[عبدالقادرمكي]

الاستاذ الصديق محمد بحري تحية حارة وكل عام وانت بخير
في الحقيقةهي لحظات سعيدة وممتعة الحديث عن الموشحات وفنونها وشجونها مع صديق عالم ومتمكن بهذا
الفن الغنائي الكبير
صديقي العزيز كانت فيما سبق عملية حفظ وتوثيق العمل الغنائي الموسيقي اصعب من تأليف و ابداع اللحن ذاته
وذلك لصعوبة توفر الية معينة لحفظ العمل قبل اعتماد التوتة الموسيقية الغربية في وقت متأخر وهكذا فقد نفلت جل الاعمال الغنائية بطريقة السمع المتواتر كما تعلم وتلك كانت اسوء طريقة لحفظ التراث الموسيقي وقد ظل معمولا بهذا لوقت غير بعيد في مطلع القرن الماضي ونتيجة لذلك افتقدنا للكثير من الكنوز الموسيقية التي ضاعت بين سوء الذاكرة وسوء النقل وضاع معها جهد وعمل المؤلف وسقط اسمه بين الكثير من الاعمال المؤلفة فأصبح من الصعب و العسير نسبة الاعمال الموسيقية ذاتها لاصحابها الحقيقيين . فمثلا نحن الان امام عمل غنائي وليكن موشح وقد اطلق عليه موشح قديم ان اطلاق لفظ قديم ايها الصديق العزيز تحمل الكثير من المعاني والتفاسير فنحن الان امام عدة احتمالات :
الاول ان هذا الموشح فعلا قديم ولايمكننا تحديد زمن تلحينه وربما انتقل اللحن الينا من الاندلس بطريق السمع المتواتر
الاحتمال الثاني ان يكون ملحن هذا العمل كان موجدا زمن غناء هذا الموشح ولكن ربما لعدم اشتهار الملحن او قلة اعماله او ربما انصرافه الكلي عن الغناء والموسيقا قد ضاع اسمه بين العديد من الموسيقيين
اما الاحتمال الثالث ان يكون الملحن هوفعلا من كبار الوشاحين المعروفين ولكن عند تقديم اعماله للمريدين والتلاميذ لم يذكر ان هذا الموشح هو من تلحينه . وقد حدثني بذلك الاستاذ زهير منيني انه عندما كان يتعلم الموشحات مع اقرانه من المرحوم الشيخ عمر البطش لم يكن يذكر لهم اسماء الملحنين الا اذا ساله احدهم فكان الشيخ رحمه الله يهمه تعليم وتلقين الموشح بنغمته ووزنه ومن ثم الرقص على الايقاع اكثر من نسبه لحن الموشح لهذا او ذاك وايضا حدث ذات الامر مع الاستاذ كامل الخلعي فنراه في مؤلفه الكبير الموسيقي الشرقي يذكر لنا تارة (سمعناه من ابي خليل القباني ) وتارة اخرى (تلقيناه عن الاستاذ ابي خليل ) وتارة ينسب اللحن مباشرة
وعلى ذكر ابي خليل القباني فاعلم ايها الصديق العزيز ان كامل الخلعي لم يذكر في كتابه الا الموشحات التي اخذها عن استاذه في مصر تحديدا اذا علمنا ان الشيخ القباني قد سافر الى مصر في مرحلة تالية من مراحل حياته وهذا فان موشحات مثل (مالعيني ابصرت – الشمس كاس الروح تجلى – يامن رمى القلب وسار ) وغيرها الكثير ليست موجودة في كتابه
واما الاحتمال الاخير فهو عدم الدقة في البحث والتوثيق عند المراجع القديمة والاساسية وبذلك نقلت عنها المؤلفات الحديثة فانتقل نفس الخطأ وتكرر كثيرا فأصبح مشهورا وعليه فان كتاب من كنوزنا وبالرغم من كونه اهم المراجع الموسيقية الي تعنى بالموشحات غفل عن خمسة موشحات معروفة ومشهورة للشيخ سيد درويش وصنفها تحت مسمى قديم .
على انه ايها العزيز توجد موشحات من نغمات العجم والنهوند والحجازكارلايمكن ان تكون قديمة او مجهولة الملحن لان هذه النغمات بكل بساطة انتقلت الينا منذ عهد حديث نسبيا أي في اواخر الخلافة العثمانية ناهيك على ان نغمة العجم لم تكن معروفة في مصر قبل ابي خليل القباني .
في الحقيقة ان الذي يمتلك حس مرهف وعالي في تذوق الموشح يستطيع ان يعرف مسبقا المدرسة اللحنية الخاصة التي ينتمي اليها هذا الموشح اوذاك وكلما ازدادت الخبرة وسما التذوق اللحني يستطيع مباشرة ان يميز مدرسة الشيخ عمر البطش عن مدرسة ابي خليل القباني مثلا او ان يعرف مسبقا ان هذا الموشح لكامل الخلعي او ان تلك الوصلة تنتمي للمدرسة القديمة او ان هذا الموشح للاستاذ محمد بحري فيما ان تلك الجمل اللحنية هي خاصة لعدنان ابو الشامات مثلا وان هذا التوشيح هو من المدرسة المصرية وهكذا.... وقد كان المستمعون المصريون قديما يطربون للدور ويهتفون باسم ملحنه قبل ان يعلموا حقيقة اسم الملحن فقدكانوابخبرتهم يميزون ادوار المسلوب عن محمد عثمان وادوار الحامولي عن داوود حسني وهكذا ....
فان لكل ملحن نفس او حس خاص يطبع بشخصه وعلى هذا فاننا عندما ننسب موشح اشفعوا يال ودي للشيخ ابي خليل القباني بالرغم من ان الكثيرمن المصادر ذكرت ان الخانة فقط لابي خليل نعلم جيدا ان المرحوم الشيخ اب خيل القباني لم يشتهر عنه وضع خانات للموشحات القديمة (على خلاف الشيخ عمر البطش )فقد كان يقدم او يلحن الموشح خدمة لمسرحه الغنائي ليس الا وهكذا فلم يلحن الشيخ وصلات غنائية انما في سبيل فكرته التمثيلية المسرحية وخدمة لنصه المسرحي الغنائي على ان هذا الموشح هو اطول موشح في التراث العربي فكيف يزيد عليه طولا ولكن نسبة الموشح القوية له اتت من كونه لا يخرج عن مدرسة برزت سمس الكمال ويامن رمى القلب وسار .
وحتى موشح هيا وانديم بالرغم ذكره تحت الموشحات القديمة نرى انه لايخرج قيد انملة عن المدرسة البطشية
وهكذا فان مرجعا هاما مثل سفينة الملك لابن شهاب الدين لايمكننا ان تعتد به دائما لان معظم موشحاته قد فقد تلاحينها الامر الذي ادى بكبار الملحنين الى اخذ نظم هذه الموشحات واعادة تلحينها بطريقتهم الخاصة والا فقد نتهم الشيخ عمر البطش بسرقة هذه الموشحات ونسبتها لشخصه (كما اخبرني احدهم )
وعليه فان ذاك المرجع هو مرجع دقيق وهام في عصره وغير ملزم لنا ابدا في عصرنا .
ان الحديث يطول ويطول ونحن الان نتقبل تهاني العيد السعيد ولنا كرة اخرى باذن الله ومما زاد بهجتي وسروري انه بوجود الاستاذ الفنان محمد بحري لن يكون الموشح غريبا ابدا في بلده وموطنه حلب الشهباء
ادامه الله ذخرا لخدمة هذا الفن الراقي العالم