء في أصله و كيفية تطوره و عدم الاستقرار على رأي معين جعل بعض الباحثين يقول بأن أصل الكتابة العربية و تاريخها المبكر يبقى غامضا.
و الروايات الواردة في أصل الخط لا تعطي جوابا شافيا عن أصله و تطوره ، فالمارودي ذكر أن أول من كتب الخط آدم عليه السلام حيث كتب سائر الكتب قبل موته بثلاث مائة سنة في طين ثم طبخه فلما غرقت الأرض في زمن نوح عليه السلام بقيت الكتابة فأصاب كل قوم كتابهم فبقي الكتاب العزيز إلى أن حظي به إسماعيل عليه السلام.
أما ابن قتيبة فقد حكى أن أول من كتب الخط إدريس عليه السلام.
هذا عن أول من كتب بالقلم. أما عن أول من كتب العربية فهنا أيضا نجد تضاربا بين روايات ابن العباس و كعب الاحبار و عروة ابن الزبير و المدائني
و في بعض الروايات الأخرى نجد الخط العربي نقل من الحميري و جزم منه لذلك سمي بخط الجزم و أن أهل الأنبار تعلموه من أهل اليمن .
أما عن أول من أبرز الكتابة على صورتها فهو أبو الحسن ابن هلال المعروف بابن البواب و هو كاتب مشهور و إن كان علي ابن مقلة الوزير أول من كتب بهذه الطريقة و أبرز الخط العربي في صورة جديدة نقلا عن الخط الكوفي و كان خطه في غاية الإتقان و الجودة لكن يبقى ابن البواب هو الذي هذب هذه الطريقة و نقحها و بلغ فيها الغاية و أغلب آراء الباحثين الذين اعتمدوا على الشواهد الأثرية تؤكد أن الخط العربي متخلف عن الخط النبطي و بصفة عامة يظهر أن الكتابة العربية نشأت في شمال الجزيرة العربية متأثرة بكتابات استفحلت في المنطقة سواء كانت مضرية أو نبطية و مسند و كتابات أخرى لها حضور بشكل أو بآخر في الكتابة الجديدة التي تركزت في الأنبار و الحيرة ثم انتقلت إلى الحجاز من نقاط الاتصال الحضرية المعروفة طدومة الجندل في نجد و مدين في شمال الحجاز و هذا ما وضحته الروايات العربية و أبدته النقوش المكتشفة : أم الجمال و النمارة و نقش حران و نقش زبد .
على أن هناك حقيقة لا جدال فيها أن الخط قديمه و حديثه يلقي أول ضوء على سلسلة من التطور الأول للخط الكوفي الذي استمد منه الخط العربي المعاصر و مرد ذلك أنه حين تم بناء الكوفة نزح إليها أهل الحيرة و الأنبار فنشروا الخط في أهلها و جودوه و برعوا فيه فنسب إليها الخط الكوفي بدلا من الحيري أو الأنباري علما أن الخط كان يسمى المكي و في المدينة بالخط المدني تبعا للمدن التي كان يظهر فيها.
2.إنتشار الخط العربي
حين ظهر الإسلام كانت الفئة التي تقرأ قليلة ، و قد كانت هناك حاجة ماسة لكتابة الأمور التي تمارسها هذه الفئة و هي "التجارة" كما أن هذه الفئة كانت محصورة في عداد الصحابة و بعض أهل الذمة . و كان الرسول صلى الله عليه و سلم يدرك أن للكتابة أثراً عظيما و عونا كبيرا في نشر الدعوة الكريمة ، و كان أقرب الناس إليه الكُتاب و خاصة كُتَّاب الوحي و لا جدال أن الكتابة هي الوسيلة الوحيدة لتدوين كلام الله و أحاديث رسول الله ، و بما أن التدوين وسيلة البقاء و الديوع و الانتشار فقد عمل الرسول (ص) على نشر الخط العربي بين المسلمين
و قد انتشر الخط العربي في مجال كبير من العالم الإسلامي تبعا للفتوحات فانتشر في الجزيرة العربية و الشام و العراق و فارس و خراسان و ما وراء النهر و السند و انتشر في أرمينية و القوقاز و ديار بكر و آسيا الصغرى و انتشر في مصر و إفريقية (تونس) و المغرب الأقصى و السودان و انتشر في الأندلس و جنوب إفريقيا و صقلية .
و بالجملة انتشر الخط العربي حيث انتشرت اللغة العربية نفسها و رفت الحضارة الإسلامية التي كانت شائعة قبله في البلدان المفتوحة فيمحوها تارة أو يسود عليها أحيانا و عن ذلك يقول المستشرق الانجليزي أرنولد توينبي << لقد انطلق الخط العربي الذي كُتِب به القرآن غازيا و معلِّما مع الجيوش الفاتحة إلى المماليك المجاورة و البعيدة و حيث ما حل أباد خطوط الأمم المغلوبة >>.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
عن موضوع جوانب من التطور التاريخي للخط المغربي، للباحثة فتيحة الشقيري/ المغرب
__________________
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضـــه فكل رداء يرتديه جميـــــــــــــــــــل
و إن هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل