
كان عبد الحليم نجماً اعلامياً
اكثر ما كان يميز العندليب الراحل عبد الحليم حافظ عن زملائه من الفنانين والمطربين، ولا سيّما الذين ظهروا معه في وقت واحد الى العالم الفني، هو الاقتناع الذي رسخ في اعماقه بأن "الإعلام" هو عنصر هام في حياة كل فنان، وخصوصاً اذا كان ناشئاً وصاعداً ويريد ان يجد مكاناً له في قمة يحتلها عدد من العمالقة لم يتزحزحوا من امكنتهم التي تربعوا فيها منذ ربع قرن.
وفي تصوّري ان جو ثورة الثالث والعشرين من يوليو "تموز" الذي ظهر فيه عبد الحليم حافظ هو الذي فتح عينيه على الدور الهام والخطير للاعلام في اي مجال، واذكر انه كان ما زال في خطوات الشهرة الأولى عندما اخذ يدعى للغناء مجاناً وتبرعاً في حفلات كانت تقيمها هيئات ونقابات مختلفة، وقد اعترض احد مدراء اعماله يومئذ على كثرة هذه الحفلات وطلب من العندليب ان يرفض اية حفلات لا يتقاضى عنها اجراً، ولكن العندليب الذكي رد عليه بقوله:
ـ ان الدعاية التي اكسبها في هذه الحفلات هي أضعاف اي مبلغ يمكن ان اتقاضاه كأجر عن الغناء فيها.
ومرة سأله رفيق دربه محمد الموجي:
* ايه حكاية اهتمامك الغير معقول بالدعاية؟
وابتسم عبد الحليم وقال:
ـ اذا كانت الثورة بما تملك من قوة وسلطان وقدرة على فرض اي شيء، تهتم بالاعلام لتصل الى كسب تأييد الناس وتصفيقهم، فكيف لا يكون عندي اهتمام بالاعلام، وانا الذي اسعى الى ان يكون لي جمهور يساندني ويدعم خطواتي الفنية.
والذي عرفه كل من عايش عبد الحليم حافظ عن قرب، او حتى عن بعد، طوال حياته الفنية، هو انه كان يخصص باستمرار قسماً كبيراً من وقته للاعلام والدعاية، وقد كان على قدر كبير من الذكاء في تعامله مع كافة الاعلاميين من صحفيين، واذاعيين وتلفزيونيين، فهو لم يرتبط معهم وبهم كـ"زبون" يؤدون له الخدمات فيدفع لهم الثمن، وانما استطاع بكل ما عنده من ظرف وذكاء وشخصية جذابة ان يكون نجماً في مجالسهم، وحبيباً الى قلوبهم، وصديقاً عائلياً لهم، ولست اعتقد ان العندليب الراحل قد عاشر أية فئة كما عاشر الاعلاميين، الذين كان كل منهم يشعر بأن عبد الحليم هو اخ له او صديق او قريب، ومن هنا، فإن الخدمات الاعلامية كانت تغرّقه حتى بدون ان يطلبها.
ان الصحف العربية كانت دائماً تملأ اعمدتها بصور واخبار عبد الحليم حافظ، لأن الصحفيين كلهم ـ وعلى اختلاف درجاتهم ـ كانوا اصدقاء له، ولم تكن تفوته فرصة لمجاملتهم في اية مناسبة سعيدة او حزينة، وفي كثير من الاحيان لم يكن اختلاف الرأي بينه وبين صحفي يفسد علاقاته الودية معه، بل كان يحدث في كثير من الاحيان، ان يوجه احد الصحفيين نقداً الى عبد الحليم، وبدلاً من ان يغضب العندليب ويثور ويقطع علاقته بالصحفي، كان يتصل به، ويُفهّمه انه كان سعيداً بالنقد الذي وجّهه اليه، لان النقد هو الذي يفيده كفنان، وبطبيعة الحال فإن الصحفي لم يكن يستطيع بعد هذه المكالمة الرقيقة، والتي يحس بأنها اخوية، الا ان يكتب في اليوم او الاسبوع التالي مقالاً طويلاً عريضاً في مدح العندليب والاشادة بفنه.
وعبد الحليم حافظ هو اول فنان عربي وضع في الاعتبار انه عندما يسافر الى خارج مصر ليغني في اي بلد، فإنه لا يكون مجرد مغن، وانما هو سفير فني لبلده، ومن هنا فأنه لم يكن يصحب معه فقط الى هذه الحفلات الفرقة الموسيقية التي ستعزف معه في الحفلات التي سيحييها، بل كان يدعو على حسابه بعثة اعلامية للسفر معه وتغطية حفلاته، وكانت هذه البعثة تتألف من محررين ومصورين صحفيين ومذيعين من التلفزيون والاذاعة، وخلال الرحلة كان العندليب يهتم بضيوفه اهتماماً غير عادي، ويصر على دعوتهم الى اية حفلات تكريمية تقام له، وكثيراً ما كان يقدمهم الى الشخصيات الرسمية والكبيرة التي يتعرف عليها او يرتبط معها بروابط الصداقة بحكم شهرته.