الرُّتوشُ الأخيرة ُ
في لوحةِ الخيل ِ والبحر
أخي سمعجي
مساء الخير
كان لا بد أن أتأخر في التعقيب والرد
فملحمتك هذه ..لا يمكن قراءاتها مرة أومرتين
إنها تحتاج إلى قراءة متمهلة وواعية ..
لأن رموزها عميقة ..وصورها مكثفة
إذن ...
هي الطلول ....
بصورتها الحديثة
المرايا وتفاصيل الذكريات
ولوحة الخيل والبحر
ثم
وجهي القديم ....
الذي ستتغير ملامحه ...بعد قليل
ويصبح وجها آخر تماما
إنها أطلال....مزدوجة
أطلال الحبيبة
المتماهية مع أطلال مصر..الوطن وماذا حل به
هكذا يروقني التأويل
إذن هما صورتان
متضادتان
صورة قديمة تطل من خلال ذاكرة المرايا
صورة زاهية ..رائعة
تتوهج فيها كل التفاصيل
وتحتفظ بألقها
لكن هذه التفاصيل
تفقد قيمتها تماما
حينما نفقد أنفسنافيها
فنعود لنمزق كل هذه التفاصيل
ولا يبقى لنا سوى الصمت العميق
هل أقول أنه صمت استسلام
لا ...لا ...لا
إنه صمت ..يخفي
بركانا ثائرا......مثلما قال نجيب محفوظ لما سئل
عن هدوئه العميق....
بأنه يخفي بركانا ...واشتعالا دائما
إذن إنه صمت نبيل ...ونبيل جدا
وكيف لا يكون ...ولم يبق ..إلا..
الصَدىَ
والفراش المحنط
يمامٌ يَحُط ُّعلى شـُرفةِ القلبِ
ثم يطيرُ إلى شـُرفةٍ في المدىَ...( ولعله لم يجد جوابا ..)
ضبابية ٌ طـُرقاتُ المدينةِ
والإحساس بقرب النهايات
ومن حلاوة الروح ...
أنادي ثانية
عودي إذن يا يقيني الوحيد
الحبيبة في لحظة التوهج ..هي اليقين الوحيد فعلا
تماما مثلما الوطن في لحظة ..انهماره ..في نسغ العظام
ومجرى الدم ....
يصبح اليقين الوحيد ..الذي نموت لأجله
...
...
كان لابد عندما أقارن الصورة القديمة بالجديدة
أن أشعر بالعري...والخجل من هذا العري
لأن كل شىء...تغير أو ضاع ِ
فإنـِّيَ أخجَلُ من عورتي
وقبل أن..يستبد الحزن ..ويهجم الصمت ..
كان لابد أن أرفض
أرفض تشويه التوهج القديم للتفاصيل والذكرى
وأريدها أن تحتفظ بألقها كما كانت
لذلك رحت ....
أحطم أقلامَكِ الأبـَنوسَ
وأمحو الرتوشَ الصغيرة َ...ما أبلغ أمحو هذه ..وماأعمقها
في لوحةِ الخيلِ والبحر ِ
وأبعثر ريشَ القصائِدِ...بل أنتف ريشها
وأغلق سِفـْرَ الجنون ِ
حتى تأتيك البشائر .........
.............................
هذا مفصل شديد الدلالة
لابد من صنعا وإن طال السفر
لا بد أن تأتي البشائر
....
ستأتيكِ مِني البشائرُ ..
فها أنذا ألبس قناعا جديدا
قايضتُ ضوءَ المصابيح ِ ،
بالبرق في عُـريِـِهِ
رتوشي الصغيرة َ
في لوحةِ الخيل والبحر ِ،
بالضَّحِكِ المستعار ِ
دَمي ،
بمِدَادِ الغروب المُحَدِّق ِِ
ولكن إلى حين...!!
سأعمد للصمت الذي لا أملك غيره..
........................
.......................
ولتـَصْهَل الخيلُ في أ ُفقِها كيفَ شاءَت
( أنا سيدُ الصمتِ )
وليرعد البرقُ في لـَيلِهِ كيفَ شاءَ
( أنا سيدُ الصمتِ)
أمضي على شارع ِ الموتِ
ظِلَّ فـَتىً .
شبَحا ً أسوَدا
من مراياكِ
أخرُجُ مستسلما ً للخريفِ
وليس لوقع ِ حِذائي صَدَى
يَمامٌ يَحُط ُّعلى شـُرفةِ القلبِ
ثم يطيرُ إلى شرفةٍ في المَدَى
ويتركني
عند قبر انتظاركِ
منفردا ً
شاهِدا
...
وسأظل منتظرا...
وشاهدا ...شاهدا ....!!
أخي سمعجي
للمتلقي الحق في أن يقرأ
النص ..بما تستريح له
رؤاه ...وتطلعاته ..
وأنا قرأته هكذا ..كما قلت
بقي لي أن أقول
أن هذه ملحمة ...أو قل
توهج للذكريات ..
عند بقايا الأطلال
الأطلال الحديثة
وما اختلفت ..عن أطلال
امرىء القيس..قفانبك من ذكرى
ولا عن أطلال
طرفة بن العبد
لخولة أطلال ببرقة ثهمد
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
ولا عن أطلال شاعر لا أذكره وهو يقول
وتلفتت عيني فمذ خفيت
عني الطلول تلفت القلب
وها أنذا ...معك أخي سمعجي
نجلس عند قبر اإنتظارك ..
أنا لأواسيك
وأنت ليبقى قلبك متلفتا ....
قبل ضياع خيال الطلل
....................
ما هذا
سكوت ...سكوت ...سكوت
نحن في حضرة صمت ..نبيل
...................
تحياتي
__________________
يوسـف أبوسالم - الأردن
الموسيقى هي الجمال المسموع
مدونة الشاعر م.يوسف أبوسالم