[عمر كامل]

و نستدل من هذه الابوذية ايضا ان الابوذية من الالوان الغنائية التي استطاعت ان تحافض على ديمومتها حتى يومنا هذا وان طرأ عليها الكثير من التغيير عبر مسيرة التاريخ من حيث الاغراض و المفردات و تشعبت طرق ادائها بالرغم من انها كانت تؤدى كما هو الحال بالنسبة لوقتنا الحاضر .
الا ان اللهجات المحلية التي تراكمت عبر الكثير من الضروف المتشابكة ، بدات الابوذية تكتب باللهجة العامية التي يتداولها السواد الاعظم من اللذين حرمو من نعمة المعرفة و الثقافة و القت بهم الظروف الصعبة المتلاحقة في آتون الفقر و الحرمان وسادت بينهم المفردات التي تحرفت في النطق من اللغة العربية حتى اصبحت الحوار اليومي ، الا ان الابوذية و كنتيجة لاقتراب الارياف من المدن و اقتراب الحوار اليومي من اللغة الام ، و اتساع دائرة العلم و المعرفة ، بدات هي الاخرى تنتقي الكلمات العربية السلسة او ما يسمى ب ( لغة المثقفين ) التي تخللها الكثير من الكلمات العامية ايضا و هذا ما يؤكد لنا بان اللهجات المحلية في طريقها الى الانصهار في بودقة الفصحى طال الزمن ام قصر لكن ليس معنى هذا ان نسمح للزمن ان يسلب منا تراثنا الشعبي ليكون نهبا للتلاشي و الاندثار ذلك لانه جزء من تاريخنا و يعتبر وثيقة من المهام الوطنية و القومية و ا لا فما هو عذر التاريخ لاجيالنا الصاعدة ان لم يحتفض لهم بتراث الاباء و الاجداد و بما ان الابوذية جزء مهم من موروثنا الشعبي فلا بد من تدوينه لكي لا يكون التراث مبتورا في التوثيق .

معنى الابوذية

الابوذية ضرب من ضروب الغناء الذي استحوذ على قلوب الناس وياخذ له مكانة مرموقة في عالم الغناء و خاصة بعد ان تشعبت اطواره و ازدادت طرق ادائه و اضيقت له العديد من ابتكارات و الاضافات على يد المبدعين من الشعراء و المطربين ومن اطواره ما ولد فطريا و بطرق الصدفة و الابوذية الذي هو من بحر الوافر و يعتمد الجناس الثلاثي و القفلة الواردة في شطره الرابع و الاخير تكون عادة مغايرة لشطوره الثلاثة اذ انها تنتهي بحرفي ( الباء و الهاء ) و من الابتكارات و الابداعات التي طرات على الابوذية هي :
1- الابوذية المطلق
2- ابوذية المشط
3- الابوذية المولد
4- الابوذية المدور
5- الابوذية المطرز
6- الابوذية السباعي
7- الابوذية المنثور
و هنالك ابداعات سناتي عليها بعد ان نشبع الموضوع بحثا و نسلط عليه الضوء من كل جوانب .
بمرور الزمن ، و بعد ان توضحت معالم الابوذية و كثر رصيده من المطربين و الشعراء و المتلقين اصبحت كل طور من اطواره يطلق على اسم مبتكره او القبيلة التي نشا فيها او ياخذ اسم المنطقة التي ولد فيها .
او تقذف به الصدفة الى ساحة الاطوار وهنالك على سبيل المثال لا الحصر ( حسين العبادي ) الذي ترعرعت الابوذية على يديه و اعتبر اول مبدع و مبتكر لها في العصر الحديث فتحولت الابوذية الى ( عبودية ) نسبة الى قبيل ( العبادي ) التي ينتمي اليها ( حسين العبادي ) حتى انك تستمع الى كل المطربين القدامى الذين سجلوا لشركات الاسطوانات الاجنبية مستهل الثلاثينات اعتمدوا كلمة ( عبودية ) بدلا من ابوذية ولا يفوتنا ان نذكر بان جميع اطوار ابوذية العديد تغنى على وزن شعري تقليدي واحد مضافا اليه الابتكارات الاخرى .

_______________

حسن العبادي :
هو حسين بن عبد الله بن نجم ( آل مكن ) و ال مكن هم من رؤساء عشيرة ( العبادة ) التي تقطن قضاء الجزائر ( الجبايش سابقا ) و التابع لمحافضة ذي قار
و لشدة تعلق ( ال مكن ) برؤساءهم و حبهم الكبير لهم و الذي يكاد يصل الى حد العبادة دهشت بعض القبائل من هذا الحب العنيف المطلق الذي تمثله ( ال مكن )
فاطلقت عليهم ( العبادة ) و منهم كما اشرنا حسين العبادي هذا الرجل الذي عرف بالوقار و الموهبة و الرزانة وقوة الشعر .
استطاع ان ينقل اسم الابوذية الى ( عبودية ) نسبة الى الاسم الذي اطلق عليهم اي ( العبادة ) و بالفعل ان هذا اسم ظل ملازما لها لردح كبير من الزمن .
و حسين العبادي وفق ما حصلنا عليه من المعلومات الدقيقة من خلال اللقائات مع المعمرين وفي مقدمتهم الشاعر الكبي ابو معيشي الذي بلغ المائة و العشرين من العمر
و الشاعر المؤرخ حمدي الحمدي .. بان (العبادي ) عاش اكثر من تسعين سنة و قضى السنوات الاخيرة في امارة ( ناصر باشا السعدون ) وهو من الرجال المكرمين في حومتها .


الابتكارات في الابوذية :

و الان لنستعرض معا جملة من الابتكارات التي اضيفت الى الابوذية من قبل الشعراء و المبدعين من عشاق الابوذية :

الابوذية المطلق :

ان الابوذية المطلق هو الذي يترجم احاسيس الشاعر وياتي وليد خياله الذاتي المطلق وتكون فكرته من عنديات الشاعر فيبتكر صورا شعرية لم يسبقه احد الى طرحها .
لكنه في كل الاحوال لايختلف عن القاعدة التقليدية التي يكتب فيها الابوذية لا من حيث الوزن الشعري و لا من حيث الجناس الثلاثي ، الا انه يتميز بالمعاني الشعرية
المبتكرة الغير مطروقة .
و اليك عزيزي القاريء النموذج التالي من الابوذية المطلق :

الهوى يا ناس مرمرنا وهدنة .... هد الحيل
وصحنا يا هوى اتركنا وهدنة .... وفكنا
نريد من السهر راحة وهدنة ..... الهدنة
كال الدمع صار الكم سجية

2- الابوذية المولد :

هذا النوع من الابوذية استطيع القول انه يعيش على فتات افكار الاخرين من شعراء الفصحى بالرغم من جماليته التي يمتلكها ، فهو يغرف من منهل سواه معتمدا
على المعاني الواردة في ابيات الفصيح ليفرغها في قالب اللهجة العامية و الغرض من هذه الطريقة في كتابة الابوذية المولد هو توضيح المعنى الوارد في الشعرالفصيح
الى المتلقي الذي ربما يجهل المعنى الشعري في الفصحى ولكي يضفي على الابوذية مسحة تطريبية ، وهذه الطريقة اخذت طريقها الى الانحسار اذ ليس هناك
من يجهل ما تقوله الفصحى ا لا ما ندر ، و مع هذا فالابوذية المولد لا يخلو من الصعوبة في النظم ذلك لانه اشبه بمن يترجم الى لغة اخرى ، و ان الابيات الجميلة في دواوين
الشعراء الفصحى وولدوا منها ابيات الابوذية ولم يجدوا في الشعر الحر و الحديث ما يستهويهم و يدفعهم الى كتابة ابوذية المولد و هذا نموذج له و الفصيح هنا للشاعر احمد شوقي :

اقول لهم في ساعة الدفن خففوا
علي ولا تلقو الصخور على قبري
الم يكفي هم في الحياة حملته
فاحمل بعد الموت صخرا على صدري

بهل بجنازتي للكبر عناي .... معتني
روح انشد اهموم الوكت عناي ... عنائي
يا دفان شيل الصخر عناي .... عني
اهمومي اثكل من التراب العلية



يتبع ......